فيما يبدو أنه أول تطبيق للدستور الجديد الذي استبعد مادة تجريم الإساءة للرسل والأنبياء التي كان يتضمنها دستور 2012، أعلن في
مصر عن عرض فيلم عالمي يتناول قصة نبي الله نوح عليه السلام.
وسيُعرض فيلم "نوح" في 26 آذار/ مارس الجاري، وهو مستند إلى عن سيناريو كتبه دارين أرونوفسكي وآري هاندل وجون لوجان، ويقوم ببطولته الممثل الاسترالي راسل كرو الذي يجسد شخصية نوح، وانطونى هوبكينز وإيما واتسون وجينيفر كونولي كونيلى ودوجلاس بوث وراى وانيستون، ومن إخراج دارين أرنوفسكى.
وأثار الفيلم حالة من الجدل الشديد في الأوساط الدينية حتى قبل عرضه، حيث اعترضت العديد من الجهات على عرضه نظرا لفتاوى تحريم تجسيد الأنبياء في الأعمال الدرامية.
هدم السينمات وتأثيم المشاهدين
من جانبه، قال الدكتور عباس شومان، وكيل
الأزهر والأمين العام لهيئة كبار العلماء، إن تجسيد الأنبياء فى الأعمال الفنية محرم شرعا، مؤكدا أن الأزهر سيكون له موقف حازم حال عرض الفيلم.
وأشار إلى أن كل من يشارك في إنتاج تلك الأعمال آثمون شرعا، بالإضافة إلى أن الترويج والدعاية لهذه الأفلام معصية لا يرضى الله عنها، وسيقع هذا الإثم أيضا على كل من يشاهد هذه الأفلام ومن سيقوم بعرضها.
وقال الدكتور محمود مهنى، عضو هيئة كبار العلماء، "إن تجسيد الأنبياء فى الأعمال السينمائية محرم شرعا، لأن الأنبياء لا يمثلون ولا تحكى أصواتهم، فمن غير المعقول أن يأتي ممثل فاسد ويقوم بتجسيد شخصية سيدنا نوح".
وأعلن مهنى أنه طالب هيئة كبار العلماء بعقد جلسة طارئة لبحث ذلك الأمر، ومقاضاة دور
السينما التى ستعرض هذا الفيلم، حسبما ذكرت صحيفة "اليوم السابع".
واعتبر مهنى أن هذا الفيلم "كفر صريح"، مطالبا المسئولين بهدم دور السينما التي تعرضه، وألا يقتصر القرار على الغلق، وإنما بهدمها وتحويل القائمين عليها للتحقيق وإنزال أشد العقاب عليهم.
دار الإفتاء
من جانبها، أكدت دار الإفتاء المصرية حرمة تجسيد الأنبياء والصحابة فى الأعمال الفنية، مشددة على أن فيلم نوح ينطوي على مجموعة من المفاسد، منها عدم مطابقته لواقع حياة الأنبياء، حيث أن التمثيل يعتمد على الحبكة الدرامية، ما يُدخل في سيرتهم ما ليس منها.
وأضافت دار الإفتاء في بيان لها الثلاثاء؛ أن "هذا كله يتسق مع كوننا نربأ بالشخصيات الدينية التي لها من الإجلال والاحترام أن تقع أسيرة رؤية فنية لشخصية الكاتب يفرضها فرضا على المتلقي لها، بما يغير حتما من تخيل المتلقي لهذه الشخصيات والصورة الذهنية القائمة عنده حولها، ويستبدلها بالصورة الفنية المقدمة، ما يكون له أثره البالغ في تغيير صورة هذه الشخصيات، وفرض رؤية الكاتب فرضا".
وقالت دار الإفتاء إن فكرة نزع القداسة عن الأنبياء والشخصيات الدينية الأخرى ذات الإجلال والتقدير مرفوضة تماما في الإسلام، سواء في منطلقاتها الفكرية، أو في تطبيقاتها العملية.
وتخطت نسبة مشاهدة الإعلان الترويجي للفيلم على يوتيوب 8 مليون مشاهدة، ووصلت تكلفة إنتاجه أكثر من 150 مليون دولار. وتم تصوير الفيلم في أيسلندا ونيويورك.
يتجاوز رواية الإنجيل
وبحسب تسريبات، فإن الفيلم يتجاوز الرواية الدينية الخاصة بالطوفان وفناء البشرية، حيث وضع المخرج بصمته الشخصية على القصة، رافضاً ضغوطات شركة باراماونت المنتجة للعمل، والتي كانت تفضل استقاء الأحداث من الإنجيل فقط.
وشارك أرونوفسكي في تأليف الفيلم كلا من أري هاندل وجون لوجان، ويركز المؤلفون الثلاثة خلال القصة على "الطوفان" وإنقاذ البشرية من الفناء.
وقال المخرج أرنوفسكي، إنه بدأ في هذا الفيلم منذ أكثر من 30 عاما عندما كان طالبا في المدرسة الثانوية وطلبت منه المعلمة أن يكتب مقطوعة نثرية عن النبي نوح.
واعتبر أن الفيلم هو نظرة مقربة لقصة نوح وسفينته، عندما يوحي الله له بقرب نهاية العالم ويأمره ببناء سفينة لإنقاذ الخلق من الفيضان القادم نتيجة طغيانهم، فيحذر قومه ويحثهم على التوقف عن الطغيان والكفر، لكنهم يرفضون طاعته، ويمضي نوح وعائلته حتى ينجيهم الله من الطوفان.
وأشار أرنوفسكي إلى أنه قلل من البُعد الديني في العمل، وحوّله إلى فيلم ملحمي حول كارثة فناء البشرية، مُركزاً على البعد النفسي للنبي نوح والذي يتوجب عليه وحده إنقاذها، مضيفا أن قصة الفيلم لا تحمل معاني دينية فقط بل تتحدث أيضا عن نهاية العالم البيئي، وهي فكرة تشغلني وتشغل الكثيرين الآن خاصة في ظل الكوارث البيئية التي يشهدها هذا الكوكب في عصرنا الحالي، فالعالم يموت ونحن نموت داخله.
ويرى أرنوفسكي أن الطوفان عقوبة إلهية على مخالفي النبي ممن لا يأبهون للنظام البيئي.