ناقش هشام عائدي في مجلة (ذي أتلانتك) الطريقة التي تواجه فيها أمريكا مخاطر تحول بعض مغني
الراب من غناء الراب إلى التطرف الإسلامي ويضرب مثالا على ذلك الفنان الألماني ديسو دوج.
يبدأ مقاله بالقول: "احتار المسؤولون الأمريكيون والألمان لعدة سنوات الآن في معرفة أفضل السبل للرد على ديسو دوج، الفنان الغاني-الألماني، واسمه الأصلي دينيس كسبيرت والذي اكتسب شعبية خلال منتصف العقد الماضي باعتباره رائدا في مشهد راب العصابات في ألمانيا". مضيفا أن ديسو دوج اشترك مع مغني الراب الأمريكي المشهور (دي إم إكس) وسجلا عدة ألبومات معا.
اعتنق كسبيرت الإسلام عام 2010 بعد حادث سيارة ، وبدأ بتوثيق هذا التحول على طريقة مالكولم- إكس، حيث تحول من حياة النساء والبذخ إلى "الصراط المستقيم" وذلك من خلال كلمات لأغاني وأشرطة الفيديو والموسيقى . ولكنه سرعان ما تحول عن الهب هوب تماما وأصبح سلفيا وسمى نفسه أبو مالك وبدأ يصف مسقط رأسه في برلين بـ (مدينة الكفار) و بدلا من الراب ، بدأ يؤلف و يؤدي الأناشيد والأدعية بدون موسيقى.
ويذكر الكاتب أن كسبيرت ليس فنان الراب الوحيد الذي تحول إلى الإسلام السلفي الدعوي ويذكر (نابليون من فرقة اوتلوز) و(لون من فرقة ديث رو ريكوردس) و(شون كروس من فرقة راف رايدرز) ويقول إنه بعد تحولهم للإسلام اصبحوا يتحدثون ضد ثقافة الهيب هوب وأن قصائدهم وخطبهم التي يلقونها خلال زياراتهم لبعض البلدان الإسلامية أو الجاليات الإسلامية في أوروبا ليست سياسية ولكنها تركز على موضوع التوبة وتحسين الذات.
ولكن ديسو دوج ذهب باتجاه مختلف في الأناشيد، حيث وجه انتقاداته للسياسة الخارجية الأمريكية وأعرب عن تأييده "للمتمردين" في الصومال وأفغانستان و العراق. حتى سعى المسؤولون الألمان لإلقاء القبض عليه لأغنية يزعم أنها ألهمت شابا من كوسوفو يبلغ من العمر 21 عاما لإطلاق النار على حافلة تقل جنودا أمريكيين في فرانكفورت في آذار/مارس 2011.
ثم ذهب ديسو إلى
سوريا لمحاربة النظام "المرتد". وفي الجزء الأكبر من عام 2013، أصدر عدة أناشيد دون موسيقى ضد حكومة الأسد ، ونشر لنفسه صورا وهو يسبح في بعض الجداول وصورا يحمل مطلق القنابل الصاروخية. ولكن في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، تم نشر شريط فيديو على موقع إسلامي ألماني يظهر فيه ديسو دوج فاقد الوعي على نقالة و قميصه ملطخ بالدم ويبدو جثة هامدة والوجه الملتحي تحيط به قطعة قماش بيضاء (صورة تذكرنا بشكل لافت للنظر لصورة التقطت لمالكوم إكس قبل دفنه في شباط/ فبراير 1965) . ويظهر في الفيديو رجل يحاول عملية تدليك قلب له.
فهل مات ديسو دوج؟ لا أحد يعرف حقا. أنصاره يدعون أنه لا يزال حيا بينما يقول آخرون إنه قتل في هجوم جوي لطائرات النظام.
وسواء كان حيا أم ميتا فإن المسؤولين الغربيين قلقون من أن أغانيه يمكن أن تجذب المزيد من الشباب الأوروبي إلى سوريا.
وقد شغلت مسألة التعامل مع ما يسمى بـ " الراب
الجهادي " صناع السياسة الأمريكية وخبراء الإرهاب على مدى العقد الماضي. و يبدو أن الإجابة كانت بث "هيب هوب إسلامي جيد" وقد رعت وزارة الخارجية أكاديميات الهيب هوب وورش العمل في لبنان وسوريا، استعدادا لجولة جديدة من دبلوماسية الهيب هوب، هذه المرة بشراكة مع جامعة شمال كارولينا. ولكن كيف أصبح الراب ينظر إليه من قبل الحكومات الأوروبية والأمريكية على حد سواء كضرب من ضروب الفن التي تؤدي إلى التطرف وأداة يمكن استخدامها في الدبلوماسية الشعبية و اجتثاث التطرف؟
يقول كاتب المقال إن العبارات العربية والإشارات الإسلامية كانت موجودة في ثقافة الهيب هوب منذ بداية هذا اللون عام 1973. وفي عام 1991 خصصت مجلة الهيب هوب (سورس ماغازين) عددا كاملا أسمته (المؤتمر الإسلامي) لتبيين العلاقة بين الهيب هوب والإسلام، حيث يرد كثير من العبارات الإسلامية في أغاني الراب بالإضافة إلى أقوال بعض الشخصيات المسلمة البارزة مثل مالكولم-إكس وأليجا محمد.
ومن خلال الراب تعرف الشباب المسلمون على تاريخ السود وتعرف غير المسلمين على الثقافة الإسلامية. وكما خدم فن الراغيه في السبعينيات في نشر ثقافة الريستافوريين خدم الهيب هوب في التعريف بإسلام الأمريكان-الأفارقة بأشكاله المختلفة.
ويضيف أنه بعد أحداث 11 سبتمبر أدركت أمريكا مدى أثر الراب عندما وجدت شابا أمريكيا أبيض في أفغانستان يحارب بجانب الطالبان، ووجدت أنه كان من المشاركين في منتديات الراب على الإنترنت على أنه شخص أسود حيث كتب في أحد المنتديات مرة "سوادنا ليس هو سبب كراهية البيض لنا، ولكن عنصرية البيض هي السبب"، وقد ربط الخبراء ذهابه إلى أفغانستان بحضوره لفيلم مالكولم إكس عندما كان عمره 12 عاما حيث بدأ بعدها بالسماع إلى الهيب هوب". ومن هنا بدأ المسؤولون الأوروبيون والأمريكيون بالحديث عن إمكانية الراب لتكون سببا في التطرف.
وفي عام 2000 قامت وزارة الخارجية بإعادة صياغة الراب لتشكل أداة بدلا من أن تكون مجرد مصدر تهديد. وقدمت كارين هيوز- وكيلة الوزارة للدبلوماسية الشعبية في حينها – برنامج شارع الإيقاع وقامت بإرسال بعثات فناني الراب والموسيقيين إلى العالم الإسلامي من ساحل العاج إلى شمال أفريقيا إلى الشرق الأوسط إلى باكستان وإندونيسيا بتكلفة 1.5 مليون دولار في السنة حيث قامت الفرق بالغناء وورش التدريب. ومن كان مسلما منهم تحدث مع الإعلام المحلي كيف يعيش المسلمون في أمريكا ويمارسون دينهم بحرية. وكان الهدف من تلك الرحلات هو إظهار أن المسلمين يشكلون جزءا أصيلا من المجتمع الأمريكي ولتشجيع التحول الديمقراطي والمعارضة. وفي عام 2010 بعد حفلة من هذا النوع في دمشق وصفت هيلري كلنتون الهيب هوب بـ"قطعة الشطرنج" في لعبة الشطرنج ثلاثية الأبعاد المسماة "الدبلوماسية الثقافية".
ودبلوماسية الهيب هوب هذا منسوخة عن دبلوماسية الجاز خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي.
وفي تقرير لمعهد بركينغز بعنوان "أحد من السيف: الثقافة والفن في علاقة الولايات المتحدة بالعالم الإسلامي" تقول المؤلفة سينثيا شنايدر إن الهيب هوب بدأ كاحتجاج لغرباء ضد النظام الأمريكي ويتردد صداه في المناطق المحرومة في العالم الإسلامي من إيران إلى فلسطين حيث يمثل الهيب هوب "النضال ضد النظام الحاكم" وتقول إن خلفية فناني الهيب هوب من المناطق الفقيرة في المدن والثائرون ضد السلطة من المسلمين الأفارقة وتنصح الدراسة "بالمزيد من استكشاف هذا الرابط الطبيعي مع العالم الإسلامي."
ولذلك أصبح الهيب هوب هو الخيار الرسمي للسياسة الخارجية لأمريكا في خطابها مع الشباب المسلم حيث أن موسيقى الروك والصنجات لا تؤدي نفس الغرض.