كتب رياض حجاب: لم تعد حساسية المرحلة الراهنة من الثورة السورية خافيةً على أحد، خاصة على أبناء شعبنا من السوريين في كل مكان. ورغم كل ما يمكننا قوله وما نقوله عن التقصير الخارجي في القيام بالمسؤوليات الأخلاقية والسياسية للنظام الدولي تجاه ثورة
سوريا وشعبها، إلا أننا نعرف جميعاً أن المسؤولية الأولى والأخيرة ملقاة على عاتقنا نحن في
الائتلاف الوطني قبل أي جهة أخرى.
هناك مفارقة يجب أن نتصارح بشأنها كسوريين بشكلٍ عام، وكأعضاء ائتلاف تحديداً، فرغم أن ثورتنا مستمرة، ورغم أن أهلنا مستمرون في تقديم التضحيات، ورغم أن النظام وداعميه يعرفون قبل غيرهم أن الوضع في سوريا لن يعود كما كان بأي حال من الأحوال، إلا أن هؤلاء تمكنوا في الأشهر القليلة الماضية، من وسم الثورة بصورةٍ تتناقض مع الحقائق السابقة. والمؤكد أن هذا حصل في المقام الأول بسبب تقصير الائتلاف وسوء أدائه وعدم قدرته على الاحتفاظ بالمبادرة.
فقد أفشل النظام مسار الحل السياسي في جنيف، وشهدَ العالم كله بذلك إلى درجة دفعت دبلوماسياً مخضرما مثل الأخضر الإبراهيمي إلى الاستقالة. وقد قدمها بعد إعلان الأسد عزمه على ترشيح نفسه للرئاسة كإشارةٍ على أن النظام هو الذي أفشل مسيرة الحل السياسي. وفي حين كان يجب أن تكون لحظة ما بعد جنيف لحظة استثمارٍ تقلب الطاولة على النظام أمام عالمٍ كان يدفعنا بأسره إلى جنيف على أساس أنها اختبارٌ أخير له، لم يحصل هذا للأسف، وغرق الائتلاف في الجمود السياسي، وفي المماحكات الداخلية. فاستثمر النظام هذا الوضع وبدأ يعمل بشكلٍ كثيف على تشكيل انطباع كاذب ومزيف بأن الثورة وصلت إلى طريق مسدود.
لقد بات واضحا مرة أخرى أن أحدا في هذا العالم لايمكن له أن يساعدنا كسوريين على تحقيق أهداف الثورة إذا لم نساعد نحن أنفسنا. والواقع العملي السياسي والعسكري يؤكدان بأن أي تطور حقيقي وفعال في مسيرة الثورة يعتمد على عملية إصلاح شاملة وداخلية لكل الجهات والهيئات العاملة في صف المعارضة السورية السياسية والعسكرية، وفي مقدمتها الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية. على أن يكون محور الإصلاح اعتماد المنهج التوافقي البعيد عن الاستقطاب، والأخذ بآلية التشاركية على جميع المستويات وفي جميع المراحل، من وضع الرؤية إلى إصدار القرار وانتهاءً بتنفيذه. وعلى ألا يكون هدف التوافق مرحلياً وانتخابياً، بل حقيقياً ويهدف إلى تحقيق الشراكة الكاملة.
وإذا كان الإصلاح مطلوباً دائما إلا أنه ضرورة قصوى في هذه المرحلة بسبب التطورات الداخلية والإقليمية. والوضع الميداني في كثير من المناطق يحتاج إلى دراسة ومراجعة لأساليب التعامل معه. لاشك مثلاً أن (ميثاق الشرف الثوري) المعلن أخيرا يعتبر خطوة هامة على طريق جمع الرؤى والصفوف يمكن بناء الكثير عليه. وبالمقابل، يأتي تمدد (داعش) الخطير ليصبح عنصرا يجب التعامل معه بشكلٍ مدروس جدا. أما إقليميا فإن ضعف الرؤية السياسية للائتلاف تمنعه من أن يُعتبر لاعبا رئيسا ومؤثرا في الحراك المتزايد الذي يحصل في المنطقة..
ومع أن عملية الإصلاح لا يجب أن ترتبط بأي عنصرٍ آخر، إلا أن من الممكن النظر إلى الانتخابات التي جرت في الائتلاف الوطني على أنها فرصةٌ مناسبةٌ لبدء عملية إصلاح جذرية، نعتقد أنها الفرصة الأخيرة ليتمكن الائتلاف من القيام بدوره الأساس في موقع القيادة السياسية للثورة. وإذا لم يحصل هذا، فإن هذا الجسد السياسي سيفقد في نظر السوريين والعالم الغرض من وجوده، وسيصبح من طبيعة الأمور البحث عمن يمكن له أن يؤدي هذا الدور.
ومع الاحترام للجميع فإن ما يجب أن يكون مهماً ليس سؤال: من يجلس في مقاعد قيادة الائتلاف في الفترة القادمة؟ وإنما المهم هو الإجماع على حتمية الإصلاح أولاً، ثم على ملامحه وعناصره بعد ذلك. ثم القيام بعملية حشدٍ لتأييده داخل الائتلاف وخارجه، بحيث تتبناها قيادة الائتلاف الجديدة كبرنامج عمل في المرحلة القادمة. ونحن على ثقة أن غالبية الأعضاء يؤيدون عملية الإصلاح، وأن السوريين جميعا ينتظرونها، وسيكون الائتلاف وأعضاؤه عند حسن ظنهم إذا تم إنجاز هذه المهمة الحساسة في مرحلةٍ لم يعد يمكن فيها أبداً الاستمرار بطريقة العمل السابقة.
ويمكن في هذا المقام الإشارة إلى عناصر عملية الإصلاح الأساسية على الشكل التالي:
1. العمل بشكل عام على وحدة الصف داخل الائتلاف وإنهاء حالة الاستقطاب، والانتقال إلى استخدام آليات التوافق والمشاركة الحقيقية.
2. تحويل عمل الائتلاف إلى عمل مؤسسي حقيقي وفعال، يبدأ بتعديل النظام الداخلي بحيث تكون هناك قيادة جماعية فعلية له لا تستثني أحداً من مكوناته، ويكون دور رئيس الائتلاف وفريقه تنفيذ قرارات هذه القيادة الجماعية.
3. وضع لائحة مالية للعمل بشفافية مطلقة، ورسم ميزانية عمل مُحترفة. وإعلان كل تفاصيل الصرف بجميع أنواعه بشكل منتظم، سريع ودوري، لأعضاء الائتلاف وللشعب السوري بأسره.
4. التواصل الكثيف مع الداخل بشقيه المدني والعسكري، وإعادة تفعيل جميع قوى الثورة التي أسهمت في إشعالها واستمرارها منذ البداية، وبكل انتماءاتها وطيفها الواسع.
5. الدعوة إلى عقد مؤتمر وطني سوري جامع لا يستثني أحدا من أبناء الشعب السوري، مع الحرص على أن يكون تمثيل الداخل أكبر ما يمكن. وذلك لوضع إستراتيجية عمل وطنية واضحة ومُتفق عليها من قبل الجميع للمرحلة القادمة.
6. التواصل مع كل المكونات العسكرية وتوحيد الجهود والصفوف تحت قيادة وزارة الدفاع والأركان. (مع التركيز هنا على عملية إعادة هيكلة وتأهيل وتدريب وتسليح الجيش الحر ودمج الضباط المنشقين).
7. وضع وتنفيذ إستراتيجية إعلامية واضحة وفعالة تُخاطب الداخل السوري والوسط الإقليمي والعالمي لإعادة تصحيح صورة الثورة وإزالة التشويه الذي لحق بها وحشد الدعم لها عبر الرأي العام ومؤسسات المجتمع المدني الحقوقية والإنسانية.
8. تعزيز دور مؤسسات الائتلاف خاصة (الحكومة المؤقتة)، ودعمها بكل الطرق الممكنة للقيام بأدوارها، وتأكيد عملية التواصل المباشر والدائم معها. والتركيز من خلالها على مهمة إعادة بناء مؤسسات الدولة والحفاظ على هيكليتها، وتأكيد أولوية العمل في الداخل. إضافةً إلى تعزيز دور (وحدة تنسيق الدعم) وإزالة كل أنواع التضارب في الاختصاصات والمهمات بينها وبين أي جهة أخرى.
9. وضع خطة شاملة للتواصل مع الجاليات السورية وكل تجمعات السوريين في الخارج للعودة إلى الوضع الطبيعي الذي يتمثل في إشعارهم أنهم جزء أساس في عملية أخذ القرار ومساعدة الثورة على تحقيق أهدافها. ويأتي في مقدمة هذا التواصل مع كل النشطاء والخبرات والطاقات السورية لاستيعابها وتوفير فرص عملية أمامها لخدمة الثورة بشكل مؤسسي مُنتج.
10. وضع تصور لمنظومة علاقات خارجية متوازنة وفعالة تؤكد دور الائتلاف كطرف مؤثر بذاته في عملية رسم المعادلات الجارية في المنطقة، وبشكلٍ يمكن الأشقاء من الوصول إلى رؤية موحدة فيما يخص الثورة السورية حاليا وسوريا كدولة مستقبلا، مع إظهار كيف أن هذه الرؤية الموحدة هي التي ستحقق مصلحة سوريا وأشقائها جميعا حالياً وعلى المدى الاستراتيجي.
11. إنشاء صندوق وطني لدعم الثورة السورية وتمويلها ذاتياً.
إن الائتلاف يتحمل مسؤولية كبرى ملقاة على عاتقه، ومن المؤكد أن الوضع الداخلي والإقليمي لا يحتمل أي عودة للمنهج التقليدي في عمله. فإما أن يتم اغتنام هذه الفرصة ليُظهر القدرة على تحمل المسؤولية، أو يقبل بحكم الشعب والتاريخ على كل من سيرفض عملية الإصلاح.
إن الائتلاف الوطني يمتلك بكل تأكيد المصادر المادية اللازمة لتنفيذ مثل تلك العملية، وإن في الشعب السوري خبراء ومؤهلين في مختلف الاختصاصات من القادرين على بلورتها وتطويرها وتنفيذها، وبالتالي فإن كل مايلزم هو وجود الإرادة السياسية للقيام بها، وهذا يرفع درجة المسؤولية من ناحية، لكنه من ناحية أخرى يشكل دافعا لإنجاز هذه المهمة، وسيكون هذا بمثابة حد أدنى من الوفاء لما يقدمه شعبنا العظيم من تضحيات.
(بوابة الشرق القطرية)