في محاولة لاستعراض تداعيات الحرب العدوانية على قطاع غزة، وإبرازٍ لبعض إنجازات نسبت للجيش المتقهقر، في الصحافة
الإسرائيلية، ذهب الكاتب الإسرائيلي ناحوم برنياع، إلى أنه رغم الأضرار التي أصابت الكيان الإسرائيلي في أعقاب العملية العسكرية في غزة، فقد تمتعت قوات الاحتلال بالحصول على مقادير ضخمة جدا من المعلومات الاستخبارية.
لكن الكاتب رغم الإنجاوات المزعومة لم يسهب إلا في تفصيلات ملامح الهزيمة، وهو بالذات لم يَغفل في مقاله المنشور الجمعة، في صحيفة "يديعوت أحرونوت" تحت عنوان "بين غزة والقاهرة"، عن ذِكْر ما أسفرت عنه الحرب من علاقة متوترة مع الإدارة الأمريكية التي سيدفع الكيان ثمنها.
وفي رسم مشهد ما يأمل الإسرائيليون في أن يكون السيناريو الأخير للحرب، يروي الكاتب أن "وفدا مشتركا من كبار قادة
السلطة الفلسطينية وكبار قادة
حماس وصل هذا الأسبوع إلى القاهرة، نصفه من رام الله ونصفه من قطر. وقدم الوفد مطالبه إلى جنرالات الاستخبارات المصرية".
ويقول إن "
قائمة المطالب كانت واحدة، لكنّ مصالح مختلفة قامت من ورائها: فحماس محتاجة إلى إنجاز يسوغ الثمن الذي دفعه المواطنون في غزة. وأرادت السلطة أن تثبت مكانتها بصفتها الممثلة الوحيدة للمصلحة الفلسطينية. وأراد
المصريون أن يبرهنوا (لبعض الأطراف) من هو رب البيت".
وفي الجانب الآخر من المشهد "أربعة إسرائيليين كبار -- هم رئيس شعبة التخطيط نمرود شيفر ومنسق العمليات في المناطق بولي مردخاي ورئيس الشاباك يورام كوهين ورئيس القسم السياسي الأمني في وزارة الدفاع عاموس جلعاد – كانوا يراقبون المحادثات متنحين جانبا. وتنقل بين المعسكرات مثل فراشة تطير من زهرة إلى زهرة، مبعوث الأمم المتحدة روبرت سيري"، على حد توصيف برنياع.
ويلفت إلى أن الغزيين لم يكونوا هناك، لا قرب الطاولة ولا في القلوب؛ فالمصريون يرفضون الحديث إلى رجال حماس. وهم يتحدثون فقط مع عزام الأحمد، رئيس الوفد، وهو من رجال فتح من الجيل الثاني.. ويتحدث الإسرائيليون إلى المصريين وإلى رجال السلطة، لكنهم ممنوعون من الحديث إلى ممثلي حماس".
ويسجل الكاتب إلى مجموعة من المفارقات التي لا تبشر بالوصول إلى اتفاق بين الأاطراف، مشيرا إلى "مباحثات محمومة تمت بالأمس في جهاز الأمن في محاولة لإعطاء المتباحثين في القاهرة أسبابا تقنع حماس بألا تجدد إطلاق النار اليوم في الساعة الثامنة صباحا"، مشيرا في الوقت نفسه إلى أنهم "يدركون في إسرائيل أيضا أن حماس يجب أن تحرز إنجازا على هيئة رفع محدود للحصار عن غزة. وقد كسبت حماس ذلك بفضل دماء الغزيين وبيوتهم".
وفي سياق متصل يستذكر الكاتب أن "تسيبي لفني اقترحت على
نتنياهو قبل أسبوعين أن يبادر فورا إلى إجراء دولي بعد إحراز الهدنة،بحيث يعتمد الإجراء على أربع أرجل عليها كلها الآن إجماع عالمي: الأولى المعارضة العامة لحماس حتى في دول المنطقة؛ والثانية نزع سلاح القطاع؛ والثالثة إعادة السلطة الفلسطينية لتحكم غزة؛ والرابعة تجديد التفاوض بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية".
أما نتنياهو فهو "يدرك مزايا الخطة، وهو يدرك أيضا عيوبها، فهي ستكلفه ثمنا سياسيا داخليا لأن اليمين في حزبه الذي لم يكد يسلم بنتائج العملية المحدودة سينقض عليه إذا بدأ باستمالة أبي مازن"، بحسب ما يرى.
وأشار في الوقت نفسه إلى أن "وزير الخارجية الأمريكي جون كيري يفرحه أن تُجدد مبادرته على أثر العملية. وقد زادته الإهانات التي نالها من إسرائيل والسلطة الفلسطينية ومصر حافزا فقط".
أضرار أخرى
وفي معرض سرده التداعيات السلبية للحرب، وما يمكن أن يطلق عليه مظاهر الهزيمة، يؤكد برنياع أن "إسرائيل دفعت أثمانا عن العملية، أولها الثمن من المقاتلين والمدنيين؛ والثاني من المال، إذ كلفت العملية الجيش الإسرائيلي بضعة مليارات وكلفت الجهاز الاقتصادي أكثر من ذلك؛ والثالث التوتر الداخلي، فقد جعلت الأحداث اليهود والعرب يواجه بعضهم بعضا، وفتحت جرحا لن يكون شفاؤه سريعا؛ والرابع من مكنونات النفوس، فقد استنفد المجتمع الإسرائيلي في هذين الشهرين الكثير من الخوف والكثير من الحب للجيش الإسرائيلي" على حد تعبيره.
ويضيف أنه "كان هناك ثمن متوقع من مكانة إسرائيل في أوروبا؛ فقد فعلت الصور الفظيعة من غزة فعلها وشعر اليهود في بعض الدول بكراهية الشارع على جلودهم، لكن الشيء الذي يجب أن يخيف بقدر لا يقل عن ذلك هو الجمود الذي نشأ في النظرة إلى إسرائيل". ويلفت إلى ما قاله وزير في دولة كبيرة: "انتهى أمركم في أوروبا وليس لكم أمل في أن تعيدوا بناء صورتكم".
ويقول: "يمكن أن نتناول ذلك بابتسامة". ويروي أنه "قال أحد الضباط بابتسامة مُرة. لن أسافر بعد الآن إلى بلجيكا، وحينما كفت شركات الطيران الأجنبية عن الطيران إلى مطار بن غوريون قال أحد الوزراء لرفاقه: هل أنتم قلقون؟ مهما يكن فإننا لن نستطيع بعد هذه العملية أن نسافر إلى خارج البلاد".
والخلاصة المُرّة، بحسب الكاتب، أن "إسرائيل أصبحت تُرى في واشنطن مثل ولد مدلل: ولد له أعداء حقيقيون لكن التدليل والغرور أضرا بتفكيره. وقد حان الوقت لتأديب الولد. إن الغضب على نتنياهو، لكن الثمن ستدفعه إسرائيل".