لا يمكن العودة إلى حدود 25 يناير حتى لو أعاد الجيش مبارك إلى قصر الرئاسة. والثورة كما بدا من يوم أمس تحاصر الجيش كما يحاصرھا، وحشد نصف مليون عسكري ورجل أمن، ونشر المدرعات وتحليق الطيران قتل المتظاھرين بالرصاص الحي، وصناعة الإرهاب وتفجير المفخخات لم يمنع الشباب
المصري من النزول باستشهادية إلى الشوارع، وھو الشباب ذاته الذي أجمعت وسائل الإعلام المستقلة على مقاطعة أكثريته لاستفتاء على دستور الكھول أبو 98 بالمئة.
يخطئ من يعتقد أن الجنرال
السيسي لن يصل إلى الرئاسة، فهو منذ اليوم الأول حاكم مصر بلا دستور ولا استفتاء، وسيكتسح الانتخابات المقبلة ربما بـ 99 بالمئة، لكن يخطئ أكثر من يعتقد أنه سيكمل دورة رئاسية.
فالجنرال الذي يجيد المناورة والخداع والعمل في الظل سيكون وجھا لوجه مع جماهير لم تغادر الشوارع أصلا، ويوما وراء يوم سيزول مفعول مخدر الوعود الذي صرف مقرونا بمليارات تبرعت بھا السعودية الإمارات والكويت، تبخرت ولم يجد لھا المواطن أثرا، فالاقتصاد باعتراف سلطات الانقلاب في تدھور والأسعار في انفلات.
والمواطن الذي توھم أن السيسي سيصلح الأوضاع بعد مرسي أدرك وسيدرك أكثر أن الوضع الاقتصادي زاد سوءا، مع فارق جوھري، أيام مرسي كانت الكرامة والحرية مصانة، اليوم لا كرامة ولا حرية ولا حقوق.
لن تتعرض الثورة اليوم لخداع استراتيجي كما حصل قبل ثلاث سنوات، فتغيير رأس النظام مع بقاء الدولة العميقة مكن العسكر الذين خرجوا من الباب من العودة من الشباك.
للتذكير ثورة 25 يناير كان شراراتها الشهيد خالد سعيد، الذي قتل ثلاث مرات على يد الأمن ثم على يد القضاء والثالثة على يد الإعلام. ولم يكن في يد الثوار وقتها غير مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصا صفحة "كلنا خالد سعيد".
القتلة الثلاثة لم يحاسب منهم أحد بل ھم اليوم في أعلى درجات النفوذ، والثوار من الاتجاهات كافة ھم بين شهيد وسجين وطريد.
وآخر ما حرر محاكمات 6 أبريل والحملة على وائل غنيم من خلال تسجيلات أمن الدولة.
الجديد اليوم ھو تقليد القمع السوري من خلال عسكرة الأمن، فقد ظل الجيش في مصر (ظاھريا) محايدا، والقمع من اختصاص الداخلية، بعد الانقلاب لم يعد يخجل قناصة الجيش والقوات الخاصة من الظهور وھم يقتلون المتظاھرين سواء في الحرس الجمھوري أم رابعة وأخيرا في جامعة الاسكندرية.
الثوار ھم من حرصوا على الحفاظ على رمزية الجيش مع أنهم كانوا يعلمون جيدا دوره في قمع المتظاھرين وقتلهم في الثورة وبعدھا.
الجنرال السيسي الذي استقبل ثوار يناير والتقط معهم الصور التذكارية بعد نجاح الثورة، ھو مدير المخابرات العسكرية التي أشرفت على "كشوف العذرية" وانتهكت عرض بنات الثورة، والجيش ذاته ھو من قام بمجزرة ماسبيرو بحق الأقباط، وفي مكاتب المخابرات العسكرية تشكلت "تمرد" وتمددت. وصول لـ 30 يونيو.
ولم تنجح كل محالات إعادة الجيش إلى دوره الطبيعي بعيدا عن التدخل في السياسة والتجارة والقضاء والاعلام.
في الذكرى الثالثة للثورة يسترشد الجيش بالنموذج السوري في القمع، وصناعة الارهاب.
فعلى الرغم من أن قيادات الاخوان خسرت خيرة شبابها وفلذات أكبادھا (المرشد مثلا استشهد ابنه والبلتاجي استشهدت ابنته وغيرهما عشرات القيادات)، إلا أنها رفعت شعار "
السلمية أقوى من الرصاص" وقبضت على جمر السلمية.
انتصار الثورة ھو بالحفاظ على السلمية، والصبر في الميادين والشوارع، ولا توجد مواعيد مقدسة ولا ميادين مقدسة، الثورة تحدد زمانها ومكانها، وما مكان ميدان التحرير وزمان 25 يناير إلا محطة مهمة في درب الآلام الطويل الدامي نحو الحرية.