كشفت صحيفة يديعوت، الجمعة، كواليس تسعة أشهر من
المفاوضات بين السلطة
الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية، والتي انتهت إلى لا شيء تقريبا.
ويكشف كبير المحللين السياسيين في الصحيفة ناحوم برنياع أن الحكومة الإسرائيلية هي التي تتحمل الجزء الأكبر من هذا الفشل.
برنياع يسرد بالتفاصيل مسيرة المفاوضات "الشاقة" وهي تفاصيل كشفها له موظفون كبار من الإدارة الأمريكية كانوا مشاركين في مبادرة
كيري، لكنهم اشترطوا عدوم ورود أسمائهم في أي تقرير صحفي.
وتقول الصحيفة إن الامريكيين رسموا بمساعدة برنامج حاسوب متقدم خط حدود في الضفة الغربية ينقل الى سيادة اسرائيل نحوا من 80 بالمئة من المستوطنين الذين يعيشون هناك اليوم. ويفترض أن يجلو الـ 20 بالمئة الآخرون. وفي القدس يقسم خط الحدود المدينة بحسب مخطط كلينتون – فالاحياء اليهودية لليهود والاحياء العربية للفلسطينيين. ولم ترد حكومة اسرائيل على المخطط الامريكي وامتنعت عن رسم خط حدود من قبلها.
وتحدث الأمريكيون بمرارة عن نتيناهو وإصراره على الاستمرار في بناء
المستوطنات، وهم يرون أن ذلك هو السبب الرئيس في فشل المفاوضات.
"دخل
أبو مازن المحادثات بصفة شكاك. وكان الجميع في الحقيقة شكاكين لكن شكوكه انحصرت في نتنياهو. كان اتفاق اوسلو من عمل يديه. ورأى كيف فتح اوسلو الباب لاستيطان 400 ألف اسرائيلي وراء الخط الاخضر. ولم يكن مستعدا لاحتمال ذلك أكثر". قال الأمريكيون.
"لقد وافق أبو مازن على دولة منزوعة السلاح؛ ووافق على رسم الحدود بحيث يعيش 80 في المئة من المستوطنين في داخل اسرائيل؛ ووافق على أن تستمر اسرائيل على السيطرة على مناطق امنية (غور الأردن) مدة خمس سنوات، وأن تحل الولايات المتحدة محلها بعد ذلك. ووافق أيضا على أن تبقى الأحياء اليهودية في شرقي القدس ضمن سيادة إسرائيل. ووافق على أن تكون عودة الفلسطينيين إلى إسرائيل متعلقة بإرادة حكومة إسرائيل. والتزم بألا تُغرق إسرائيل باللاجئين". لكن هذا لم يرض الإسرائييليين، كانوا يطلبون المزيد، قال الأمريكيون.
ل
قد اجتمع الطرفان حوالي 20 مرة خلال التسعة أشهر الماضية، وكان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري يتحدث مع نتنياهو ثلاث مرات أسبوعيا، وأحيانا ثلاث مرات يوميا، لكن النتيجة كانت لا شيء.
وفيما يلي نص المقال:
تفضل موظفون كبار من الادارة الامريكية كانوا مشاركين في مبادرة كيري، كانوا يطلعوني هذا الاسبوع على قصة الفشل من وجهة نظرهم. وكان عندهم شرط واحد، عقب التوجيهات التي تلقوها وهو ألا أذكر أسماءهم. لكن ما قالوه هو الأقرب الى الرواية الامريكية الرسمية.
سينحل الفريق الامريكي في الايام القريبة كله أو بعضه. ولم يقرر وزير الخارجية كيري الى الآن ماذا سيفعل – هل ينتظر بضعة شهور ثم يحاول تجديد المبادرة أم ينشر على رؤوس الاشهاد المباديء التي صاغها الامريكيون لاتفاق بين اسرائيل والفلسطينيين. وبهذه الطريقة يُدخل الطرفين الى حالة دفاع عن النفس، كل طرف في ساحته الداخلية، لكنه يعرض نفسه ايضا للنقد على الاخطاء الكثيرة التي اخطأها في الطريق.
رسم الامريكيون بمساعدة برنامج حاسوب متقدم خط حدود في الضفة الغربية ينقل الى سيادة اسرائيل نحوا من 80 بالمئة من المستوطنين الذين يعيشون هناك اليوم. ويفترض أن يجلو الـ 20 بالمئة الآخرون. وفي القدس يقسم خط الحدود المدينة بحسب مخطط كلينتون – فالاحياء اليهودية لليهود والاحياء العربية للفلسطينيين. ولم ترد حكومة اسرائيل على المخطط الامريكي وامتنعت عن رسم خط حدود من قبلها.
إن الرواية الامريكية كما سمعتها تختلف اختلافا جوهريا عن الرواية التي سُمعت من وزراء حكومة اسرائيل. وتختلف ايضا قائمة من يتحملون تبعة الفشل. إن الانتقاد لحكومة اسرائيل هو بمنزلة جروح مُحب، فاسرائيل عزيزة جدا على قلوبهم لكن الجروح قاسية.
قلت: تعالوا نعد الى البداية. ألم تكن هذه الجولة محكوم عليها بالفشل منذ يومها الاول؟.
أجابوا: "كان يجب بدء التفاوض بقرار تجميد البناء في المستوطنات. واعتقدنا أنه لا يمكن التوصل الى ذلك بسبب تركيبة حكومة اسرائيل الحالية ولهذا تخلينا عن ذلك. ولم ندرك أن نتنياهو يستعمل الاعلانات عن خطط البناء في المستوطنات ليضمن بقاء حكومته، ولم ندرك أن استمرار البناء يُمكّن الوزراء في حكومته من افساد نجاح التفاوض على نحو فعال جدا.
"توجد اسباب كثيرة اخرى لفشل الجهد، لكن لا يجوز أن يتهرب الناس في اسرائيل من الحقيقة المرة وهي أن التشويش الرئيس جاء من المستوطنات. إن الفلسطينيين لا يؤمنون بأن اسرائيل تنوي حقا أن تدعهم ينشئون دولة في وقت تبني فيه مستوطنات في الوقت نفسه في مساحة هذه الدولة الآتية. والحديث عن اعلانات ببناء 14 ألف وحدة سكنية، لا أقل من ذلك. وعرفنا الآن فقط بعد الانفجار أن الحديث ايضا عن مصادرة اراض بدرجة كبيرة جدا. وهذا لا يستوي مع الاتفاق.
"من الصعب جدا أن نرى الآن كيف يمكن تجديد التفاوض فضلا عن أن يلد اتفاقا. وقد طلب أبو مازن قبيل النهاية تجميد البناء مدة ثلاثة اشهر. وكان فرضه أنه اذا وجد اتفاق فان اسرائيل تستطيع أن تبني على طول الحدود الجديدة كما يحلو لها. لكن الاسرائيليين رفضوا ذلك".
وسألت: ألم يسهم استقرار رأي الرئيس اوباما على ابعاد نفسه عن المحادثات، في فشلها؟
"أيد الرئيس كيري طول المدة كلها"، زعموا. "والمثال الواضح على ذلك موافقته على الاستعداد للافراج عن بولارد. وما كان هذا الاجراء ليزيده مناصرة من المؤسسة الامنية الامريكية.
"هذا الى أنه حينما اتهم أحد مساعدي الرئيس في حديث خلفي مع صحيفة "نيويورك تايمز"، اتهم كيري بفشل المحادثات، شذ الرئيس عن عادته وأيد وزير خارجيته علنا.
"صحيح أن الرئيس كان شكاكا وكان هذا واضحا من البداية. فقد شك في استعداد زعيمي الطرفين للمخاطرة المطلوبة. وخلص آخر الامر الى استنتاج أنه كان على حق".
وسألت: لو نظرنا الى الوراء، ولو كان الرئيس أكثر مشاركة، فهل كان يمكن احراز اتفاق؟
"لا"، أجاب أحد الموظفين. "إن مشاركة الرئيس في العادة مهمة جدا. فكلنا نذكر كيف توسط الرئيس كارتر في كامب ديفيد بين بيغن والسادات؛ وكلنا نذكر المشاركة الحاسمة للرئيس كلينتون في المحادثات بين نتنياهو وعرفات في واي. لكن هذه الحالة مختلفة. أنفق كيري الكثير على علاقاته الشخصية بنتنياهو فكانا يتحدثان بالهاتف ثلاث مرات كل اسبوع وثلاث مرات كل يوم احيانا.
وكانت احاديث بالفيديو ونحو من 70 لقاءً. وكانت علاقات الثقة التي طورها ضرورية لضمان أن يُلين نتنياهو مواقفه ويتحرك الى الأمام. وليس للرئيس وقت لهذا الجهد الطويل، هذا الى أنه توجد رواسب كثيرة جدا بينه وبين نتنياهو. إن كل تفاوض حالة خاصة وكانت هذه الجولة حالة خاصة جدا".
قلت: إن قادة الطرفين مدللون فهم يخلصون الى قرارات يصاحبها ثمن سياسي فقط حينما يوضع سكين على أعناقهم. ولقوة عظمى كامريكا وسائل ضغط مقنعة لكنكم امتنعتم عن استعمالها.
"كان جهد ضخم منا لاخراج العجلة من الوحل العميق الذي غرقت فيه"، قالوا. "لكن الواقع صفعنا على وجوهنا، ولم يكن عند أحد من الاثنين شعور تعجل وكان الاتفاق يُلح على كيري فقط وهذا غير كاف".
واقترحت قائلا: قارنوا الجولة الحالية بجهد كيسنجر بعد حرب يوم الغفران، وهو جهد أفضى الى اتفاقات الفصل بين القوات مع مصر وسوريا. وقارنوها بجهد بيكر بعد حرب الخليج الاولى وهو جهد ولّد مؤتمر السلام في مدريد.
"يكون ثم شعور تعجل بعد انتهاء حرب"، قالوا. وحينها اضاف أحدهم الجملة المرة التالية: "يبدو أننا محتاجون الى انتفاضة اخرى لاحداث ظروف تُمكن من التقدم.
"بعد اوسلو بعشرين سنة نشأت حقائق وقواعد لعب ثبتت أسسها على الارض. وهذا الواقع صعب جدا على الفلسطينيين ومريح جدا لاسرائيل".
وسألت: ألم تعلموا هذا سلفا؟ فأجابوا: "علمنا، لكننا نحينا جانبا على عمد، عدم ايماننا". وسألت: لماذا؟ "لأن كيري آمن وآمنا بأنه اذا لم يكن ذلك الآن فمتى؟ كان ذلك جهدا يائسا. وفكر كيري في المستقبل فقد آمن وما زال يؤمن بأنه اذا لم يوجد اتفاق فستصبح اسرائيل في وضع اسوأ كثيرا من وضعها اليوم".
وسألت: ألم تفاجأوا حينما تبين لكم أن الاسرائيليين لا يهمهم حقا ما يحدث في التفاوض؟
"اجل"، قالوا. "فوجئنا. وفاجأنا ذلك طول المدة كلها. حينما قال يعلون، وزير دفاعكم إن كل ما يريده كيري أن يفوز بجائزة نوبل، كانت الاهانة شديدة. فقد فعلنا ذلك لاجلكم ولاجل الفلسطينيين. وكان فيه مصلحة امريكية بالطبع.
"قال لنا ناس كثير: لا تتوقفوا. استمروا. وأجبناهم: هذا في أيديكم. تحملوا المسؤولية عن مصيركم. لكنهم ظلوا سائرين فقد فضلوا أن نقوم نحن بالعمل لاجلهم. وكان عدم الاكتراث العام من مشكلاتنا الصعبة.
"قال أحد الفلسطينيين الذين شاركوا في المحادثات لمشارك اسرائيلي: أنتم لا تروننا. فنحن شفافون وجوف. وكان في كلامه شيء من الصدق. فبعد أن انتهت الانتفاضة الثانية وأقيم جدار الفصل أصبح الفلسطينيون في نظر الاسرائيليين أرواحا فلم يعودوا يرونهم".
وقلت: يبدو هذا وكأنكم تتمنون انتفاضة تقريبا.
"العكس هو الصحيح"، قالوا. "ستكون تلك مأساة. يفترض أن يكون الشعب اليهودي حكيما، ومن الصحيح أنه يعتبر شعبا عنيدا ايضا.
"ويفترض أن تعرفوا قراءة الخريطة: ففي القرن الواحد والعشرين لن يستمر العالم على تحمل الاحتلال الاسرائيلي. إن الاحتلال يهدد مكانة اسرائيل في العالم ويهدد اسرائيل بصفتها دولة يهودية".
قلت: العالم منافق. فهو يغمض عينيه عن سيطرة الصين على التبت، وهو يتلعثم بازاء ما تفعله روسيا باوكرانيا.
"ليست اسرائيل هي الصين"، أجابوا. "فقد نشأت بقرار من الامم المتحدة. ونماؤها متعلق بطريقة رؤية المجتمع الدولي لها".
قلت: إن الطريقة التي اخترتموها وهي محادثات التقارب منيت بفشل.
"تمت في الاشهر الستة الاولى محادثات ثنائية برعايتنا"، قالوا. "التقى ممثلو الطرفين نحوا من 20 مرة، وفي بعض اللقاءات خرج المبعوث الخاص مارتن اينديك من الغرفة وبقي الطرفان وحدهما. ومكّنت المحادثات من تحديد الفرق بين الطرفين. وعرفنا في كانون الاول أنه حان الوقت لنعرض افكارا منا فأجرينا مباحثات منفصلة مع اسرائيل ومع الفلسطينيين. وتم أكثر الاحاديث بين كيري ونتنياهو في جهد لاقناعه بتغيير مواقفه وعقد جسر فوق الهاوية.
"كان الفلسطينيون في هذه المرحلة راضين فقد رأوا أنه نشأت قطيعة بين كيري ونتنياهو. وأصبحت القطيعة ظاهرة حينما بدأ بوغي يعلون هجماته الشخصية على كيري.
"لكن في الوقت الذي حصرنا فيه العناية في جهد لتليين الطرف الاسرائيلي، حدّت الاعلانات لخطط بناء جديدة في المستوطنات من قدرة أبو مازن على اظهار مرونة. ففقد الثقة. وكانت ذروة ذلك حينما قال نتنياهو إن أبو مازن وافق على صفقة سجناء عوض بناء في المستوطنات. ولم يكن ذلك يطابق الحقيقة.
"دخل أبو مازن المحادثات بصفة شكاك. وكان الجميع في الحقيقة شكاكين لكن شكوكه انحصرت في نتنياهو. كان اتفاق اوسلو من عمل يديه. ورأى كيف فتح اوسلو الباب لاستيطان 400 ألف اسرائيلي وراء الخط الاخضر. ولم يكن مستعدا لاحتمال ذلك أكثر.
"وكانت اشياء اخرى. عرضت اسرائيل حاجاتها الامنية في الضفة وكان مطلبها سيطرة مطلقة على الارض. وعنى ذلك للفلسطينيين أنه لن يتغير شيء في الجبهة الامنية. ولم تكن اسرائيل مستعدة للموافقة على جدول زمني، فسيطرتها الامنية ستستمر الى الأبد. وخلص أبو مازن الى استنتاج أنه لا يوجد في الاتفاق أي شيء له. وهو في التاسعة والسبعين من عمره وقد بلغ آخر فصول حياته. وهو متعب. وكان مستعدا لأن يمنح المسيرة فرصة أخيرة لكنه علم كما يقول إنه لا يوجد شريك له في الطرف الاسرائيلي. ولن يشمل تراثه اتفاق سلام مع اسرائيل.
"في شباط جاء أبو مازن للقاء مع كيري في فندق في باريس. وكان يجر معه رشحا شديدا وقال شاكيا: أنا في ضغط. وقد ضقت ذرعا. ورفض كل افكار كيري. وبعد ذلك بشهر في آذار دُعي الى البيت الابيض فعرض عليه اوباما شفهيا – لا خطيا – المبادىء التي صاغها الامريكيون لكن أبو مازن لم يستجب لها.
"ليس صحيحا ما زعموه عندكم وهو أن أبو مازن تهرب من القرارات. فهو لم يتهرب بل سد مسامعه ببساطة".
قلت: زعمت تسيبي لفني بعد الانفجار أن أبو مازن لم يتزحزح قيد أنملة عن مواقفه المعروفة في وقت أظهر فيه نتنياهو مرونة.
"صحيح أن نتنياهو تحرك"، قالوا. "لكنه لم يتحرك اكثر من بوصة واحدة. وكان يجب علينا أن نبذل في ذلك جهدا ضخما. وحينما حاولنا أن نحرك أبو مازن لم ننجح فهو كما قلنا أغلق نفسه وسد مسامعه وقال: قمت بتنازلات كثيرة. واشتكى من أن الاسرائيليين لم يعرفوا كيف يُقدرون ذلك".
وسألت: أية تنازلات؟
"وافق على دولة منزوعة السلاح؛ ووافق على رسم الحدود بحيث يعيش 80 في المئة من المستوطنين في داخل اسرائيل؛ ووافق على أن تستمر اسرائيل على السيطرة على مناطق امنية (القصد في الاساس الى غور الاردن) مدة خمس سنوات وأن تحل الولايات المتحدة محلها بعد ذلك. وسلم بكون الفلسطينيين لا يستحقون الثقة أبدا من وجهة النظر الاسرائيلية.
"ووافق ايضا على أن تبقى الاحياء اليهودية في شرقي القدس ضمن سيادة اسرائيل. ووافق على أن تكون عودة الفلسطينيين الى اسرائيل متعلقة بارادة حكومة اسرائيل. والتزم بألا تُغرق اسرائيل باللاجئين.
"وقال لنا: قولوا لي هل يوجد زعيم عربي واحد آخر يوافق على ما وافقت عليه. وقال: أنا لن أتنازل أي تنازل آخر الى أن توافق اسرائيل على المطالب الثلاثة التالية:
"أن يكون رسم الحدود هو الموضوع الاول في التفاوض وأن يتم الاتفاق عليه في ثلاثة اشهر.
"وأن يتم الاتفاق على موعد انهاء اخلاء الاسرائيليين عن ارض الدولة الفلسطينية السيادية (في سيناء وافقت اسرائيل على اتمام الاخلاء في ثلاث سنوات.
"وأن توافق اسرائيل على أن يكون شرقي القدس عاصمة فلسطين.
"ولم يستجب الاسرائيليون لأي واحد من المطالب الثلاثة".
قلت: يمكن فهم ذلك فكل واحد من هذه المطالب كان يمكنه أن يفكك حكومة نتنياهو.
قالوا: "صحيح. إن الحديث عن مصالحات مؤلمة جدا. واذا كنت تبحث عن اخفاقات فهذا أحدها وهو أننا لم ننجح في أن نعرض الطرفين لمواجهة الحلول المؤلمة المطلوبة منهما. فلم يضطر الاسرائيليون الى مواجهة امكانية أن تقسم القدس الى عاصمتين؛ ولم يواجهوا معنى الانسحاب الكامل وانهاء الاحتلال".
ورفض أبو مازن الاعتراف بأن اسرائيل دولة يهودية، قلت.
"لم ننجح في فهم لماذا يضايقه ذلك جدا"، قالوا. "إن هوية اسرائيل اليهودية عندنا نحن الامريكيين امر مفهوم من تلقاء نفسه. وأردنا أن نؤمن أن هذا تكتيك عند الفلسطينيين فهم يريدون الحصول على شيء ما ولهذا يقولون لا.
"كلما تشددت اسرائيل في الطلب زاد الرفض الفلسطيني عمقا. وجعلت اسرائيل هذا الامر قضية ضخمة مثل أُقتل ولا يمر حقا. وخلص الفلسطينيون الى استنتاج أنهم يحتالون عليهم حيلة قذرة. وظنوا أنه توجد هنا محاولة لاستخراج موافقة منهم على الرواية الصهيونية".
وسألت: ماذا كان اسهام لفني في التفاوض وماذا كان اسهام ايتسيك مولخو (عُين مولخو وهو محامي عائلة نتنياهو وقريبها، ليكون حاضنة للفني).
"كانت تسيبي لفني بطلة"، قالوا. "فقد ناضلت بما أوتيت من قوة لتدفع بالاتفاق الى الأمام. وكان مولخو مشكلة كبيرة جدا بالنسبة اليها فقد كرر السعي في افشالها. وفي كل مرة حاولت أن تسير الى الامام صدها".
(كُشف في هذه الصفحات في شهر شباط عن المحور السري الذي انشأه مولخو مع باسل عقل، وهو مسؤول فلسطيني كبير سابق والصديق الشخصي لأبو مازن. فقد التقى عقل الذي يعيش في لندن من آن لآخر، التقى مع مولخو في احاديث سرية من وراء ظهر المشاركين الآخرين في المحادثات. وزعم مولخو في مرحلة ما أنه توصل الى سلسلة تفاهمات مع عقل. وتبخرت التفاهمات في الطريق الى أبو مازن).
كان الفصل الاخير في المبادرة الامريكية يسير على حدود الانفعال، فقد أدرك كيري أنه لن يكون اتفاق فحاول أن يحرز على الاقل موافقة الطرفين على استمرار المحادثات. وطلب الفلسطينيون الحصول على السجناء الذين وعدهم كيري بهم وفيهم القتلة الاسرائيليون. وطلب نتنياهو عوضا.
وحث كيري اوباما على أن يعطيه بولارد وآنذاك نشر اعلان وزارة الاسكان بمناقصة بناء أكثر من 700 شقة في حي غيلو في القدس ففقد أبو مازن الاهتمام. واتجه الى اتصالات مع حماس والى سؤال من سيرثه وكيف. ويقول الامريكيون إن هذا هو تفسير الحرب الظاهرة التي بدأها مؤخرا على محمد دحلان.
وفهم الامريكيون من نظرائهم الاسرائيليين أن الاعلان عن المناقصة في غيلو هو عمل تخريبي متعمد واحد من كثير من وزير الاسكان اوري اريئيل الذي هو معارض متطرف لكل اتفاق مع الفلسطينيين. وأنكر اريئيل وزعم أنه لم يعلم ألبتة بنشر المناقصة.
وسألت: ماذا ستكون نتيجة وقف المحادثات من وجهة نظر امريكية. هل ستقوى التهديدات بمقاطعة اسرائيل؟
"يصعب أن نتنبأ"، قالوا. "امتنع المجتمع الدولي ولا سيما الاتحاد الاوروبي عن كل عمل في خلال التفاوض. وسيبدأ الآن سباق لملء الفراغ، فقد تنشأ لاسرائيل مشكلة غير سهلة.
"لن يوقف أي شيء الفلسطينيين منذ اليوم عن التوجه الى المجتمع الدولي. فقد ضاق الفلسطينيون ذرعا بالوضع الراهن وسيحصلون آخر الامر على دولتهم بالعنف أو بالتوجه الى المنظمات الدولية.
"إن القطيعة والتوجه الى المنظمات الدولية مشكلتان في المدى المتوسط، فامريكا ستساعد لكن ليس من المضمون أن يكون دعمها كافيا.
"ثمة مشكلة تهدد اسرائيل تواً وهي خطر ملموس جدا. اذا حاولت اسرائيل أن تستعمل عقوبات اقتصادية على الفلسطينيين فقد يصبح ذلك عصا مرتدة. فالاقتصاد في الضفة سينهار وحينها سيقول أبو مازن لم أعد أريد، خذوا هذا مني. ويوجد هنا احتمال لتدهور ينتهي الى حل السلطة الفلسطينية. وسيضطر جنود اسرائيليون الى السيطرة على حياة 2.5 مليون فلسطيني وهو شيء يسبب أسى أمهاتهم. وستكف الدول المانحة عن الدفع ويُنقل الحساب وهو 3 مليارات دولار كل سنة لتقضيه وزارة ماليتكم".
اختار أبو مازن وصائب عريقات أن يتطرقا هذا الاسبوع الى يوم الكارثة، قلت، فقد قالا إنه كان الجريمة الكبرى في التاريخ، ولم يصدقهما نتنياهو فقد قذف اليمين أبو مازن بأنه ارهابي ومنكر للكارثة.
طلبوا ألا يقولوا رأيهم في رد نتنياهو. "إن يمينكم المتطرف"، قالوا. "راض جدا عن انهيار المحادثات. فهم غير مستعدين هناك لقبول أية بادرة حسن نية وأي تصريح ايجابي من الطرف الثاني".
وسألت: ماذا ستفعل الولايات المتحدة الآن؟
"سنأخذ مهلة للتفكير والتقدير مجددا"، قالوا. "ننوي استخلاص الدروس. واستعداد كيري للعودة وبذل الجهد متعلق باستعداد الطرفين لاظهار جدية. إن الشروط التي اشترطها أبو مازن رفضتها اسرائيل رفضا باتا. أربما يزن شخص ما في اسرائيل مواقفه مجددا؟ ولماذا تكون ثلاثة اشهر تجميد البناء مسألة كبيرة جدا؟ ولماذا لا ترسم خريطة؟ إن لكم مصلحة عليا في تسوية تُحرز باتفاق متبادل لا نتيجة ضغط خارجي وكان يجب أن يكون رسم الخريطة هو المرحلة الاولى".
وسألت: هل يعرض كيري المبادىء التي قمتم بصياغتها والخريطة وعناصر الامن وعناصر الاتفاق؟
"ما زال هذا بمثابة امكانية"، أجابوا. "والامكانية الاخرى هي فترة تقدير من جديد".
قلت: في 1975 بعد أن رفض رئيس الوزراء رابين المطالب الامريكية أعلن وزير الخارجية كيسنجر تقديرا من جديد وتم تجميد العلاقات الامنية والسياسية بين اسرائيل وامريكا، وفي اسرائيل امتدحوا رابين باعتباره بطلا وسجد له اليمين، وبعد بضعة اشهر وُجد سلم مكّن رابين من النزول عن الشجرة. إن ادارة اوباما ليّنة وهي تختلف عن ادارة نكسون كما يختلف كيري عن كيسنجر. ما هو نوع التقدير من جديد الذي سيختاره كيري؟
"لا نعلم"، قالوا. "كيري لم يقرر بعد".