في ظل عمليات الملاحقة يقوم
الجيش الذي أطاح بأول رئيس
مصري منتخب بوضع نفسه ليصبح القوة
الاقتصادية التي لا تضاهى في البلاد.
وتقول صحيفة "واشنطن بوست" إن المصريين انشغلوا بالحديث والتكهن حول ترشيح قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي نفسه للرئاسة في الوقت الذي انشغل فيه الجنرالات باستخدام وصولهم للسلطة في تموز/ يوليو لوضع حلفائهم في المراكز الاقتصادية المهمة وتوسيع سلطتهم على الحكومة في عقود التطوير والتنمية بما في ذلك مشروع تطوير منطقة قناة السويس المربح.
وتقول الصحيفة إن دور الجيش في الحياة الاقتصادية المصرية معروف، رغم أنه لم يتم الكشف عن حجم الاقتصاد الذي يديره الجيش ولا ميزانيته وفي السنوات التي سبقت ثورة يناير 2011 كان الجيش ورجال الأعمال يتنافسون على صناعة القوة الاقتصادية مع عائلة حسني مبارك وعدد من المحسوبين على نظامه.
واليوم يقول الخبراء أن الاقتصاد المصري يتشكل بناء على رغبات الجنرالات الذين يحكمون البلاد. وبناء عليه تتسع نشاطات الجيش التجارية والتي تتراوح من عمليات الصغيرة مثل مصانع تعبئة المياه إلى البنى الصناعية الأضخم مثل مشاريع الطاقة والتكنولوجيا.
وتنقل الصحيفة عن جوشوا ساتشر، الخبير في مصر والمحاضرة في جامعة كينت الأمريكية والذي تخصص في اقتصاد الجيش المصري "نحن نتعامل مع اقتصاد جديد تديره "شركة الجيش".
وبعد ثلاثة أعوام من الإطاحة بحسني مبارك يقول ساتشر إن بنية الفساد المستشري لم تتغير في مصر، وما تغير هو نظام إدارة التجارة ومع من تتعامل إن أردت النجاح في أكبر دولة عربية ويقول عبد الوهاب مصطفى الذي يستورد أجهزة للفضائيات ولاقطات "في كل سلطة حكومية هناك ضابط عسكري، ويجب أن تتعامل معهم". ويقول إن التجارة التي يعمل فيها يسيطر عليها الجيش واخترق الفساد كل ملامح البيروقراطية المصرية.
ويقول مصطفى إنه كان من المعروف قيام التاجر بدفع رشوة صغيرة من أجل تجاوز الإجراءات ولكنه اضطر في الفترة الأخيرة ومن أجل تخليص بضاعة وصلت له لرشوة ضباط جيش يعملون في وحدة التنسيق مع سلطة قناة السويس.
وتضيف الصحيفة إن حجم التجارة التي يديره الجيش ودوره ليس معروفا بسبب عدم كشفه عن الميزانية التي يعتبرها سرية، كما لا يحق للدولة ممارسة الرقابة أو تدقيق الحسابات على الشركات التابعة للجيش. ويقدر الخبراء أن نسبة ما يملكه الجيش من الاقتصاد المصري تتراوح ما بين 5- 60% .
ونقلت الصحيفة عن مسؤول عسكري بارز تحدث بدون الكشف عن اسمه أن العائدات من الصناعة التي يملكها الجيش بلغت أقل من 1% من مجمل الدخل العام في السنة الماضية.
وأكد الضابط أن القوات المسلحة لا علاقة لها بالفساد، ولكنه وافق أن الجيش يحصل على عقود تجارية جديدة خاصة في عقود البنى التحتية، مؤكدا أن السبب هو "ثقة الشعب بالمنتجات التي يصنعها الجيش". وقال إن الجيش حصل على عقد تطوير طريق سريع فشل القطاع الخاص بإكماله "ويمكنك الذهاب ومشاهدته وسترين كيف تسير الحركة عليه بسرعة".
وتشير الصحيفة لمشروع تطوير قناة السويس الذي عبر الجيش عن اهتمام بالحصول على عقد تطويره. فمع أن محور قناة السويس يعتبر منطقة عسكرية يديرها الجيش إلا أن هيئة تطوير قناة السويس ستحصل على مليارات الدولارات كعوائد من خلال تطوير موانئه كي تكون جاهزة لاستقبال سفن تجارية وخدمة المنطقة الصناعية.
وكانت مصر قد خططت لتطوير السويس التي تعتبر من أهم مصادر الدخل القومي ومنذ سنوات، وكانت الخطة من أهم مكونات مشروع النهضة للرئيس محمد مرسي وعندما كان الأخير في السلطة كان هو وجماعته حذرين من عدم تجاوز الجيش لكن عندما بدأت حكومة مرسي بمفاوضات مع دولة قطر لتطوير القناة بطريقة بدت وكأنها لم تشرك الجيش أدى لغضب الجنرالات.
وبحسب روربرت سبرينغبورغ من مدرسة البحرية في كاليفورنيا "كان الإخوان سيتحكمون بالسيادة الاقتصادية" من ناحية أن الدعم للمشروع سيقدمه القطريون فيما سينشئ الإخوان الشركات أما الجيش فلا حصة له. ومن هنا بدأ الإعلام المعادي للإخوان بالترويج لفكرة أن مرسي يقوم ببيع القناة لدولة أجنبية.
وبعد الإطاحة بمرسي وسع الجيش من حضوره في القناة "وقام السيسي بتفسير حضور الجيش بناء على مصالح قومية ولكنني أرى انه كان متعلقا بالاقتصاد" كما يقول سبرينبورغ.
وكان الأدميرال مهاب مميش مدير سلطة قناة السويس وعضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة قد سمى 14 شركة مصرية -أجنبية لطرح عطاءات لتنفيذ المشروع وسيتم تقديم العقد في تشرين الأول/اكتوبر المقبل.
ولكن الخبراء يقولون إن مصالح الجيش في المشروع تجعل من نزاهة تقديم العطاءات محل تساؤل.
ومن بين الشركات التي وقع عليها الاختيار شركة المقاولون العرب التي ترأس رئيس الوزراء الحالي إبراهيم محلب إدارتها مدة11 عاما، إضافة لمركز الأبحاث والاستشارات البحرية والذي يتكون مجلس إدارته من جنرالات الجيش ويترأسه وزير النقل.
أما بقية الشركات الأخرى فقد وقعت عقودا مع الجيش في دول الخليج خاصة السعودية والإمارات واللتان ضختا بالإضافة للكويت مليارات الدولارات. وقالت ثلاث شركات للصحيفة إن لا علاقة لها مع الجيش فيما رفضت أخرى التعليق.
وتنقل الصحيفة عن محللين قولهم أن تأثير الجيش في الاقتصاد سيؤدي لزيادة الفساد مما سيفاقم موجة جديدة من الغضب الشعبي.
ويعاني اقتصاد مصر من حالة من الترهل وتزايد الإضرابات العمالية من العمال الغاضبين على فشل الحكومة الوفاء باحتياجاتها.
ونقلت عن ستيفن رول، الخبير في شؤون الشرق الأوسط في الصحيفة التابعة للمعهد الألماني للشؤون الأمنية والدولية "لن تستطيع مصر تحقيق السلام الاجتماعي حالة استمر النمو من وجه واحد واستمرارا لعهد مبارك".
ويقول الاقتصاديون إن الصناعة التي يديرها العسكر تخلق تنافسا غير عادلا مع الصناعات المملوكة من المدنيين فالجيش يستخدم المجندون في الجيش ولا يدفع ضرائب مما يسمح له بطرح مواد بأسعار أقل من اسعار شركات القطاع الخاص.
ويقول رشاد عبدو وهو محاضر في الاقتصاد بجامعة القاهرة إنه عندما قررت الجامعة بناء مسكن جديد للطلاب اتصلت مع شركات القطاع الخاص لتنفيذ المشروع وكلها قدمت عطاءات عالية الأسعار ولهذا "تعاقدنا مع الجيش الذي طلب نصف السعر".
وتقول الصحيفة إن الجيش منذ أيلول/سبتمبر حصل على عقود لبناء طرق وجسور وعمارات وشقق وأنفاق بقيمة 1.5 مليار دولار أمريكي. وفي هذا الشهر وقع السيسي عقدا مع شركة أرابتيك بقيمة 40 مليار لبناء مليون مسكن "لشباب مصر"، وتم تقديم الارض التي سيقام عليها المشروع مجانا من قبل وزارة الإسكان.
ونقلت الصحيفة عن وزير التجارة منير فخري عبد النور قوله إن الجنرالات يتعاملون مع مصر كساحة معركة مما يعطيهم الحق في التصرف بكل قطعة أرض.
وقام الجيش الشهر الماضي بتعطيل إضراب عمال النقل في القاهرة من خلال تزويد 500 حافلة وسائقين كي لا يتعطل النقل. ويرى مؤيدو الجيش أنها خطوات ضرورية لإعادة النظام للبلاد من خلال الرجل القوي. ويقول رجل الأعمال مصطفى من القاهرة "أصبحنا مثل زيمبابوي، فالسيسي يتحكم بكل شيء"