من المتوقع أن يخوض
السيسي انتخابات الرئاسة المقرر إجراؤها في غضون أشهر، وأن يفوز بها. ومن المتوقع كذلك، أن يكون أول التحديات التي يواجهها هو انقطاع الكهرباء ونقص الوقود، وهي القضية نفسها التي عانى منها الرئيس المنتخب محمد مرسي، وأثارت احتجاجات واسعة مكنت الجيش من الإطاحة به.
وقال جاستن دارجن خبير
الطاقة في الشرق الأوسط في جامعة أوكسفورد، إنه قد يكون السيسي "ما زال يحظى بشعبية كبيرة، لكنه يدرك أن
المصريين يمكن أن يتجهوا إلى ميدان
التحرير غدا إذا رأوا أن إدارته ليست بالكفاءة التي وعد بها".
وميدان التحرير هو مركز الاحتجاجات التي أنهت حكم حسني مبارك الذي استمر ثلاثة عقود في 2011.
ويرى قطاع معين من المصريين أن السيسي يحظى بقدرات واسعة، لكنّ خبراء الطاقة وشركات النفط والغاز الأجنبية والدبلوماسيين الغربيين، يشكون في قدرته على اتخاذ خطوات جريئة لحل أزمة الطاقة في مصر.
وفشلت حكومات متعاقبة في وضع استراتيجية مناسبة لاستغلال احتياطيات الغاز الطبيعي الكبيرة، بالرغم من النمو السكاني الذي زاد الطلب على الوقود.
وبدأت مصر بتصدير الغاز في منتصف العقد الماضي، لكن الصادرات انخفضت إلى أقل من النصف في الفترة من 2008 إلى 2012. وأصبحت الكميات ضئيلة جدا في الوقت الراهن.
ويتراجع إنتاج مصر حاليا من حقول الغاز القديمة. وتوقعت الحكومة المؤقتة هذا الشهر أن يتجاوز الاستهلاك مستوى الإنتاج لأول مرة في السنة المالية التي تبدأ في تموز/ يوليو.
وتعيش الحكومة المؤقتة التي عينها الجيش مأزقا صعبا، مع أن دولا خليجية ساندتها بمساعدات تشمل منتجات بترولية بقيمة أربعة مليارات دولار من السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة. لكن وقود الديزل (السولار) الذي جاء من تلك الدول لا يتوافق مع محطات الكهرباء والمصانع الكبيرة في مصر التي تعمل بالغاز.
وكانت قطر قد دعمت مصر بكميات من الغاز أثناء حكم مرسي، لكن عزله أدى إلى تدهور علاقاتها مع القاهرة. وفشلت الحكومة المؤقتة مثل سابقتها في تدبير وسيلة لاستيراد الغاز الطبيعي المسال بشكل مباشر. لذلك لم يعد أمام مصر سبيل تلجأ إليه للحصول على الغاز.
وطرحت الحكومة المصرية المؤقتة مناقصة لإنشاء محطة لاستيراد الغاز الطبيعي المسال منذ تشرين الأول/ أكتوبر. وحتى، وإن كانت المحطة قائمة فإن الخبراء يقولون إنه لا شيء يمكن أن يضاهي اتفاق المبادلة الذي منحته قطر لمصر العام الماضي.
وقال أكثم أبو العلا المتحدث باسم وزارة الكهرباء: "لدينا طاقة توليد كافية، لكن المشكلة في الوقود". وأضاف: "ليس جيدا تشغيل محطات الكهرباء بالديزل".
وتمتد جذور أزمة الطاقة في مصر إلى ملف دعم الوقود الذي يكلف الحكومة 15 مليار دولار سنويا، أي خمس الموازنة العامة. وبفضل الدعم يدفع المصريون أسعارا أقل بكثير من أسعار السوق، ولا يوجد ما يدفعهم لخفض الاستهلاك.
ويلتهم الدعم - الذي بدأت مصر بتطبيقه في عهد الرئيس جمال عبد الناصر قبل خمسة عقود - العملة الأجنبية التي يمكن استخدامها في سداد مستحقات شركات الطاقة الأجنبية، وتحسين شروط السداد لتشجيع الاستثمار.
ويجمع وزراء الحكومة المصرية على ضرورة إصلاح نظام الدعم. لكن الوقود والغذاء يمثلان أمرا حساسا للغاية في أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان. وأثار قرار خفض دعم أسعار الخبز عام 1977 أعمال شغب في عهد الرئيس أنور السادات.
وساعدت الاحتجاجات الشعبية على الإطاحة برئيسين منذ عام 2011.
وقد يتخذ السيسي كما فعل غيره، إجراءات مؤقتة لتلبية الاحتياجات في أشهر الصيف الحارة التي يتصاعد فيها الطلب على الوقود بالرغم من أن انقطاع الكهرباء يحدث الآن في الشتاء.
ومع خشية الحكومة من الغضب الشعبي من انقطاع الكهرباء، فقد تقوم بتقليص إمدادات الغاز إلى مصانع الأسمنت والصلب كثيفة الاستهلاك للطاقة.
وقال دارجن: "هذا موقف اضطراري ومحاولة للبقاء"، متوقعا أن يعمل السيسي على إبقاء الوضع القائم على تكلفته الباهظة حتى وإن استلزم ذلك مخالفة التزامات دولية.
وأضاف أن الشركات التي اضطرت لخفض إنتاجها في فترات ذروة استهلاك الكهرباء في السنوات الأخيرة، ستضطر "لدراسة ما إذا كان البقاء في مصر في المدى البعيد مربحا لها".
ويتوقع خبراء الصناعة أيضا أن يواصل السيسي مخالفة التعاقدات المبرمة مع شركات أجنبية مثل "بي.جي" وتوجيه الغاز المخصص للتصدير إلى السوق المحلية لتلبية الطلب المحلي.
وأثرت مشكلات "بي.جي" في مصر على وحدة الغاز الطبيعي المسال بالشركة، وهو ما دفعها لإصدار تحذير من انخفاض الأرباح الشهر الماضي. وخفضت "بي.جي" توقعات الإنتاج السنوي للشركة بسبب الاضطرابات السياسية في مصر وأخطرت المشترين والمقرضين المعنيين بإعلان حالة القوة القاهرة.
وقال مارتن ميرفي من شركة "وود ماكنزي" إنه منذ مطلع هذا العام تقوم مصر بتحويل مسار أكبر كمية ممكنة من الغاز الطبيعي الذي تنتجه "بي.جي" وشريكتها الماليزية "بتروناس" بحسب طاقة خطوط الأنابيب.
وقال ميرفي: "ستكون أولوية الحكومة هي ضمان توليد الكهرباء الذي يلتهم الجزء الأكبر من الإمدادات.. لذلك ستحاول الحد من النقص في هذا القطاع".
وأضاف: "من المتوقع أن تتحمل الصناعة الأثر الأكبر لنقص الإمدادات".
وستحجم الشركات عن مباشرة مشروعات جديدة ما لم تحصل على ضمانة لتصدير كميات محددة في المستقبل.
ويتوقع المصريون معجزات من السيسي. وتبحث الشركات الأجنبية عن مؤشرات على استعداده لإصلاح قطاع الطاقة. وينطوي ذلك الوضع على مخاطر كبيرة.
فإذا لم تستطع مصر إقناع الشركات باستغلال احتياطيات الغاز فستضطر لإنفاق مزيد من العملة الصعبة على واردات الطاقة، وهو ما سيسبب نفس المعضلة التي تواجهها في مسألة القمح.
ومصر هي أكبر مستورد للقمح في العالم.
ويأمل وزير البترول في الحكومة المؤقتة شريف إسماعيل، أن تتمكن مصر من تلبية الطلب المتزايد على الطاقة من مواردها الذاتية، لكنه يقر بأن الحكومة مضطرة للاعتماد على الواردات.
وقال إسماعيل لرويترز الأسبوع الماضي إنه ريثما تحل مصر المسائل التي تعوق إنتاج الشركات الأجنبية للغاز، فستضطر لتغطية كل احتياجات الطاقة بالواردات، سواء من الغاز أو النفط الخام.
وستؤدي مواصلة الاستيراد مع إبقاء الأسعار المحلية منخفضة إلى إفشال جهود مصر لإصلاح الوضع المالي. فعلى الرغم من أن المساعدات الخليجية عززت احتياطيات مصر من النقد الأجنبي فإنها تعادل نصف الاحتياطيات قبل عام 2011، وهو ما يحد من قدرة الحكومة على شراء الوقود.
وقال بيتر هاتن المحلل لدى "آر.بي.سي كابيتال ماركتس" في لندن، إن واردات الطاقة ستمثل أيضا إشارة غير مشجعة للشركات الأجنبية التي توطن نفسها على توقف صادرات الغاز الطبيعي المسال كليا هذا الصيف.
وأضاف أن مصر أسيرة دوامة عنيفة بسبب عدم قدرتها على استيراد الغاز الطبيعي المسال. وقال: "إذا لم تستطع استيراد الغاز فستضطر لاتخاذ خيارات صعبة.. أسهلها أن تتوقف عن التصدير".