القاسم المشترك الذي يتحدى الولايات المتحدة ويعرقل ديبلوماسيتها من
سوريا الى ايران الى أوكرانيا اسمه فلاديمير
بوتين. مع وصوله الى الحكم قبل 14 سنة عادت عقلية الحرب الباردة الى موسكو. المفارقة ان بوتين يشرف على امبراطورية سابقة لولا انتاجها من الطاقة وترسانتها النووية لكانت دولة لا تزيد نفوذا عن ايطاليا، التي يوازي اقتصادها اقتصاد روسيا. (في المناسبة، اقتصاد ولاية كاليفورنيا وحدها هو بحجم اقتصاد ايطاليا).
اللافت ان نجاحات بوتين في السياسة الخارجية هي نجاحات سلبية بمعنى انه يستفيد دوما من هفوات الولايات المتحدة والغرب. خلال الصيف الماضي طغى بوتين على الرئيس باراك اوباما حين "انقذه" من احراج كبير في الكونغرس الذي كان مرشحا لأن يرفض المصادقة على ضرب سوريا عسكرياً، عندما قبل اقتراح روسيا التخلص من الترسانة الكيميائية السورية. في الاشهر اللاحقة كان المسؤولون الاميركيون يتأرجحون بين التمني على موسكو ان تضطلع بدور ايجابي في سوريا، وانتقادها بشكل لاذع، كما فعل الوزير جون كيري حديثا، لأنها تدعم نظام بشار الاسد على نحو غير مشروط تقريبا وتمنع واشنطن وحلفاءها من استصدار مشروع قرار في مجلس الامن لتوفير المساعدات الانسانية للمناطق السورية المحاصرة.
بوتين استمتع كثيرا بالاحراج الذي عانته الحكومة الاميركية عندما لجأ المحلل الاستخباري ادوارد سنودن الى موسكو بعدما كشف نشاطات تجسسية اميركية شبه خيالية، وساهمت تلك المعلومات في توتير العلاقات بين واشنطن وبعض حلفائها التقليديين مثل المانيا، وجيران مثل البرازيل. وكانت العاصمة الاولى التي زارها المشير عبد الفتاح السيسي موسكو حيث "طوبه" بوتين رئيسا لمصر.
التنسيق الروسي – الايراني لدعم نظام الاسد، يتخطى سوريا ليخدم مصلحة الطرفين في التصدي لما يعتبر انه خطرا جسيما يهددهما: خطر تطرف الاصولية السنيّة، التي يرى بوتين وايران انه يمتد من القوقاز الى العراق الى سوريا.
لكن المعركة المصيرية لبوتين في مواجهة اميركا والغرب عموما هي أوكرانيا. بوتين يدرك ما يدركه كل مؤرخ اي ان روسيا لا يمكن ان تكون قوة عظمى ما لم تكن أوكرانيا السلافية ثقافيا – العاصمة كييف تعتبر مهد الحضارة الروسية – في فلك روسيا. بوتين سعى الى ايجاد شرخ بين واشنطن والاتحاد الاوروبي حول سبل معالجة أزمة أوكرانيا، وبدت الاستخبارات الروسية انها احرجت واشنطن عندما كشفت تسجيل مكالمة هاتفية لمساعدة وزير الخارجية للشؤون الاوروبية فيكتوريا نيولاند شتمت فيها الاتحاد الاوروبي.
من المبكر التكهن بطريقة تطور الصراع في أوكرانيا، لأنه يتمحور على قضايا معقدة مثل الانتماء والهوية الوطنية. لكن ما هو مؤكد ان بوتين سيواجه الغرب في أوكرانيا بشراسة تزيد عن مواجهته إياه في سوريا.
(النهار اللبنانية)