كتاب عربي 21

السيسي علي طريق القذافي السريع!

1300x600
عندما قام الحاكم بأمر الله بتحريم الملوخية، وجد من يزين له سوء عمله ليراه حسناً. وكذلك فعلوا مع عبد الفتاح السيسي!.

المذكور، الذي هو عبد الفتاح السيسي، استخف قومه فأطاعوه، وبدلاً من أن يبحث عن حل للمشكلات المتراكمة، التي تعاني منها مصر بسبب اغتصابه للسلطة، قام بجمع شباب الكليات العسكرية، ومعهم عدد من الوزراء، وثلة من الفنانين والفنانات، الأحياء منهم والأموات، فيما سمي برالي الدراجات، لتقيم له الفضائيات "زفة بلدي"، وينشغل البعض بشرح خطابه التاريخي في "طابور الصباح"، وقد بدا وزير الداخلية ورئيس الوزراء بالملابس الرياضية، يمثلان مسخرة من العيار الثقيل، وبد لي السيسي بما يفعل معهم يقوم بالتمثيل بجثث الموتى، الذي هم في مرحلة "عذاب القبر"!

حشود الدراجات لا توحي بأن ما حدث كان مسابقة فاز فيها عبد الفتاح السيسي بالمركز الأول، فالمشهد كان مهرجاناً، لرجل لم يجد ما يفعله في يومه، فكانت الدعوة لهذا المهرجان. لأننا إذا سلمنا بما قالوا من انه مسابقة، لكان هذا طعناً في لياقة طلاب الكليات العسكرية، الذين كانوا في المؤخرة، وهم شباب، وتفوق عليهم رجل بلغ أرذل العمر، ويطرق أبواب الستين بعنف!.

لا أعرف الكلفة الحقيقية لهذا المهرجان، فلا أظن ان هذه الدراجات "عُهدة" من الشركة التي تقوم بإنتاجها، أو أنها تأجير يستلزم أن يترك المؤجر حذائه رهناً، حتى يضمن من يؤجر عودة المؤجر بـ "العجلة" ولا يهرب بها. كما لا اعتقد أن السيسي طلب من المدعوين أن يحضر كل منهم "عجلته" معه. فالعجل ليس منتشراً لدرجة أن تكون هناك عجلة لكل مواطن. والمعني أن هذه الدراجات مملوكة لمؤسسة الرئاسة وربما قامت بشرائها، من أجل حفلة اليوم الواحد.

ليطرح هذا سؤالاً كم تكبدت ميزانية الدولة المصرية، ثمناً لهذا المهرجان، وتحت أي بند أدرجت في الموازنة العامة؟.. وهل مصر البلد الفقير الذي يوجد فيه من يأكلون من صفائح القمامة، يتحمل هذا الترف المجنون، لرجل تولي الحكم فلم يكن تصوراته عنه، سوي ذات تصور مراهق عن الزواج بأنه ليس أكثر من "ليلة الدخلة"؟!.

لقد تصرفت برامج "التوك شو" في فضائيات الثورة المضادة، على قاعدة "هبلة ومسكوها طبلة"، وانصب حديث الصباح والمساء، علي هذا الحل العبقري لمشكلة الوقود، وأزمة المرور، ويتمثل في أن يقلد الجميع السيسي فيذهبون لأشغالهم بالدراجات.. وهل  كان السيسي بما فعل في طريقه لعمله مثلاً، وللقصر الجمهوري ليكون قدوة؟!

إن المهرجان الذي أقيم يصلح دعاية للدراجات، وللنوع الذي يستخدمه السيسي نفسه، وربما للحديث عن تقوية عضلات الساقين، عندما يستقل المرء الدراجة في الصباح، و"علي الريق" دون أن يمتد هذا لأهمية استخدام الدراجات في الحركة والتنقل. 

لقد جرى استدعاء تجارب لمسؤولين غربيين يستخدمون الدراجات، والضغط علي "عقدة الخواجة" لتأكيد أن السيسي سابق لعصره، بجلبه هذا السلوك الغربي لبلدنا. مع أن السيسي لم يكن مثلهم، وإنما كان يقوم بعمل من أعمال الترفيه.

وإذا تجاوزنا ذلك فهل الطرق في مصر ممهدة لمرحلة دراجة لكل مواطن، وهل نجح السيسي في تحقيق الأمن في ربوع البلاد، علي نحو يضمن للسكان أن يضعوا درجاتهم أسفل بيوتهم أو أمام مقار أعمالهم، فيأمنون عليها من السرقة. والواحد منا يدخل المسجد فلا يكون آمناً علي حذائه. 

ثم، ماذا لو اقتنع الناس بفكرة السيسي، فمن أين لهم بثمن الدراجات، والحديث الجاد يكون بإعلان الرئاسة المصرية، أنها ستمكن كل مواطن من الحصول علي دراجة ولو بالتقسيط المريح علي سنوات!.

لا بأس، فهل ركوب الدرجات يمثل اختراعاً عظيماً؟!

إن على من يعتقدون بذلك، أن ينسبوا الفضل لأهله، فأول من أقدم علي هذه الخطوة لم يكن عبد الفتاح السيسي ولكنه "الاخواني" حسن البرنس نائب محافظ الإسكندرية في عهد الرئيس محمد مرسي. وقد ظهر في رالي الدراجات وهو بملابس رياضية يستقل دراجة مع المشاركين.

لقد أشبعوه سخرية، وكتب عنه الزميل حمدي رزق مقالاً ساخراً حمل عنوان: "البرنس فتي الإسكندرية الأول".. وكانت بدايته: " أبو عجلة فاكر نفسه عيل، يجري وراء عربية الرش، راكب عجلة زي العيال الروشة على شط الإسكندرية".

وقال مذيع موال للسيسي الآن: " فلوس الإسكندرية بتأجر بها عجل يا برنس"؟.

لا يمكن أن نطلب من الزميل رزق أن يسحب أوصافه التي أطلقها علي البرنس وهو يهجوه، على السيسي، أو أن يتم تعديل الاتهام في كلام المذيع اياه، ليصبح "فلوس" مصر تأجر بها عجل يا سيسي"؟. فكل ما كانوا يهاجمون عليه مرسي فعله السيسي بدون مؤاخذة أو هجوم!.

لقد ثاروا من قبل علي الرئيس مرسي، لأنه يكلف ميزانية الدولة الكثير، في صلاته للجمعة خارج القصر الرئاسي من حرس وخلافه، فإذا بمهرجان الجمعة الذي نصبه السيسي، وشاهدنا الطائرات تحرس القوم وتحلق فوق الرءوس دون سؤال عن الأموال الذي تم تبديدها من اجل هذا التهريج الرئاسي!.

نحن أمام رجل يعيد إنتاج القذافي من جديد، الذي أطاحت النخبة المصرية بما تبقي فيه من عقل. ففي مرحلة " المرأة تحيض والرجل لا يحيض"، قدمه اليسار المصري علي أنه "المفكر الضرورة". بقواعد الكيد المعمول بها الآن!.

فتأييد القذافي كان لإغاظة السادات، ولهم في ذلك مآرب أخرى. وتأييد السيسي هو لإغاظة الإخوان، كما أنهم يبتغون بتأييده منافع لهم!.

والقذافي المفكر، انتصب أمامه غالي شكري ليعلن إسلامه، عندما سأل لماذا لا يدعوا للجماهيرية مثل النخبة المصرية المعادية للسادات؟.. فكان جوابهم إن الحائل كونه مسيحياً، فأسلم على اليدين الطاهرتين للقذافي!.

والقذافي أديباً، تم استدعاؤه متحدثاً علي الهواء مباشرة، في معرض القاهرة الدولي للكتاب، واحتشدت النخبة المصرية الباسلة، لتعلن عن الاكتشاف المذهل لهذا الأديب. وكاتبة مهمة، وقفت لتقود حرباَ ضد القذافي انتصاراً للقذافي. فالزعيم معمر القذافي يتآمر علي الأديب معمر القذافي، وأن الأدب العربي خسر كثيراً بسبب هذا النزاع بين معمر ومعمر.

لكن القذافي عندما قتل لم ينعيه أحد منهم، الوحيد الذي نعاه في مواجهة عملية التمثيل به كان كاتب هذا السطور. مع أن بيني وبينه خلاف قديم، أوصله للمحاكم وطلب مليون جنيه تعويضاً مني.

والنخبة المصرية الفاسدة تواصل مسيرتها الآن مع السيسي في مرحلة " المرأة تحيض والرجل لا يحيض".. وعندما يصل لمرحلة " الأرض الأرض.. القرية القرية.. وانتحار رائد الفضاء"، سيطلبون له جائزة نوبل في الأدب.

لا بأس، فأنا في انتظار أن ينتقل من الدراجة الى "التوك توك"، بعدها يعلن: " دار دار.. زنقة زنقة".. إلى الأمام .. إلى الأمام.

"طريقك أخضر".. زراعي!