كتاب عربي 21

إنهم يمنحنون نتنياهو رخصة القتل

1300x600
بكل وقاحة وصلف؛ خرج نتنياهو ليحمّل حماس مسؤولية الضحايا الذين سيسقطون في قطاع غزة جراء العملية البرية التي أعلنها مساء الخميس، وبالطبع لأنها رفضت المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار.

والحال أن موقف نتنياهو لم يكن مفاجئا بحال من الأحوال، فقد استند إلى سيل من التصريحات المشابهة التي أطلقها سياسيون مصريون؛ من وزير الخارجية إلى آخرين، ومن ورائهم جحافل من الإعلاميين الذين شنوا هجوما بشعا على حركة حماس، وحمَّلوها مسؤولية الدماء التي ستراق في قطاع غزة بسبب العدوان البري.

لكنه استند قبل ذلك (أعني نتنياهو)، وهنا المفارقة الأسوأ إلى سيل من تصريحات تكرر ذات المضمون رددها عدد من قادة السلطة؛ من الرئيس إلى آخرين، ومن بينهم ناطقون باسم حركة فتح، وجميعهم اعتبروا أن حماس تغامر بدماء الشعب الفلسطيني من أجل مشاريعها السياسية.

ليس من العسير القول في ضوء ذلك إن هؤلاء جميعا شركاء في سفك الدم الفلسطيني، لاسيما أنهم يعلمون تماما أن جميع قوى المقاومة رفضت المبادرة المصرية، وليس حماس وحدها (الجبهة الشعبية سبقت الجميع في الرفض)، ما يعني إجماعا، اللهم إلا إذا اعتبرنا موقف حركة فتح (المختطفة) يساوي مواقف تلك القوى جميعا.

لقد كان هدف المبادرة المصرية؛ أولا من حيث الإخراج، وثانيا من حيث المضمون، هو إذلال حماس ودفعها إلى الاستسلام، ومعها برنامج المقاومة برمته، ولا يعرف إن كان هدفهم في الأصل هو دفع حماس إلى رفض المبادرة لكي يبرروا العملية البرية على أمل أن تفضي إلى تحقيق ما عجز الاحتلال عن تحقيقه من خلال الضربات الجوية، لاسيما بعد عجزه عن ضرب منصات الصورايخ أو اغتيال أي من قادة المقاومة.

وحتى لو أدركت حماس هذا البعد، فما كان لها أن تقبل المبادرة بما ينطوي عليه ذلك من فرض للاستسلام على كل الشعب الفلسطيني، فضلا عما سيتبع ذلك من تفكيك لقدراتها العسكرية التي راكمتها طوال سنوات من الكد والجهد، وكل ذلك من أجل حشر القضية في إطار من التفاوض العبثي الذي يكرس بدوره صيغة سلطة في خدمة الاحتلال تسمى دولة.

ما كان لحماس أن تقبل بذلك كله، حتى لو أدركت أن ثمن المواجهة البرية سيكون كبيرا، وحتى وهي تدرك أن وضعها العام ليس جيدا من جهة الحصار الذي تتعرض له من كل الجهات، بخاصة من مصر. ثم إن الأمر لم يكن يتعلق بها وحدها، فالمبادرة لم تَعِد الفلسطينيين بشيء ذي قيمة، بما في ذلك فتح معبر رفح الذي يشكل شريان الحياة الوحيد للغزيين، فكيف لها أن تقبل بذلك بعد كل تلك التضحيات وكل ذلك الدمار؟!

نكتب الآن بعد أكثر من 12 ساعة على بدء الاجتياح البري، ومحاولات التوغل من بعض المناطق، ونكتب بعد صمود كبير من قبل المقاومين، وقتل أول جندي صهيوني، وجرح آخرين في المواجهات.

لا خلاف على أننا إزاء مواجهة غير متكافئة بأي حال؛ بين قوة صغيرة محاصرة من كل الاتجاهات، وبين أكبر قوة عسكرية وتكنولوجية واستخبارية في الشرق الأوسط، لكن إرادة الإيمان حاضرة هنا بقوة، وهي التي ستتمكن من جبر ميزان القوى، وتكبيد العدو خسائر كبيرة تدفعه إلى التراجع، وهي عموما (أعني حماس وقوى المقاومة) تقبل بأي خيار غير خيار الاستسلام، وهذا هو المهم بالنسبة إليها، فكيف وخيار العدو يبدو عدميا، سواء تدحرج نحو احتلال القطاع بالكامل، أم اكتفى بعملية برية محدودة كتلك التي نفذها عام 2009؟!

الرجال الأبطال في غزة سيواجهون عدوهم بإرادة وعزيمة، كما كان عهدهم دائما، وسيسجلون أروع البطولات، وهم سينتصرون بإذن الله مهما كان الثمن، لكن العار سيكون من نصيب من بوسعهم إيقاف العدوان ولا يفعلون ذلك، إن كانوا من الزعماء العرب، أم من قادة السلطة الذين يحولون دون انفجار الجماهير في الضفة، والذي سيكون كفيلا بلجم نتنياهو، مع ضرورة الإشارة إلى أن حراكا كبيرا أيضا من الأهل في الأراضي الحتلة عام 48 سيساهم بدوره في لجم العدوان.

هي حرب أخرى تُشَن على هذا الشعب لفرض الاستسلام عليه، لكنه سينتصر كما انتصر من قبل، وسيظل يقاوم بسواعد أبطاله، في ذات الوقت الذي سيتمكن يوما من لفظ المهزومين والمتآمرين الذي يشدونه إلى الوراء، ويسخّفون بطولاته، وأجمل مراحل نضاله.