لم يرتسم المشهد
الإعلامي في
الجزائر، على مقربة من
انتخابات الرئاسة المقررة يوم 17 نيسان/ ابريل المقبل؛ على صورة ثابتة، حيث يسود ارتباك وتخبط ملحوظين في عمل
الصحف والقنوات الخاصة، بسبب الضبابية المحيطة بالمشهد السياسي. وهذا مغاير لما جرى في انتخابات الرئاسة عام 2004، عندما كان مرشح النظام واضح وهو الرئيس عبد العزيز
بوتفليقة ومرشح المعارضة واضح كذلك وهو رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس.
عدم إعلان الرئيس بوتفليقة عن موقفه من الانتخابات الرئاسية القادمة، وإن كان سيترشح لها أم لا، أحدث ارتباكا، ليس فقط في المشهد السياسي ولكن في المشهد الإعلامي كذلك. فأغلب الصحف في الجزائر صارت تبحث عن "مربط الفرس" لتحدد منقلبها، مثلما فعلت في انتخابات الرئاسة عام 2004، عندما ما انقسم المشهد الإعلامي الى "معسكرين" الأول يوالي بوتفليقة والثاني يساند علي بن فليس.
ويقول محمد دخوش، الباحث في الشؤون السياسية، لـ"عربي 21": "نشاهد بوضوح أن المشهد الإعلامي يتأثر بشكل كبير بالمشهد السياسي الراهن الذي تسوده الضبابية والغموض بسبب عدم فصل الأجنحة المختلفة للنظام في مسألة الرئاسيات ومن سيخلف الرئيس بوتفليقة".
وكيف تتناول وسائل الإعلام في الجزائر مسألة انتخابات الرئاسة ؟ يجيب الباحث دخوش: "نحن أمام استحقاق بالغ الأهمية في ظل سياق إقليمي ملتهب يلقي بظلاله على الداخل الجزائري، وبالطبع ستتفاعل معه وسائل الإعلام، وسيحدث نوع من حالة الاصطفاف بين وسائل الإعلام تبعا للمرشح الذي تدعمه، وسيؤثر هذا الاصطفاف على الرأي العام بالضرورة".
وتتوزع الصحف في الجزائر بين موالية للنظام ومعارضة له، إلا ان صحف المحسوبة على المعارضة لها الصيت والانتشار الأكبر وسط الجمهور. فجريدة "الخبر" التي تحسب على المعارضة تطبع قرابة نصف مليون نسخة يوميا، وهو رقم لم تحقق صحف الموالاة مجتمعة حتى نصفه.
وصحف الموالاة تتوزع بين الصحف الحكومية والصحف الخاصة الموالية للسلطة. فالصحف الحكومية، وإن كانت تغطي نشاطات أحزاب المعارضة إلا أنها لا تنقل تصريحات قادتها اللاذعة تجاه السلطة والحكومة. وهذه الصحف الناطقة بالعربية وكذلك بالفرنسية؛ متوسطة الانتشار ولا تحقق مبيعات معتبرة، ومنها "المساء" و"الشعب" الناطقتين بالعربية و" المجاهد" و"لوريزون".
وقد ظهر التخبط الإعلامي بجلاء بعد التصريحات النارية التي أدلى بها الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني عمار سعداني؛ ضد جهاز المخابرات وعلى رأسه الجنرال محمد مدين المعروف باسم "توفيق" الاثنين الماضي.
فبينما ساندت صحف تصريحات سعداني ووصفته بـ"الجريء" طالما أنه الوحيد بين قادة الأحزاب من انتقد جهاز لم يجرؤ على انتقاده احد منذ الاستقلال عام 1962، عارضت تصريحاته صحف أخرى، وأيدت الجنرال توفيق وقالت انه هو من "أنقذ البلاد من همجية الإرهاب" سنوات التسعينات.
وعنونت صحيفة "لو جون اندباندنت" الناطقة الفرنسية بالبنط العريض "عندما يتهجم شاذ جنسيا على رجل"، في إشارة الى تهدم رئيس حزب بوتفليقة على "الجنرال توفيق".
وكان سعداني قد قال عن الجنرال توفيق انه وراء تكسير الأحزاب وتلويث الحياة السياسية، واتهمه بالفشل ودعاه إلى الاستقالة.
وساندت الأحزاب الإسلامية المعارضة، على غرار "حركة مجتمع السلم" المحسوبة على الإخوان المسلمين، و"جبهة العدالة والتنمية" الاسلامية؛ تصريحات سعداني ضد المؤسسة الأمنية، لكنهما اعتبرتا أن مؤسسة الرئاسة مسؤولة كذلك عن الفشل الذي تحدث عنه زعيم الحزب الحاكم.
ويقول الباحث محمد دخوش: "إذا تكلمنا عن المعارضة بالمعنى الحقيقي للكلمة فإن الجزائر ليست بها معارضة حقيقية". وتابع: "نعم توجد صحف موالاة وهذا يمكن تلمسه في الخط الافتتاحي للعديد من العناوين الإعلامية، لكن لا نستطيع أن نقول بوجود الصحف المعارضة. صحيح توجد عناوين لديها خط محترم وتتمتع بمصداقية أكبر من غيرها، إلا أن دلك لا يعني أنها معارضة؛ لأن الأمر يتعلق بمستوى حرية التعبير وحرية الإعلام في الجزائر الذي ما زال دون المستوى المطلوب".
ويتابع دخوش: "لقد بدأنا نتلمس عمليا الانقسام بين وسائل الإعلام، حيث يمكن أن تلاحظ تخندقها خلف هذا المرشح أو ذاك، إلا أنه لن يكون بنفس الحدة التي عرفتها الساحة الإعلامية قبل 10 سنوات، لأن الأوراق كلها لم تكشف بعد، خاصة في ظل الصراع الواضح المعالم بين أجنحة النظام المدنية والعسكرية حول تحديد هوية الرئيس القادم للبلاد".
ويقول الإعلامي الجزائري عثمان لحياني، وهو صحفي بجريدة "الخبر"، لـ"عربي 21": إن "الإعلام الجزائري حتى الآن يراقب الوضع والتفاعلات السياسية المتصلة بالانتخابات الرئاسية، وحتى الآن الصحف لم تصدر مواقف، ما عدا بعض الصحف القليلة الموالية للرئيس بوتفليقة والتي أعلنت عن موقفا سياسيا". وأضاف: "من اللافت ان الصحافة الجزائرية ما زالت تحفظ درس 2004 عندما وقع بعضها في فخ الانحياز للمترشح علي بن فليس".
ويقول لحياني: "لا أعتقد أن الصحف يمكن أن تكون محايدة هذه المرة، أغلبها ستنحاز إلى مرشح السلطة، وفي هكذا استحقاق تعيد السلطة التلويح بقضية ديون الصحف في المطبعة من اجل الضغط عليها وإجبارها على دعم مرشحها".
وبدوره يرى الإعلامي عبد السلام سقية، وهو صحفي بجريدة "الشروق" انه "لا يختلف المشهد الإعلامي، قبيل رئاسيات 17 نيسان/ ابريل عن المشهد السياسي العام في الجزائر.. هذا الأخير المتميز بضبابية غير مسبوقة، و مربط الفرس فيه هو الرئيس بوتفليقة، وتحديدا هل سيترشح الرئيس بوتفليقة لعهدة رابعة، مثلما تسوقه أحزاب الموالاة".
ويرى سقية أن التخبط الذي يميز الساحة السياسية "امتد إلى الساحة الإعلامية التي غابت بوصلتها، فصارت تتقاذف المعلومات، نقلا عن المصادر المأذونة والمؤكدة والمطلعة والمؤكدة، ليتم نفيها في اليوم الموالي".