للمستشرقين وخريجي المدارس الأجنبية، فإنني أضع النقاط فوق الحروف ونحن على البر، فأقول إن "الزعبوط" يُقصد به في لغة العرب العاربة والمستعربة هو ذلك الرداء الذي به غطاء رأس ملتصق به، كالتوأم الذي يعاني من عيب خلقي. وتذكرون يوم أن أقيمت الأفراح والليالي الملاح في الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية بمناسبة نجاح طبيبة سعودية في عزل توأم ملتصق، وسط سعادة غامرة كما لو كانت الطبيبة المحترمة قامت برحلة مكوكية إلى المريخ!
ومن هنا، وأمام حالة التخبط التي عليها الأمة، ومنذ أن ظهر الفريق عبد الفتاح
السيسي بالهدية القيمة التي أهداها له الزعيم الروسي
بوتين، والتي تتمثل في هذا الرداء الغريب الذي يحتوي على نجمة حمراء، بلون الدم الفاقع، واحتارت البشرية في إيجاد اسم له، فمن قال انه جاكت، ومن قال إنه سويتر، ومن حسم بأنه قميص. فات هؤلاء جميعاً أنه "الزعبوط" بشحمه ولحمه، والذي قدر له أن يدخل التاريخ من أوسع أبوابه، لأنه "الزعبوط" الوحيد في تاريخ العائلة "الزعبوطية" الذي يهديه زعيم لزعيم، وبوتين للسيسي، وقيصر للمشير، بحسب وصف صديقي نبيل رشوان، المتخصص في الشؤون الروسية، والذي قضي ردحاً من الزمن هناك في زمن الاتحاد السوفييتي.
الشيوعيون
المصريون فقدوا اتزانهم بسقوط الاتحاد السوفيتي وسقوط النظرية الشيوعية، لذا فإن زيارة السيسي إلى موسكو ذكرتهم بالذي مضى، فتعاملوا على أن
روسيا هي الاتحاد السوفييتي، وأن بوتين هو خروشوف، وبأن السيسي هو جمال عبد الناصر. مع أن الاتحاد السوفيتي انتهي، وهُزم في كل المعارك التي خاضها، وتبين أنه كان مخترقاً من قبل الامبريالية العالمية، وأن قادة كبارا لم يكونوا سوى جواسيس يعملون لصالح "الـسي آي ايه".
لا بأس ان صار بوتين هو القيصر، كما أصبح السيسي مشيراً، بالرغم من أنه لم يخض حرباً في حياته، ولدينا صديقاً متيماً بالألقاب فسمى ابنه "الباشا"، فعندما يًنطق اسمه يبدو كما لو كان لقباً لأبيه. واشترى شقة فوق "السطوح" وبعد أن ضم "السطوح" إليها، وضع عليها لافتة تحمل اسم "فيلا". رحمه الله فقد حل كل أزماته النفسية بسهولة ويسر!
ما علينا، فإذا كنا قد توصلنا لاسم هذا الرداء الذي أهداه بوتين للسيسي، والأردية كبقرة بني إسرائيل تشابهت علينا، فإنه وحتى كتابة هذه السطور، لم نتوصل للقيمة الدفترية لهذا "الزعبوط"، أو ما يمثله هذا "الزعبوط" من الناحية السياسية. فلأول مرة يُهدي زعيم زعيماً رداءً، ولو خيرني بوتين بين "الزعبوط" وشيء آخر لاخترت أن يطلب لي نصف "كيلو كباب مشكل"، أو طبق مهلبية، وتفكيري أنا في معدتي، وهي عندي أهم من القيمة السياسية لـ"الزعبوط" الذي بدا للجميع أنه مقطوع من شجرة، فلم نعرف نسبه وحسبه، ولهذا يصبح من الطبيعي أن نطلق عليه "الزعبوط ابن أبيه". تذكرون على زمن الرسول كيف أطلق اللقب ابن أبيه على شخص لم يعرف له "أب".
أحد لم يقل لنا إلى الآن إن كان بوتين يحتفظ في "دولاب ملابسه" بزعابيط (جمع "زعبوط") مختلفة، وأن عنده "زعبوطاً" طويلاً، وآخر فوق "الركبة"، و"زعابيط" صغيرة يهديها لأبناء الزعماء مثلاً، وباعتبار أن بصلة المحب خروف، وبوتين محب للسيسي، لذا فقد نظر الى "زعبوطه" على أنه أفضل من ناقة محملة بخيرات الله.
لقد انتظرت كثيراً أن يخرج علينا أحد المراسلين الإعلاميين العرب ليحدثنا عن السلالة الطاهرة للزعبوط المُهدى للفريق السيسي؟!.. لكن أحداً لم يفتح الله عليه بكلمة، مما فتح الباب للاجتهاد.
فهناك من قال إن الموضوع بسيط للغاية، وأن ضيف بوتين لم يكن قد عمل حسابه على جو موسكو الذي تنخفض فيه درجة الحرارة لتحت الصفر، ولهذا فالمسألة لا تعدو أن تكون حركة دبلوماسية من بوتين، فقد أهداه "الزعبوط" وعلى طريقة: "انتبه لصحتك"، و"دفي نفسك".
في حين، أن هناك من قالوا إن الهدية تمثل إهانة على أساس أنها رداء حراس بوتن، والبعض قال بل هي ترمز لخدمة الفكر الشيوعي. كما لو كان هناك شيوعيون لا يزالون في العالم، وكما لو كان بوتن مخلصاً للأفكار الشيوعية.
لقد نُسب لسفير مصر في موسكو قوله إن هذا الرداء غال على بوتين وعزيز عليه، ولهذا فلم يجد أغلى على قلبه من السيسي فأهداه له. وهو أمر ليس له تفسير عندي سوى أن يكون هذا "الزعبوط" هو خاص بالمرحوم والد بوتين، ولأن من العادة ببعض الثقافات هو الاحتفاظ بملابس الفقيد العزيز على قومه، فلم يجد بوتين أعز عليه من صاحبنا فأهداه له. "فالزعبوط" فيه من "رائحة الحبايب" إذن، ولا يهدي إلا للأحبة!
قديماً قالوا في الأمثال: "عدوك يتمنى لك الغلط وحبيبك يبلع لك الزلط". ولدينا طائفة من الناس في مصر ترى في كل خطوة للسيسي إنجاز، وكل تصرف هو تعبير عن الحكمة، وكل رحلة هي لاكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح، لذا فقد نصبوا "زفة معتبرة" بمناسبة رحلة السيسي إلى موسكو باعتبارها ستضع نهاية للهيمنة الأمريكية على المنطقة. وهو كلام لم يقله السيسي، ولم يقله بوتين. ومع أن الرئيس محمد مرسي نفسه، كان قد سافر إلى موسكو، وقال خطاباً حماسياً يفسر على قاعدة التحدي لواشنطن، والذين هتفوا للسيسي لهذا الانجاز غير المسبوق، ردوا على تصرف الرئيس المنتخب بأن ما يفعله لا قيمة له فروسيا لم تعد تعني الاتحاد السوفييتي.
المدهش أن المسؤول عن المراسم، سواء لدى بوتين أو لدى السيسي، لم يخبرنا بدلالة هدية كهذه، وماذا يرمز "الزعبوط" مثلاً، وما معنى أن يهدية بوتن لضيفه؟!
هذا الجدل المحتدم حول "الزعبوط" هو دفعني للبحث عن السلالة الكريمة، وبالبحث والتحري تبين أنه "مقطوع من شجرة"، لذا يصبح طبيعياً ان نطلق عليه "الزعبوط ابن أبيه".
وإذا كان المطربة الشعبية الشهيرة غنت من قبل: "أركب الحنطور وأتحنتر"، فيصبح من الجائز على سعيد الحظ الذي يرتدي هدية بوتين أن يغني "وألبس الزعبوط وأزعبط".
جعل أيامكم كلها "زعابيط"