على المقلب الآخر من "دولة الخلافة في
سوريا" يدعو الرئيس التركي عبدالله غول إلى "تغيير" السياسة التي تنتهجها أنقرة حيال سوريا منذ ثلاثة أعوام.
كما يتوجه رئيس الوزراء رجب طيب
أردوغان إلى إيران لطي صفحة التوتر التي كان عنوانها الأزمة السورية. وإذا كان من المبكر القول أن ثمة تغييراً قريباً في الموقف التركي من سوريا، فلا يمكن إنكار العبء الثقيل الذي خلفته الأزمة السورية على تركيا.
من نشوء دولة للجهاديين على الحدود الجنوبية للبلاد، إلى الشرخ في العلاقات مع إيران والعراق، إلى الجدل الداخلي.
وعلى أبواب انعقاد مؤتمر جنيف 2، ليست تركيا وحدها من يسعى إلى إعادة تقويم سياستها حيال سوريا.
فهناك حديث متزايد في الصحافة الأجنبية عن اتصال أجهزة استخبارات غربية بالحكومة السورية للاستعلام عن جهاديين غربيين يقاتلون في صفوف "الدولة الاسلامية في
العراق والشام" (
داعش)، و"جبهة النصرة" المواليتين لتنظيم "القاعدة" وفي صفوف تنظيمات جهادية أخرى لا تقل تطرفاً عن هذين التنظيمين.
وينعكس قلق الغرب من الجهاديين الاوروبيين في تصريحات رؤساء الدول التي كانت من أكثر المتحمسين لإسقاط النظام السوري، وكان آخرهم الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الذي أعلن عن وجود 700 مقاتل فرنسي في سوريا.
وبعد ثلاثة أعوام على الحرب السورية، هل بدأ العالم يعيد النظر في مواقفه وهل بدأ نوع من الاستدراك التركي والغربي لما يمكن أن تشكله الأرض السورية من خزان جهادي يفوق بكثير ذلك الذي شكلته أفغانستان في الثمانينات من القرن الماضي وأوصل إلى إفراز "طالبان" و"القاعدة"؟ ولا يبدو أن العالم على موعد مع إفراز حركات وتنظيمات أقل تطرفاً، إذا تسنى لـ"داعش" و"جبهة النصرة" اكتساب مزيد من النفوذ في سوريا أو في العراق.
هذا هو التحدي الذي يواجه العالم اليوم، والذي بدأت شظاياه تمتد إلى لبنان وإلى فولغوغراد في روسيا وغداً من يدري إلى أين، إذا تمكن الجهاديون من تثبيت أقدامهم أكثر في سوريا والعراق.
ويزداد الإحراج الغربي بعدما ثبت له أن رهانه على قيام معارضة سورية متماسكة وقوية قادرة على أن تشكل بديلاً من النظام، بدأ يتلاشى مع فقدان
الائتلاف السوري تأثيره الميداني، وابتلائه بالانقسامات قبل أن يصل إلى الحكم، فأتى الجهاديون ليستفيدوا من حال الفوضى التي نجمت عن الأزمة السورية، تماماً مثلما تسللوا إلى العراق مستفيدين من حال الفوضى التي خلفها الغزو الأميركي عام 2003.
ربما كان جنيف 2 مناسبة لتغيير المواقف واعادة النظر والتأمل في كلام عبدالله غول.
(عن صحيفة النهار اللبنانية 19 كانون الثاني/ يناير 2014)