أثارت مواقف الدول الغربية من الأزمة في أوكرانيا جدلا كبيرا خلال الأيام الأخيرة، خاصة عند مقارنة تلك المواقف بردود الأفعال على الأحداث في
مصر.
ومع بداية الاحتجاجات في أوكرانيا انتفض الاتحاد الأوروبي وأمريكا بعد مقتل العشرات من الثوار معلنين رفضهم للتجاوزات الأمنية تجاه المتظاهرين، حتى أن وزيرة خارجية إيطاليا إيما بونينو أعلنت في ختام اجتماع طارئ في بروكسل قبل أسبوعين أن أوروبا ستمنع تأشيرات الدخول وتجمد أرصدة الأشخاص الملطخة أياديهم بالدماء في أوكرانيا.
وتأتي هذه الخطوات على عكس الموقف الأوروبي من مصر التي شهدت مجازر ضد الثوار، ومع ذلك تعامل الغرب بـ"لطف" مع السيسي وأعوانه، واكتفى برسائل فاترة حول ضرورة احترام الديمقراطية وحقوق ا?نسان.
الطرفان غاضبان
والمثير للاستغراب أن طرفي الصراع في مصر غير راضين عن مواقف الغرب من الأزمة، فمؤيدو الانقلاب يرون أنه لم يلقوا المساعدة الكافية من الغرب كما حدث مع الثوار الأوكرانيين، كما ينتقدون عدم اعتراف الدول الغربية ما يسمونها بـ"ثورة 30 يونيو"، معتبرين أن ما حدث هو ثورة شعبية أطاحت بالرئيس محمد مرسي كما أطاح ثوار كييف بالرئيس الأوكراني فيكتور
يانوكوفيتش.
بينما يرى مناهضو الانقلاب أن الغرب لم يحرك ساكنا بعد الإطاحة بالرئيس المنتخب في انقلاب عسكري يناقض أبسط قواعد الديمقراطية، كما لم يتخذ الغرب موقفا جادا من الانتهاكات غير المسبوقة في مجال الحريات وحقوق الإنسان التي يتشدق بها الغرب ليل نهار.
من جانبه، اعتبر مدير مركز يافا للدراسات أحمد رفعت سيد أن ما يحدث في أوكرانيا ليس ثورة بل مؤامرة غربية لتفكيك الدولة الحليفة لروسيا، مثلما كان يراد لمصر لولا تدخل الجيش.
وأضاف في تصريحات خاصة لـ"عربي 21": "أرادت أمريكا خلق حالة سورية أخرى في خاصرة
روسيا لإشغالها عن دورها في سورية ومصر".
وتابع: "في الوقت الذي يعتبر الغرب ما حدث في مصر إنقلابا، نجده يدعم ويساند ما يحدث في أوكرانيا، ما يوضح بجلاء أن الغرب منافق ويبحث عن مصالحه فقط بغض النظر عن أي قيم أو مبادئ".
وأصدرت جماعة الإخوان المسلمين بيانا السبت أكدت فيه أن أزمة أوكرانيا فضحت ازدواجية المعايير في الغرب، حيث "انتفض الغرب ومنظماته الحقوقية والأمم المتحدة بعد مصرع سبعة عشر قتيلاً من المواطنين وتسعة قتلى من الشرطة، خلال محاولة لفض اعتصام ميدان الاستقلال في كييف، وهددوا بفرض عقوبات على الحكومة الأوكرانية وحذروا من تدخل الجيش ضد الشعب".
وتابع البيان الذي حصلت "عربي21" على نسخة منه: "فرض علينا هذا أن نقارن بين تلك المواقف وبين ما حدث في مصر بالانقلاب العسكري على الشرعية وشن حرب على المعارضين للإنقلاب أدت إلى مجازر راح ضحيتها آلاف المواطنين".
واختتم الإخوان بيانهم بالقول: "رغم أن الجريمة في أوكرانيا لا تقارن بحجم الجرائم في مصر، فلم نجد من الغرب إلا عبارات مائعة تستنكر هذه الجرائم، في الوقت الذي تؤكد فيه على الشراكة مع نظام الانقلاب، وتدعمه بكل أسباب القوة والبقاء، الأمر الذي يشجعه على الاستمرار في جرائمه ضد الشعب، ثم يتساءل الغرب: لماذا تكرهوننا؟".
المصالح أولا
وانتقدت صحيفة "برافدا" الروسية الموقف الأمريكي من الأزمة الأوكرانية على خلفية أعمال القمع هناك، في مقابل غض البصر عن الأحداث التي تشهدها مصر.
وتساءلت الصحيفة: "لماذا لم يفرض أوباما عقوبات ضد المسئولين المصريين وعلى رأسهم المشير عبد الفتاح السيسي في أعقاب عزل الرئيس المنتخب محمد مرسي والمجازر التي أودت بحياة أكثر من 550 شخصا على الأقل حتى الآن؟".
وأشارت إلى أن أوباما اكتفى بإلغاء مناورات عسكرية كانت مقررة بين الجيشين المصري والأمريكي، وتأكيده على أن واشنطن لا تتخذ جانب أي فصيل بعينه.
وأكدت "برافدا" أن الإدارة الأمريكية تفرض العقوبات وفقا لما يحقق مصالحها، مستنكرة دعم إدارة أوباما للأنظمة الذين يخدمون مصالحها حتى وإن كانت هذه الأنظمة ديكتاتورية.
وقالت قناة "سي إن إن" الأمريكية في تقرير لها إن بوادر حرب باردة على النفوذ العالمي بين الولايات المتحدة وأن الأزمة الأوكرنية تمثل الحركة الأخيرة على لوح الشطرنج في هذا الصراع.
وأشارت إلى أن رغبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الحفاظ على نفوذه بمنطقة الشرق الأوسط لا ينحصر على سورية فحسب بل يمتد إلى مصر أيضا، فقد التقى وزير الدفاع المصري المشير عبدالفتاح السيسي خلال زيارته لموسكو هذا الشهر، وأيد ترشحه لرئاسة مصر وتناولت الزيارة مباحثات حول صفقة عسكرية بقيمة ملياري دولار، في الوقت الذي علقت فيه أمريكا جانب من المساعدات العسكرية لمصر.
وتابعت: "روسيا تبعث بإشارة إلى أمريكا مفادها بأنه ما زال لروسيا نفوذا لدى أكبر دول المنطقة، وأنها على استعداد لتوطيد علاقتها العسكرية".