ربما لم تكن المرة الأولى التي يتوجه فيها عم محمود إلى تاجر التموين ويعود بخيبة أمل بعد سماعه الإجابة التي تتكرر منذ شهر تقريباً بأن وزارة التموين
المصرية لم توفر السلع الغذائية المدعومة والتي يعتمد عليها ملايين الفقراء المصريين منذ عشرات السنين ولكنها تحولت إلى سراب خلال الشهر الماضي.
فمنذ بدء الكومة المصرية خططها في رفع الدعم سواء عن الطاقة أو عن السلع الغذائية المدعومة التي كانت تقدم بشكل شهري للفقراء والأسر الأشد احتياجاً وعوزواً، وبدأت المشاكل تحاصر الفقراء والبسطاء بمرور الوقت، فلم يعد الموضوع يتوقف على أسعار وتكلفة الانتقال التي ارتفعت بنسب لا تقل عن 100% في بعض المناطق، ولكن تسللت المشاكل والأزمات لتحاصر ملايين المصريين الذين يعتمدون على سلع الحكومة المدعومة بشكل ثابت منذ عشرات السنين.
وعم محمود الذي يتجاوز عمره الخمسين عاماً هو مزارع أجير لا يمتلك من الدنيا سوى صحته التي أنعم الله عليه بها وأولاده الستة الذين تتراوح أعمارهم بين الأربعة أعوام والخمسة عشر عاماً، وزوجته التي تعمل في بعض الأحيان كخادمة لدى بعض أثرياء قريته، ويعمل هو كمزارع بالأجرة التي لا تتجاوز 35 جنيهاً في اليوم تعادل 5 دولارات تقريباً.
يقيم عم محمود في منزل ريفي أكثر من متواضع، ويسدد فواتير المياه الكهرباء بالكاد، وقد تسببت الظروف الصعبة التي يمر بها في ألا يلتحق أولاده بالتعليم وينضموا إلى فريق المكافحين بمجرد أن يشتد عودهم ويستطيعون العمل.
كان عم محمود يعتمد بشكل كامل على السلع التي يحصل عليها شهرياً من بقال التموين مقابل 53 جنيهاً، وكانت الركيزة الأساسية في قوته وقوت زوجته وأولاده الستة طيلة شهر كامل، ولكن بمجرد أن اتجهت الحكومة إلى تعديل منظومة الدعم وتقليصه بشكل تدريجي بدأ يواجه أزمات صعبة في هذا القوت الذي لا يتجاوز السكر والأرز وزيت الطعام.
التقيته بداية الأسبوع الماضي أمام بقال التموين وبمجر سؤال صاحب المحل وعلمه بأن السلع لم يتقرر صرفها بعد بدت خيبة الأمل تظهر على ملامح وجهه البائس، وكأنه يريد أن يقول شيئاً، اقتربت منه وسألته: أراك تبدو حزيناً.. وبعفوية شديدة قال: "الحمد لله حتى الزيت والسكر والأرز اتقطع"..
الغريب أن عم محمود لم يقبل مني مليماً واحداً بعدما عرضت عليه المساعدة، مثله في ذلك مثل كثيرين كادت العزة والقناعة أن تقتلهم من
الفقر والجوع والمرض، وكان يراهن على أن يسمع خبراً مفرحاً وأن يعود لأولاده حاملاً السلع التي كان يحصل عليها كل شهر، ولكنه عاد الآن بخيبة أمل كبيرة.
هذا ليس حال عم محمود فقط، وكلنه حال ملايين المصريين الذين أصبحوا فريسة سهلة في يد التجار والمحتكرين ومصاصي دماء الفقراء، والحكومة التي تعالج أزمات وفساد أنظمة جثمت على صدور المصريين عشرات العقود على حساب هؤلاء الفقراء.