انتقدت الدكتورة هبة رؤوف عزت، أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة، الخطابات والكتابات التي عَقًدَت مفهوم
التوحيد حتى لم تعد العقيدة جلية كما كانت من شدة التفصيل، معتبرة هذا الأمر أبرز عوائق التجديد في الفكر الإسلامي خلال الـمائة سنة الأخيرة.
وأضافت عزت في محاضرة علمية نظمها المركز
المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة، ليلة أمس الاثنين بالرباط، أن سؤال التجديد يرتبط بسؤال التوحيد، وأن هذا الأخير طرأت عليه تعقيدات كبيرة جعلت إنتاجات التراث كثيرة لكنها لا تصل إلى الناس، واختلطت عندهم بالممارسات التي نتجت عن البعد عن الإسلام أو نتيجة الاستعمار ودخول أنماط حياة جديدة مختلفة.
في المحاضرة التي حملت عنوان "أجندة الفكر الإسلامي في المرحلة المقبلة"، انتقدت ما يتم من إبراز للقيادات السياسية على حساب القيادات الاجتماعية والدعوية، معتبرة أنه في مصر نموذجا عندما وقعت الثورة فقد ذهب الكل للتسابق للسياسة، وتساقط من البعد الدعوي والاجتماعي.
وأوضحت هبة رؤوف أن سؤال التجديد هو الأصل الذي بدأت به الحركة الاسلامية المعاصرة، إلا أن ذلك عرف تراجعا كبيرا نتيجة الانخراط المتزايد في المجال السياسي الذي جاء على حساب التغيير الاجتماعي، مضيفة أن سؤال التجديد توارى تحت غلبة حركة السياسة على أرض الواقع.
وفي مقارنة بين المغرب ودول المشرق؛ أشادت المحاضرة بما سمته الزخم الفكري في المغرب وكثرة الرموز الفكرية التي لم تنتهك في العمل الحركي كليا، حيث حافظت على الإنتاج الفكري والمعرفي.
وانتقدت الأستاذة الجامعية المصرية، التنظيمات بصفة عامة معتبرة أن الانتماء إليها له ضرائب عدة، منها الركود على فكرة التأسيس ومقاومة الأفكار الجديدة، وأي توسع أو انتشار يتم لهذا التنظيم أو ذاك فهو يكون على الفكرة الأولى والأعضاء المؤسسين.
ولتجاوز هذا الأمر دعت هبة عزت إلى النظر للوراء والبحث عما فات الأمة من أجل التجديد وإدراك الخرائط الجديدة للأمة واستعادة الرؤية الشرعية ووصل ما انقطع نهاية القرن الـ19 وبداية القرن الـ 20، مؤكدة على ضرورة خدمة التجديد للمجتمع، وذلك بأن يستجيب أهل العلم وأهل الحركات الإصلاحية لواقع الناس.
وأبرزت هبة رؤوف عزت، أن انشغال الفكر الإسلامي بردود الأفعال وغياب رؤية تستشرف الأمل، أدى إلى ركود التفكير وساهم في غياب الفكر الإسلامي عن مشهد التأثير، مشيرة إلى أن العقل المأزوم لا يبني نهضة.
وشددت المتحدثة على ضرورة العودة إلى جوهر وأصل الدين وتنقية ما في حياة الناس من بدع وما أصابها من أمور متعلقة بالثقافة الاستهلاكية، وباختزال الإسلام وإقامة الشريعة في قوانين، أو وضعها في أكواب قانونية.
وأكدت هبة رؤوف عزت على ضرورة استعادة المعنى الصافي لفكرة الاستخلاف ومسؤولية وأمانة الفرد عنها، وكيفية تحويل معاني الدين إلى رؤية يسعى بها المسلم بين الناس ويقدم لهم عقيدة التوحيد بلا تعقيد ولا إشكاليات كبيرة كالذي دعا إليه رسول الله وصحابته.
وفي تشريحها لمفهوم الإصلاح قالت المحاضرة، إن سؤال الإصلاح ليس مجرد حل لأزمة حركة بل إن التفكير فيه يكون من منطلق الأمة. ويتعلق هذا الأمر حسب المتحدثة بتجديد أمر الدين، حيث قالت إن الإصلاح لا يركز على الدين الذي هو واحد وأصيل وإنما الحاجة اليوم إلى مفهوم التدين.
وأكدت المتحدثة أن اختلال صيغ التدين الذي وقعت فيه تحولات في العالم الإسلامي، يقود إلى الاختلاف في الأصل ولي في الفروع والانماط.
وحسب المحاضرة، فإن التفكير في صيغ التدين المعاصرة يمكن أن يجد له كتابات أساسية في التراث الإسلامي منها كتاب "درء تعارض النقل والعقل" للرازي، ذلك أن الظواهر المتعلقة بهذا الأمر قديمة، كأن تتحول الشعيرة والرمزيات إلى أصل، والمجاز إلى حقيقة خاصة فيما يتعلق بالمظاهر والطقوس والرموز والتي لم يخل دين منها.
واعتبرت هبة رؤوف عزت أن سؤال الإصلاح يرتبط أيضا بسؤال السياسة، وسؤال العالم وأي دور للمسلم في إصلاحه، وفكرة البلاغ والدعوة للناس كافة، وكيف يمكن أن يتحول الإسلام اليوم إلى طرائق للعيش يجد فيها الناس حياة طيبة.