قال محرر شؤون الشرق الأوسط في صحيفة الغارديان البريطانية إيان بلاك إن الدول الأوروبية والإدارة الأمريكية تحضر بيانا مكتوبا بعناية للتعبير عن ترحيبها بانتخاب عبدالفتاح السيسي رئيسا لمصر بشكل يكشف عن "نفاقها وبراغماتيتها".
وأوضح بلاك أن "واشنطن ولندن وبروكسل مقر الاتحاد الأوروبي تقوم بوضع اللمسات الأخيرة على بيانات صيغت بعناية حول إرادة الشعب
المصري، وتضغط باتجاه تحقيق المرحلة القادمة من عملية الانتقال الديمقراطي".
ولفت إلى أن البيانات ستحتوي على صياغات جميلة من ناحية الدعوة "لشمل الجميع" وتوسيع "المجال السياسي" في البلاد، وقد تحتوي على انتقادات حول حقوق الإنسان والعدالة، ولكنها ستكون كلها عن الترحيب بـ"الرجل القوي لمصر".
وأضاف بلاك "خلف التحايل والدوران هذا واقع لا يخفى للعيان، وهو أن هذا التتويج الجمهوري يضع نهاية للآمال التي ولدت من داخل ثورات الربيع العربي. وستتاح الفرصة لادعاء السيسي حمل راية عبدالناصر والجنود الآخرين الذين تحولوا لرؤساء، لأنه وزملاءه من الجنرالات قاموا بالإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي في الصيف الماضي في تحرك حظي بلا شك بشعبية ولكنه يظل انقلابا تحت أي مسمى".
ويمضي بلاك بالقول إن الولايات المتحدة لم تستخدم العبارة لأن قوانين الكونغرس تعني قطع المساعدات بشكل أوتوماتيكي، فيما عبرت بريطانيا عن مخاوفها من "التدخل" العسكري وعبرت عن أملها بحدوث أيام جديدة.
وقال إن نوعا من البرودة في العلاقات الأمريكية مع القاهرة حدث حيث قامت بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي بتعليق رخص تصدير السلاح، وتم تجميد المساعدات العسكرية الأمريكية مع أن بعض صفقات السلاح استؤنفت عندما دخلت روسيا على الخط لملء الفراغ في سوق بيع السلاح.
ودعا الدول الغربية لـ"اختراع لغة لإخفاء حرجها عندما يتم انتخاب السيسي رئيسا لمصر مع أنه سيفوز في انتخابات هذا الأسبوع بفارق واسع، نظرا لمجموعة من الأمور وهي الدعم الحقيقي، ومقاطعة الإسلاميين الذي منعوا وقمعوا وغياب المنافسين الحقيقيين".
ورأى أن انتصار السيسي "مؤكد أكثر من انتصار بشار الأسد الذي يواجه ساعته مع مصير سوريا الشهر المقبل، مع أن كل العملية شجبت باعتبارها محاكاة تافهة للديمقراطية".
وبالنسبة للسفراء الذين تعاملوا مع الإخوان المسلمين بدون نقد خلال حكم مرسي، الذي لم يستمر سوى عام واحد، قال بلاك إنهم قبلوا تغيير الأمور في ليلة وضحاها، وعادت الأمور كما هي بدون شجب للقمع الذي يمارسه العسكر، وقتل أكثر من ألف واعتقال عشرات الألوف.
وعلق على إعلان الحكومة البريطانية التحقيق في نشاطات الإخوان الذي جاء وسط حظر الجماعة في مصر والمحاكمات وأحكام الإعدام الجماعية أن التحقيق ودعم توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني السابق، أرسلا رسالة خاطئة لمصر التي كانت تتحول نحو سنوات ما قبل عام 2011 الاستبدادية.
وكشف بلاك أن وزراء ومسؤولين غربيين قالوا "في أحاديثهم الخاصة أن خريطة الطريق التي قدمها السيسي لا يمكن أن تضم الآمال والتطلعات التي رافقت سقوط حسني مبارك، ولكن في المعركة بين المصالح والقيم، انتصرت المصالح والتي تضم قتال الجهاديين في سيناء والحفاظ على معاهدة السلام مع إسرائيل والاقتصاديات".
ولفت إلى أن بريطانيا تعد المصدر الرئيسي للاستثمار الأجنبي في مصر، وهناك ديون كبيرة مستحقة للشركات البريطانية على مصر "ولن يتم تحصيلها لو عارضت لندن الحكم في القاهرة كما وتحتاج الصناعة العسكرية الأمريكية علاقات براغماتية وليس مبادئ، ويمكن أن يستخدم السيسي ورقة الحرب على الإرهاب كورقة رابحة تماما كما فعل مبارك".
ويشير بلاك إلى أن الإخوان المسلمون كانوا في قيادة الحملة ضد السيسي "لكن الإسلاميين ليسوا وحدهم الخائفين على مستقبل مصر، فقد ناشدت حركة 6 إبريل المحظورة والتي كانت في طليعة ثورة 2011 الاتحاد الأوروبي أن لا يرسل مراقبين للانتخابات حتى لا تضفي عليها شرعية، وبعد تردد أرسل الاتحاد البعثة".
وينقل عن فاطمة أيوب من مجلس العلاقات الأوروبي للشؤون الخارجية: "حتى لو كان كل صندوق اقتراع جديدا وشارك ناخبون بدون تدخل، إلا أن الخلفية القاتمة تعني أن بعثة المراقبين لا يمكنها الزعم أن الانتخابات كانت حرة ونزيهة ولا حتى التقرير النهائي يمكنه أن يؤكد الحقيقة القبيحة بدون طرح سؤال عن السبب الذي دفع بالاتحاد الأوروبي لجعل نفسه القابلة لولادة الاستبداد".
ويختم بلاك بالقول إن "التطبيع سيكون علامة اليوم في العهد الجديد في مصر" وكما يقول دبلوماسي في القاهرة: "المسألة هي أن ترفع رأسك وتكون مستعدا للعمل معهم، ولهذا ستكون قادرا على التأثير على الاتجاه والرحلة" ويضيف: "سينتصر السيسي ومصر هي بلد مهم، فإما أن نقول: لا نريد التحدث معك. أو نقول: سنتعامل معك في تعاملات كما نجدها".