صحافة دولية

فيسك: التغطية الإعلامية تنزع قصة غزة عن سياقها

فيسك: حرب غزة طويلة وشريرة ومقرفة وأكبر من تقارير صحافية لا طعم لها - الأناضول
علق الكاتب البريطاني المعروف روبرت فيسك على الأحداث الجارية في غزة وعدم اهتمام الصحافيين الذين يغطون الأحداث بربطها بأحداث الماضي، قائلا: "في الماضي كنا نحتفظ بكم من قصاصات الصحف التي تتحدث عن أي شيء نكتبه، إسرائيل، لبنان، إيران، غزة. وفي بعض الأحيان كنا نقرأ الكتب، ربما بسبب الإنترنت، ولكن في معظم تقاريرنا يبدو أن التاريخ بدأ أمس أو قبل أسبوع".

بالنسبة للمحرضين أو المتبجحين يعني هذا كما يقول "فقدان الذاكرة الجمعية، ويبدو أننا الصحافيين نعاني منها أكثر من غيرنا، أما أساتذتنا، فعلى ما أفترض لا، وهذا هو الوضع".

وينقل عن تقرير أعدته وكالة الأنباء البريطانية "برس أسوسيشين" "تنكرت إسرائيل لكل الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار، وقالت إنها لن توقف الهجوم الذي يريد أن يشل غزة حتى يعود الأمان والهدوء إلى بلدات جنوب إسرائيل التي تقع على جبهة الصواريخ القادمة من غزة.. التقى المندوبون العرب في الأمم المتحدة أعضاء مجلس الأمن في نيويورك وحثوا أعضاءه على تبني قرار يدعوا لوقف فوري للهجمات الإسرائيلية ووقف دائم لإطلاق النار".

وقدم الكاتب بجانب التقرير الخبري السابق موجزا من صحيفة كندية يمينية متطرفة، حيث كتبت في افتتاحيتها "نحن نتعاطف بشدة مع سكان غزة العاديين، فالهجمات الإسرائيلية على البنى التحتية للإرهاب التي تمت في منطقة صغيرة جدا، ومنطقة ذات كثافة سكانية عالية، كانت وبلا شك صعبة عليهم، حيث يقوم قادة حماس وناشطوها باستخدامهم كدرع بشري. ولكن عليك أن تتذكر: أن هذه الهجمات مطلوبة لوقف الهجمات، ويجب أن يوقف الفلسطينيون عنفهم ضد إسرائيل".

وأشار إلى ما كتبته صحيفة "الغارديان" "يوم أمس، حيث سجي أبناؤه الثلاثة موتى على أرضية المستشفى، كان سموني يرقد على سرير في مستشفى الشفاء في الطابق العلوي، يتعافي من جراحه بعد إصابته برجله وكتفه ويهون على نجله محمد إبن الخمسة أعوام والذي أصيب بذراعه، وقال سموني "نريد العيش بسلام". 

وفي تقرير لوكالة "رويترز" "وسعت إسرائيل، يوم أمس من هجومها الجوي الشديد على حماس التي تسيطر عليها غزة منذ عقد وتحضر لهجوم بري بعد ثلاثة أيام من القصف الذي أدى لمقتل 300 فلسطيني، وهاجمت الطائرات الإسرائيلية بيوت كبار القادة في الجناح العسكري للحركة، ولم يكونوا فيها، وكان هناك عدد من أفراد العائلة من بين السبعة القتلى".

وأخيرا ينقل ما كتبه روبرت فلوفورد في صحيفة "كنديان بوست" "أثتبت إسرائيل أنها الدولة الأكثر قدرة على ضبط نفسها في التاريخ، وسجلت رقما قياسيا في ضبط النفس".

وبعد هذه القصاصات التي نقلها من مصادر صحافية متعددة، يقول "لقد أصبحت عارفا بكل شيء، فمنذ الإسبوع الماضي وإسرائيل تقوم بقصف غزة لمنع صواريخ حماس الوصول لإسرائيل، ويعاني الفلسطينيون بطريقة غير متناسبة، ولكن الخطأ هو خطأ حماس، وهنا المشكلة" كما يقول.

نكتشف أن تقرير "برس اسوسيشن" نشر في 6 كانون الثاني/يناير 2009 ، أي قبل خمسة أعوام ونصف، وافتتاحية الصحيفة الكندية نشرت في 2 كانون الثاني/ يناير من نفس العام، وتقرير "الغارديان" كان في 6 كانون الثاني/ يناير 2009 وتقرير رويترز نشر في كانون الاول/ ديسمبر 2008 وما كتبه بروبرت فولفرد في 5 كانون الثاني/يناير 2009. 

وبشكل مثير للغرابة لا أحد في هذه التقارير يذكرنا أن مذبحة اليوم هي إعادة مقرفة – من الطرفين- لما حدث بالأمس. ويذكر بما كتبه المؤرخ الإسرائيلي اليساري إيلان بابيه كيف قامت منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية "بيتسيليم" في 28 كانون الأول 2006 بنشر تقرير تحدثت فيه عن مقتل 660 فلسطينيا في ذلك العام، معظمهم في غزة وكان من بينهم 141 طفلا. وأنه منذ عام 2000 قتلت إسرائيل حوالي 4000 فلسطينيا وجرحت 20.000 . ولكن لم يتم ذكر أي شيء عن هذه في التقارير التي تكتب عن المذبحة الجارية في حرب غزة.

لماذا؟ لماذا نسمح لأنفسنا نحن القراء- علاوة على الصحافيين – المشاركة فيما أطلق عليه عملية مسح الذاكرة؟ لأننا كسالى؟ أو لأننا لم نعد نهتم؟ أو لأننا نخشى شرح حمام الدم يدفعنا لأن نبحث بعمق في الأسباب مما يجعلنا عرضة للاتهام من أصدقاء إسرائيل في الخارج لأننا نقترح أن إسرائيل – علاوة على حماس- تخوض حربا طويلة وشريرة ومقرفة أكبر مما تقترحه التقارير الصحافية التي لا طعم لها".

ويقول إن لا شيء جديدا عن محو الذاكرة، ويشير للتحذير الذي نشرته صحيفة "إندبندنت" حول الحرب الأهلية اللبنانية "أوقات صعبة في لبنان.. ولأن الطائفة العلوية سيطرت على السلطة السياسية في سوريا هي شيعية وغالبية السوريين هم من السنة، فليس من الصعب فهم الكوابيس القاتمة التي يعيشها سكان المنطقة. فإذا انتقل النزاع الأهلي في العراق للغرب، فهذا سيفتح الباب أمام خطوط الإنقسام الديني من بغداد إلى لبنان.. منظور رهيب لكل العالم العربي". "واحسرتاه، هذا ما كتبه روبرت فيسك في 7 تموز/يوليو 2006. أي قبل ثماني سنوات بالضبط..".

 ويختم في إشاراته للانقطاع بين الحادث الحالي وجذوره التاريخية بتقرير لوكالة أنباء رويترز من الموصل والذي جاء فيه "أشعل المتمردون مراكز الشرطة بالنار، وسرقوا الأسلحة وتجولوا بجرأة في شوارع الموصل، ثالث مدينة في العراق التي تبدو أنها تخرج عن السيطرة". وهذا التقرير نشر في عام 2004 والجيش كان في ذلك الوقت هو الأمريكي وليس العراقي.

ويقول "كل هذا متعلق بالسياق، ومحو الذكراة هذا هو عن الجيوش والحكومات وما تريدنا أن نؤمن به أو ننسى ما تقوم بعمله، وهو عن التغطية التاريخيةـ أو ما تسميه الصحافية الإسرائيلية الرائعة عميرة هاس "مراقبة مركز السلطة".