كتاب عربي 21

ثنائية السلطة .. أية سلطة والإسلاميون

1300x600
في إحدى وثائق ويكيليكس، ويعود تاريخها إلى مطلع 2006 بعد أيام من انتخابات 2006 التي فازت فيها حماس، يقول مسؤول في دولة عربية غنية جدا لضيوفه الأمريكيين محذرا من الضغط من أجل "دمقرطة" العالم العربي، إنه لو أجريت انتخابات حرة في بلده اليوم، لفاز بها الإخوان.

ربما بالغ المتحدث بعض الشيء، لاسيما أن البعد القبلي، وقوة السلطة وسطوتها المالية لن تسمح بفوز كبير للإخوان، بينما كان في الحقيقة يعبر عن خوفه من "الديمقراطية" بصرف النظر عن مخرجاتها، هي التي ستعني مشاركة شعبية في السلطة والثروة، الأمر الذي يبدو مرفوضا تماما بالنسبة إليه، ومعه قطاع عريض، بل القطاع الأعرض من النخب الحاكمة في العالم العربي؛ فقيرة كانت أم غنية.

لكن المؤكد في المقابل أن المجال السياسي العربي لم يعد؛ بخاصة منذ الألفية الجديدة، يحوي من القوى السياسية ما يمكن أن ينافس الإسلاميين، ومن ينافسهم في واقع الحال هي السلطة السياسية، وربما الفئات التي تدور في فلكها، إن كانت من لوبيات المال أم لوبيات السياسة بصرف النظر عن الاسم الذي تحمله.

الآن، وبعد عامين ونيف على ثورة يناير في مصر، وبعد حملة شيطنة للإخوان لم يعرف لها التاريخ مثيلا ضد خصم سياسي، ومن بعدها عملية قمع غير مسبوقة وصلت حد الاستئصال. الآن، ورغم كل ذلك، لا زال بوسعنا القول إنه لو توقفت آلة القمع الأمني وأخرج الناس من السجون، وأجريت انتخابات حرة ونزيهة بنظام القائمة النسبية (الأكثر عدالة بكل المقاييس)، فإن الإخوان لن يحصلوا على أقل من ثلث الأصوات، بينما سيحصل إسلاميون آخرون على نسبة أخرى، فيما تتوزع النسبة الباقية على طيف واسع من الأحزاب ذات الخلفيات الأيديولوجية والطائفية، وتلك المدعومة من أصحاب المليارات الذين يكون بوسعهم شراء ما تيسر من الأصوات بسطوة المال.

والنتيجة أن القوة الأكبر التي تواجه الإخوان هي السلطة؛ كان يمثلها الحزب الوطني سابقا أيام مبارك، ثم فلوله كما عكس التصويت لأحمد شفيق ضد مرسي، واليوم سلطة الجيش التي يصعب القول إنه قوة سياسية، بقدر ما هي قوة عسكرية وأمنية تركب حصان السياسة.

في الأردن، لم تكن نتائج انتخابات المعلمين مفاجئة بحال، وكذلك حال نتائج الجامعات رغم أنها أقل من نتائج المعلمين لاعتبارات حشد معروف وزعت الطلبة على انتماءات جغرافية أكثر منها سياسة أو أيديولوجية، من دون أن تُفقد الإسلاميين حصتهم المعتبرة التي لا تقل عن 40 في المئة من الكتل التصويتية في أكثر الأحيان، من دون أن ننسى طبيعة القانون الانتخابي.

خلاصة القول هي أنه في أية انتخابات حرة في أي بلد عربي، تعتمد نظام القائمة النسبية، فإن الإسلاميين بتياراتهم سيحوزون على ما هو أكثر من نصف الأصوات، حتى في الدول التي ينطوي وضعها على إشكالات عرقية وطائفية، فضلا عن الدول التي لا يتوفر فيها مثل هذا البعد.

لكن الأهم، هو أن النسبة الأكبر مما تبقى من الأصوات لا تذهب عمليا لأحزاب كبيرة ذات رؤية أيديولوجية وبرامجية حقيقية ولها وزنها، بقدر ما تذهب، إما لقوائم ترتبها السلطات الحاكمة، أو لأحزاب تعبر عنها بهذا القدر أو ذاك، أي أنه تصويت مصلحي إلى حد ما، أو تصويت بلغة المال في أحيان أخرى.
سيقول البعض إن تجربة مصر ستغير المعادلة آنفة الذكر، وهذا كلام لا يمت إلى الحقيقة بصلة، والسبب أنه بعد شهور طويلة على الانقلاب العسكري، لم يعد ثمة مجال للشك بأن الإخوان لم يحكموا عمليا، وإنما ظلوا على هامش السلطة يسترضون الجيش لأجل إنقاذ المسار الديمقراطي، أي أنهم واجهوا حالة ثورية بأدوات إصلاحية، فانتهت تجربتهم بانقلاب واضح.

والحق أن أي منصف يقرأ تحولات المزاج الشعبي في المنطقة سيلمس بوضوح أن الإخوان لم يكونوا أكثر جماهيرية منهم بعد الانقلاب في مصر، إذ تحولوا بفعل ما يواجهونه من استهداف عربي، يتحول إلى أممي في بعض تجلياته، تحولوا إلى أيقونة للتغيير في المجال العربي، حتى صارت لهم جماهيرية واسعة في بلاد لا يعرف الناس فيها أسماء قادة تنظيمهم، ولم يتعاملوا معهم في أي مجال عام، لكننا نتحدث هنا عما يُعرف بقوى ما يسمى "الإسلام السياسي"، وليس الإخوان وحدهم.

ولذلك سيكون بوسعنا أن نضيف إلى ذلك انتخابات تركيا، إذ أن ما جرى من استهداف واسع النطاق لأردوغان وحزبه، وفوزه رغم ذلك بـ46 في المئة من الأصوات في بلد يعج بالتناقضات العرقية والطائفية يُعد مثالا بارزا على ما جرى، بصرف النظر عن الصيغة التي قدم بها أردوغان نفسه، لأن المشكلة في تصنيفه لدى الناس والقوى السياسية الأخرى.

لأجل ذلك كله، لن تسلّم النخب الحاكمة في العالم العربي بمعادلة الاختيار الحر للناس، وستبقى تقاتل لوقت قد يطول قبل أن تستسلم لإرادة الجماهير، لكن المؤكد أنها تجدف ضد تيار التاريخ، وفي يوم لن يكون بعيدا جدا ستنجح تلك الجماهير في انتزاع حقها في اختيار من يمثلها، ومن ثم حقها هي وحدها في محاسبته على النجاح والفشل.