بعد سنوات من الانتظار ومعاناة الجسم الصحفي بالمغرب، أفرجت أخيرا وزارة الاتصال
المغربية عن مشروع قانون جديد للصحافة والنشر يحمل رقم 77.00، سينسخ القانون الذي يعود للفترة الاستعمارية والذي اعتمد سنة 1958.
المشروع الجديد الذي حصل "عربي21" على نسخة منه يضم العديد من الإجراءات التي تتجاوز القانون الحالي الموسوم بالتخلف، حسب توصيف المهنيين والوزارة الوصية على حد سواء.
وفي حين يضم القانون الحالي أكثر من عشرين عقوبة سالبة للحرية، أوفت الحكومة الحالية بوعدها منذ التنصيب وأخرجت قانونا من 131 مادة، لا تتضمن أية عقوبة يمكن أن يودع الصحفيين بسببها السجون، بعدما كان السجن بالنسبة للصحفيين المغاربة أقرب إليهم من حبل الوريد، وهي نقطة كانت مثار تجاذب حقيقي بين وزارة الاتصال وجهات أخرى في الدولة لم تستسغ خروج القانون دون عقوبات حبسية لردع الصحفيين، حسب أكثر من متتبع.
القانون الذي جاء تفعيلا للفصل 28 من دستور سنة 2011، نزع أيضا اختصاص إغلاق الجرائد وتشميع مقراتها وحجز مطبوعاتها من يد الإدارة ووزارة الداخلية تحديدا، ليجعل الأمر حقاً حصريا للقضاء، هكذا لم يعد بيد أي سلطة بالمغرب إغلاق أي صحيفة دون مقرر قضائي.
وقد عانت العديد من الجرائد من ممارسات عدة للتضييق عليها وإغلاقها، من مصادرة المطبوعات إلى تشميع المقرات وتفتيشها أو إغلاقها خلال السنوات الماضية، خاصة قبل 2011.
المشروع الجديد المكون من 30 صفحة و14 بابا يتضمن أكثر من 34 عقوبة ذات صبغة مالية غير أنه ألزم القضاء وهو يقرر في العقوبات بضرورة مراعاة التعاملات المالية للجريدة موضوع المقاضاة، وذلك بما لا يصل إلى حد إفلاسها أو التسبب في إيقافها.
وتعد هذه المرة الأولى التي يتضمن فيها قانون
الصحافة بالمغرب مقتضيات خاصة بتنظيم الصحافة الإلكترونية، حيث أصبح يسري عليها جل ما يسري على الصحافة الورقية مع بعض الاستثناءات، وخصص لها الباب السادس اثنتي عشرة مادة تتناول تنظيمها ودعمها ومختلف جوانب اشتغالها من المستوى المهني إلى مجال الاستضافة الافتراضي، مع تقديم تحفيزات للتوطين بالمغرب.
ومن بين أبرز المخالفات التي تستوجب العقوبات وفق مشروع القانون الجديد للصحافة بالمغرب السب والقذف، أو إشهار السجائر، أو نشر أخبار زائفة، أو الإساءة للدين الإسلامي، أو القذف في حق الملك أو أحد أفراد الأسرة الملكية، أو التحريض على المس بالوحدة الترابية، أو تحريض الجنود على العصيان أو التمرد أو الامتناع عن القيام بالواجب، أو التحريض على العنف أو الكراهية، أو التحريض على الإرهاب أو التمييز العنصري. كما أنها نصت على ذلك المادة 32 من الباب الخامس.
وفي تعليق أولي له حول مشروع القانون الجديد قال جواد الشفدي، عضو مكتب الفدرالية المغربية لناشري الصحف، في تصريح لـ "عربي21"، إن التوجه العام للقانون يهدف إلى إخراج مدونة حديثة وعصرية للصحافة والنشر تعبر عن روح دستور 2011، مسجلا تضمن القانون لأول مرة لمقتضيات تهم المهن المساعدة في مجال الصحافة والنشر، وهي المتعلقة بالطبع والتوزيع والإشهار، والتي قال إنها تعرف اختلالات على أكثر من مستوى وصعيد.
الفاعل الإعلامي ثمن في حديثه للموقع، المقاربة التشاركية التي اعتمدتها وزارة الاتصال في علاقتها بمختلف المتدخلين ذوي الصلة وهي تعد هذا القانون، غير أنه انتقد بشدة إغفال المشروع الجديد لجانب اعتبره جد مهم، وهو المتعلق بعدم حديثه عن حقوق الأجراء الآخرين المشتغلين داخل المقاولة الصحفية من إداريين وتجاريين، وكل من هم غير صحفيين.
حديث قانون الصحافة الجديد عن الصحفيين فقط، اعتبره الشفدي أمرا غير مقبول ويطرح إشكالات حقيقية على مستوى تدبير الموارد البشرية داخل الجريدة، خاصة على مستويات التكوين والوضعية الاجتماعية، متسائلا في هذا الصدد: كيف سيتم تدبير موضوع التكوين الذي ستطلق بخصوصه وزارة الاتصال طلبات عروض بقيمة ثلاثة ملايين درهم والتي تهم الصحفيين فقط؟
وعلى مستوى التوزيع سجل الشفدي ضرورة خضوع المطابع وشركات التوزيع المملوكة للجرائد لرقابة مكتب تتبع مبيعات وانتشار الصحف، وذلك بسبب ما سجلته فدرالية الناشرين بالمغرب من تلاعبات تتم على مستوى تصريح بعض الجرائد مبيعاتها الحقيقية واحتمال تلاعب أخرى بالورق على مستوى المطابع، حسب تأكيد الشفدي.
مشروع القانون الذي ينتظر أن تلاحظ عليه نقابة الصحفيين المغاربة وفدرالية ناشري الصحف ومختلف الهيئات المعنية، ينتظر أن يمر بالمجلس الحكومي ثم إلى البرلمان بغرفتيه لينشر بالجريدة الرسمية في غضون بضعة أشهر، كما أعلن ذلك وزير الاتصال الثلاثاء الماضي بالبرلمان. وقد أوجبت المادة 130 من هذا القانون على المعنيين به التكيف مع أحكامه خلال أجل 18 شهرا من موعد صدوره بالجريدة الرسمية.
يشار إلى أن مشروع قانون الصحافة والنشر الجديد يتضمن ثلاثة أقسام كبرى يشمل الأول الصحافة والنشر، ويشمل الثاني الطباعة والتوزيع والإشهار، فيما الثالث يتعلق بالعقوبات وحماية الحقوق الخاصة للمؤسسات والأفراد. كما أنه يذكر أن من بين أسباب تصنيف المغرب في مراتب غير متقدمة عالميا في ما يشمل حرية الصحافة كانت تتعلق في شق مهم منها بوجود قانون متجاوز، ما يعني
أن اعتماد القانون الجديد سيجعل المغرب يتقدم على هذا المستوى.