كثيرة هي القصص والفضائح التي كشفها محمود
عباس في حديثه الطويل أمام أعضاء حركة
فتح بمناسبة انعقاد المجلس الثوري قبل أيام. وفي حين استغرق الرجل في الحديث عن تاريخ حركة فتح على نحو رومانسي، فقد جاء في الشق الثاني ليخصَّ غريمه محمد
دحلان بسلسلة من الفضائح التي ستجعلنا في انتظار الجزء الثاني من الفيلم، ممثلا في ردود دحلان نفسه، في حين تكفل زميله في تحمل جزء من الاتهامات (محمد رشيد، أو خالد سلام) بكتابة مقال بعنوان "عشرة أكاذيب فاضحة في خطاب محمود عباس"، واكتفى دحلان بوعد سنكون بانتظاره، حيث قال في صفحته على موقع "فيس بوك": "وعد مني أن أكشف أكاذيب خطاب عباس من الألف إلى الياء، وخاصة الموضوع الأهم والأخطر في تاريخنا الحديث، وهو قضية اغتيال الزعيم الراحل أبو عمار، ولماذا أطلق أبو عمار لقب كرزاي فلسطين على عباس، ولماذا استشاط عباس غضبا في خطابه عن مصالحتي مع الراحل العظيم".
كان طبيعيا أن تركز وسائل الإعلام على الجزء المتعلق بدور دحلان في اغتيال القيادي الحمساوي (القسامي) الكبير صلاح شحادة، لاسيما أننا إزاء قيادي من العيار الثقيل في
حماس وتاريخ الشعب الفلسطيني. قائد جعل المستوى السياسي للكيان الصهيوني يوافق على قصف عمارة بأكملها وقتل 18 شخصا، بينهم نساء وأطفال من أجل التخلص منه، وهو ما لم يفعلوه مع أي أحد آخر، ربما باستثناء الشهيد نزار ريان، وإن جاء اغتيال الأخير في سياق حرب على القطاع.
في سياق الحديث عن صلاح شحادة قال عباس بالنص "حادثة أخرى أيضا شهد عليها عزام الأحمد؛ المحاولة الأولى لاغتيال صلاح شحادة في غزة. جاء دحلان وقال: صلاح شحادة سينتهي خلال دقائق، وبعد دقائق سُمع انفجار ضخم، فراح دحلان للخارج وعاد وقال: نجا ابن الـ(...)، ترك البيت قبل دقيقتين من استهدافه".
واقع الحال أنه لم تكن هناك محاولة أولى لاغتيال شحادة، بل هي الوحيدة، وهذا ما استغله دحلان في التشكيك في القصة، لكن تورط دحلان في أمر كهذا لا يبدو مستبعدا، وإن ذهب البعض إلى أن ذلك يأتي في إطار تصفية الحساب معه لأجل إبعاده تماما عن حركة فتح، لاسيما أن ثمة توجه كما لاختيار نائب لعباس كي تتوقف الوساطات لإعادة دحلان إلى الحركة أو التلويح به كبديل، كما فعل نتنياهو.
قصة أخرى رواها عباس: "عزام الأحمد ذهب إلى لبنان، فقال له وليد جنبلاط: تشغّلون جواسيس معكم؟ أشخاص من عندكم، موجودون في الجنوب اللبناني ويقدمون معلومات لإسرائيل عن مواقع حزب الله، وكذلك في سيناء شخص اسمه يوسف عيسى مع مجموعة للتبليغ عن مواقع لحماس في 2008. فقال عزام: من أعطى هذه الأشياء، فقال جنبلاط: شخص اسمه اللينو، فسأله من مع اللينو؟ فقال: مجموعة تابعة لمحمد دحلان".
هناك أيضا الاتهام المباشر لدحلان بالمسؤولية عن اغتيال سبعة من قادة وعناصر حركة فتح، ومنهم من اتهمت باغتيالهم جهات أخرى، ومنهم من فتحت تحقيقات في اغتيالهم، وانتهت إلى لا شيء، بينما يجزم زعيم السلطة وفتح والمنظمة الآن بهوية قاتلهم!!.
بعد ذلك أورد محمود عباس قصصا ووقائع تتعلق بالملف الأكثر حساسية ممثلا في تآمر دحلان على ياسر عرفات، وحديثه عن ضرورة التخلص منه، أو أشياء بهذا المعنى، ومن ضمنها قصة تتعلق بمسألة السمِّ تحديدا، تمثلت في قول عمر سليمان لجبريل الرجوب، إنه إذا دعاك دحلان لشرب فنجان قهوة فلا تشرب، ملمحا إلى إمكانية أن يكون مسموما.
لا تحتمل هذه السطور سرد الوقائع الكثيرة التي ساقها عباس حول تآمر دحلان على عرفات، لكننا ننتهي بالجملة الأخيرة التي لخص بها الموقف ملمحا حد التصريح الواضح إلى مسؤوليته عن اغتيال عرفات، وهي مسؤولية صرَّحت بها مركزية فتح من قبل بشكل مباشر.
قال عباس في الخلاصة: "كل هذا الكلام (الوقائع التي ساقها) في 2002 و2003 و2004. سؤال سألته لتوفيق الطيراوي وأعيده الآن: من قتل ياسر عرفات؟ هذه ليست إثباتات، وإنما شواهد تستحق النظر إليها، خاصة أننا حائرون في من الذي أوصل السم لعرفات؟".
على أن أهم ما يمكن أن يرد إلى ذهن المراقب هنا هو: كيف حدث أن كان عباس يعلم بكل تلك الوقائع، ولم يكشفها إلا الآن، بينما كان في حالة تفاهم حميم مع دحلان. ألا يشكل ذلك كله إدانة له؟! ألم يكن كلاهما في معسكر واحد ضد ياسر عرفات أثناء الحصار، وفرضا عليه بقوة القرار الأمريكي الغربي الإسرائيلي، ثم كانا معا في سياق وراثته؟!.
لن نضيف أكثر من ذلك، فما قيل آنفا هو إدانة لا تقبل الجدال للقائل، وليس لدحلان وحده، إذا صحت التهم، وأي كلام غير ذلك هو بلا قيمة، لكن من يحبون الهتاف للزعيم الرمز كما هتفوا لسابقه، وقالوا فيه هو ما لم يقله مالك في الخمر في ذلك الوقت؛ أمثال هؤلاء سيصمّون آذانهم وعقولهم كما فعلوا من قبل.
يا لقضيتنا الفلسطينية كم من الجرائم ارتكبت باسمها، وكم ركبها أناس لم يكونوا أمناء عليها.