هل عادت
إسرائيل للعبة الاكتشافات الأثرية لتأكيد سيطرتها على
القدس الشرقية؟ سؤال تطرحه صحيفة الإندبندت التي نشرت تقريرا لدانيال إسترين، حول عالم آثار إسرائيلي يقول إنه اكتشف القلعة التي استولى عليها الملك داود عند غزوه للقدس.
وانتقد الكاتب ادعاء عالم الآثار إلي
شكرون، كغيره من الإدعاءات في حقل علم الآثار التوراتي لانعدام الأدلة التي تدعمه. كما أن ادعاءه هذا يضاف إلى سلسلة من إعلانات علماء الآثار الإسرائيليين حول اكتشافهم لأماكن متعلقة بالملك التوراتي الذي يتمتع بمكانة خاصة في الديانة اليهودية لجعله القدس مركز القدسية للديانة اليهودية الذي فشل المؤرخون في العثور على أي دليل مادي على وجوده.
ويجعل شكرون مكان القلعة في وسط حي سلوان الفلسطيني إلى الجنوب من أسوار المدينة القديمة المبنية في القرن السادس عشر، ويعتبر الفلسطينيون ومراقبون دوليون أن احتلال القدس الشرقية ذات الأكثرية الفلسطينية وأعمال البحث الأثرية هي محاولة لشرعنة احتلال وضم الأراضي التي احتلت عام 1967.
وأشار التقرير إلى أن الحفريات التي كلفت 6 ملايين جنيه إسترليني (10 ملايين دولار) والتي فتحت أمام السياح الشهر الماضي، هي من تمويل مؤسسة "إلعاد"
الاستيطانية التي تشتري البيوت في القدس الشرقية وتسكن اليهود فيها. ويقول المنتقدون إن إلعاد مهتمة ببسط السيطرة اليهودية على القدس الشرقية أكثر من أي حقبة تاريخية.
ويقول شكرون الذي عمل في موقع مدينة داود لعقدين من الزمان، إن أدلة قوية تدعم نظريته. وأضاف: "هذه القلعة هي قلعة الملك داود، هذه قلعة صهيون، هذا ما أخذه الملك داود من اليبوسيين.. ونستطيع مقارنة المكان مع ما ورد في التوراة بشكل كامل".
ولا يختلف معظم علماء الآثار على أن الملك داود هو شخصية تاريخية، كما أن إشارة مكتوبة حول "بيت داود" وجدت في شمال إسرائيل، ولكن علماء الآثار منقسمون حول التعرف على المواقع الداودية في القدس.
واشتهر داود بقتاله لجالوت المقاتل العملاق الذي قاد الفلسطينيين، حيث استخدم داود مقلاعا ضرب به جالوت، ثم قطع رأسه وأصبح هو الملك الثاني لمملكة إسرائيل ويهودا الموحدة بعد شاول.
وكان شكرون قد بدأ الحفر عام 1995 وكشف عن تحصين مؤلف من خمسة أطنان من الحجارة المرصوصة بعرض ستة ياردات (5.48م) وساعدت القطع الفخارية التي وجدت في المكان على تحديد عمر جدران الحصن بـ 3800 سنة، وهي أكبر تحصين وجد في المنطقة ويعود لما قبل عهد الملك هيرود الذي وسع المعبد اليهودي الثاني في القدس قبل حوالي 2100 سنة. ويحيط التحصين بنبع ماء حيث يظن أنه كان حماية لمصدر مياه المدينة.
وكان الحصن قد بني قبل 800 عام من دخول الملك داود للمدينة والاستيلاء عليها من حكامها اليبوسيين، ويقول شكرون إن قصة التوراة لغزو داود للقدس تعطي قرائن تشير إلى هذا الحصن الذي دخل منه إلى المدينة.
فبحسب كتاب صموئيل الثاني في التوراة، كان داود قد أمر بدخول المدينة المسورة من خلال مجرى المياه. وقد كشفت حفريات شكرون عن مجرى للمياه تجري من خلاله مياه النبع إلى بركة محفورة، حيث تخرج المياه الزائدة عن طريق مجرى آخر بحسب اكتشاف شكرون. ويظن أن دخول المدينة كان من هذا المجرى، ويقول إنه لا يوجد بنية أخرى في المدينة القديمة تشبه ما استولى عليه داود للسيطرة على المدينة حيث تسميها التوراة "قلعة داود" و"قلعة صهيون".
ولكن روني ريتش الذي عمل مع شكرون في الموقع حتى عام 2008، يختلف مع نظرية شكرون، ويقول إنه كان يجب أن يتواجد في الموقع المزيد من قطع الفخار التي يعود تاريخها للقرن العاشر قبل الميلاد (الفترة المفترضة لحكم الملك داود) لو أن الموقع كان مستخدما في ذلك التاريخ.
ويلفت شكرون إلى أنه وجد قطعتين من الفخار فقط يعود تاريخهما لتلك الفترة، ويعتقد أن السبب هو أن المكان كان دائم الاستخدام، وأن من جاء بعد داود نظف الموقع من الفخار، حيث وجد كمية أكبر من قطع الفخار يعود تاريخها لمئة سنة بعد فترة حكم داود.
ولكن ريتش قال إنه لا يمكن التوصل إلى علاقة توراتية أكيدة دون أدلة أثرية مباشرة، "فالعلاقة بين علم الآثار والتوراة أصبحت تنطوي على إشكالية كبيرة جدا".
ويقول المنتقدون إن بعض علماء الآثار يحملون مجرفة بيد والتوراة باليد الأخرى، في محاولة لإثبات الرواية التوراتية، إما بسبب المعتقدات الدينية أو لإيجاد رابط تاريخي بين اليهود والأرض.
ويزعم شكرون أنه توصل إلى هذه النتائج بعد قضاء حوالي عقدين في البحث عن المدينة التاريخية، ويضيف: "أعرف كل شيء في مدينة داود ولم أر أكبر من هذا الحصن في أي مكان آخر".
وتجذب حديقة الآثار المسماة بـ"مدينة داوود" في سلوان السياح إليها، ولكن الفلسطينيين لا يرون فيها سوى وسيلة إسرائيلية لاقتلاعهم من بيوتهم وأرضهم والاستيلاء عليها.