قتل نحو 3 آلاف شخص بينهم مدنيون وعسكريون في الحروب التي شهدتها
اليمن خلال النصف الأول من العام الجاري ،منذ اختتام مؤتمر الحوار الوطني في 25 من كانون الثاني /يناير الماضي ،بين المجموعات المسلحة وقوات الجيش اليمني في مناطق عدة من البلاد .
وبحسب تقرير استراتيجي ،صادر عن مركز أبعاد للدراسات والبحوث فإن اليمن "يشهد تراجعا ملفتا لخيارات السلام مقابل ازدياد واضح لمؤشرات العنف وبوتيرة غير مسبوقة".
وكشف التقرير عن معلومات أمنية بـ"وجود تحركات لإسقاط
الدولة من قبل بعض جماعات العنف من خلال سيناريوهات متعددة أهمها سيناريو
إسقاط العاصمة صنعاء مباشرة وفرض واقع بقوة السلاح، أو سيناريو انقلابي يستهدف الرئيس والحكومة المشرفين على العملية الانتقالية، أو سيناريو تمرد وإسقاط مدن ومحافظات ومعسكرات، أو سيناريو يعتمد على خروج شعبي من خلال استغلال السخط المتنامي بسبب تردي الأوضاع المعيشية والأداء الخدمي للدولة".
وأورد التقرير احتمالية انزلاق اليمن في حرب أهلية قد تؤدي إلى تمزق البلاد في حال إسقاط "جماعات العنف" للعاصمة صنعاء كصورة لما تبقى من الدولة، محذرا من أن" فرص إنقاذ اليمن أيضا قد ضاقت، وقد لا يكون هناك حل سوى باستخدام قوة الفصل السابع من خلال عملية عسكرية في إطار تحالف دولي ضد مواقع
القاعدة والحوثيين لمنع انهيارالبلد".
وأضح التقرير أن "محاولة الرئيس إشراك
الحوثيين في الحكومة قد تكون المحاولة الأخيرة لنزع فتيل الحرب، وتحقيق حلم الانتقال لدولة مدنية، لكن ذلك يحتاج ذلك جملة من الإجراءات لمنع استخدام المشاركة كعامل مساعد لكسب الوقت والسلطة في تحقيق السيطرة على الدولة من قبل الحوثيين الذين رشحهم التقرير لقيادة إسقاط الدولة ،وأكثر الجماعات استفادة من ذلك".
وقال التقرير "إن الحالة الانتقالية في البلاد مهددة بالفشل، بسبب فشل القائمين على الانتقال في اتخاذ إجراءات جدية تلبي مطالب التغيير وتكسب ثقة اليمنيين".
وأضاف مركز أبعاد في تقرير وصل "عربي 21" نسخة منه أن "فكر العنف بدأ يكسب أنصارا جددا وبالذات في أوساط الشباب، وأن الجماعات المسلحة تحقق توسعا على الأرض وتكسب نفوذا جديدا مع كل يوم تفشل فيه سلطات الانتقال في تحقيق مكاسب لصالح مشروع بناء الدولة".
وأوضح التقرير أن "هناك شعورا مخيفا يظهر اليمن وكأنها تتدحرج تدريجيا إلى حضن جماعات العنف، وما يعززه مخاوف كبيرة أيضا، من مؤشرات احتمالية سقوط وشيك للدولة اليمنية، في حال نجحت محاولات بعض الجماعات المسلحة في إسقاط العاصمة صنعاء من خلال سيناريوهات متعددة ومختلفة".
وكشف التقرير عن إحصائيات جديدة للضحايا نتيجة العمليات المسلحة التي نفذتها "جماعات العنف" ضد مؤسسات عسكرية ومدنية منذ اختتام مؤتمر الحوار الوطني في 25 كانون الثاني / يناير من هذا العام.
وقال التقرير إن" العمليات العسكرية للجيش ضد القاعدة أدت إلى مقتل ما يقارب من 300 عنصر من أعضاء التنظيم، فيما قتل في العمليات العسكرية وفي هجمات مسلحة للقاعدة ضد عسكريين ومدنيين ما يقارب 200 من العسكريين بينهم حوالي 15 ضابطا، وما يقارب من 30 مدنيا خلال تلك الفترة".
ولفت إلى أن "هجمات جماعة الحوثيين المسلحة على مدينة عمران ومعسكر اللواء ( 310) ونقاط عسكرية أخرى في صنعاء والجوف، أسفرت عن مقتل نحو 400 عسكريا بينهم ضباط وقيادات على رأسهم العميد حميد القشيبي قائد اللواء، وقتل أكثر من 250 مدنيا، وتشريد أكثر من 1000 آخرين ،مشيرا إلى أن" الحوثيين فقدوا أكثر من ألفي مسلح، قتلوا في حروبهم التي شنوها على مؤسسات عسكرية ومدنية منذ انتهاء مؤتمر الحوار الوطني قبل أكثر من نصف عام".
وذكر تقرير وحدة الاستراتيجيات التابعة لمركز أبعاد للدراسات أن "هناك عوامل ساهمت في وضع اليمن في حالة انتقال خطر وغير آمن، منها عدم إدراك القائمين على العملية الانتقالية لخطورة المرحلة، وارتكابهم أخطاء فادحة أهمها عدم الإسراع في إجراءات عملية لفرض تطبيق مخرجات الحوار الوطني، المسنود بدعم لا محدود محليا وإقليميا ودوليا".
وقال رئيس مركز أبعاد عبدالسلام محمد إن "الإحصائية التي خرج بها التقرير ،اعتمدت على عملية رصد يومي من قبل المركز أثناء الحرب التي شهدتها اليمن خلال الستة الأشهر الماضية".
وأضاف لــ"عربي 21" أن" التقرير قدم رؤية لتدارك الوضع الخطر التي تمر به اليمن ،وهي أن يسارع مجلس الأمن للإشراف على المصالحة الوطنية التي تبنتها مبادرة الرئيس هادي، والتي عرفت بـ"النقاط العشر"، التي احتوت على ميثاق شرف يتضمن نبذ الحروب وتسليم السلاح الثقيل للدولة، ووقف دعوات التحريض المذهبية والعرقية والمناطقية، محذرا من أنّ "هذه المبادرة التي تعتبر مخرجات الحوار الوطني ثابتا، قد تعد المحاولة الأخيرة لإنجاح الانتقال في اليمن".
ووفقا للتقرير فإن القرارات التي أصدرها مجلس الأمن الدولي كدعم للانتقال السياسي السلمي للسلطة في اليمن تحولت إلى قرارات "عديمة الجدوى في نظر اليمنيين كونها لم تلب مطالبهم في تحقيق التغيير والانتقال، وأبرزها القرار (2014) الصادر في 21 تشرين الثاني/ أكتوبر 2011، والقرار (2051) الصادر في 12 حزيران/ يونيو 2012، والقرار (2040) الصادر في26شباط/ فبراير 2013".
وانتقد التقرير عدم تفعيل القرار الأخير الذي تضمن عقوبات على معيقي الانتقال تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ضد جماعة الحوثيين المسلحة التي أسقطت محافظة ومعسكرا في حرب شنتها على مناطق عمران وصنعاء المحيطة بالعاصمة بعد الاتفاق على مخرجات الحوار الوطني الذي شاركت فيه بفاعلية بين 18آذار/ مارس 2013 و25 كانون الثاني /يناير 2014.
وأرجع محمد السبب وراء عدم تفعيل قرار العقوبات إلى رغبة هادي في عدم إغلاق الأبواب أمام الحوثيين ،وترك الفرصة لهم ،ليراجعوا حسابات التعامل بالقوة لكن بعد سقوط محافظة عمران التي تبعد (50)كم عن العاصمة صنعاء "لم يعد هناك متسع من الوقت لعملية التشجيع من قبل الرئيس لهم".
وأشار التقرير إلى أن "عدم الاستفادة من قرار العقوبات يعد أكبر اختراق لمخرجات الحوار الوطني، جعل اليمنيين يتخوفون من أن تكون العقوبات عبارة عن ورقة تستخدمها جهات محلية ودولية ضد نشطاء التغيير وأحزاب سياسية، دون الضغط بها على الجماعات المسلحة للاندماج في العمل السياسي وترك السلاح".
وأكد أن القائمين على العملية الانتقالية "يتحملون المسؤولية الكبرى أمام الوضع الخطر الذي وصلت إليه الحالة الانتقالية وهم كانوا قادرين ترتيب الأوراق وفق سيناريوهات الحالة المتوقعة، فإذا كان هناك عجز وضعف أو حتى عدم إدراك مسبق لخطورة الوضع، كان يمكن استدعاء ورقة مجلس الأمن والعقوبات الدولية، وإذا كان كل الذي يحصل هو نتيجة لإحداث توازن من خلال تقليم نفوذ كيانات اجتماعية وسياسية لتشجيع كيانات مسلحة للاندماج السياسي، فكان يفترض البدء بإجراءات فرض الدولة، وتدشين سحب السلاح من الجماعات المسلحة التي تمتلك أسلحة ثقيلة، ثم من بقية الكيانات الاجتماعية والسياسية التي تمتلك سلاحا متوسطا وخفيفا" بحسب التقرير.
وأضاف التقرير "أن النتيجة الظاهرة للأداء السيء للسلطة الانتقالية تبدو مخيفة ومعادلاتها مختلة، حيث أدى ذلك الأداء إلى توسع سيطرة الجماعات المسلحة وزيادة نفوذها وتسليحها، في حين زاد غياب الدولة وضعف أدائها، وظهرت الكيانات السياسية والاجتماعية مقصوصة الجناح عديمة التأثير".
وتطرق إلى تبادل الأدوار بين "جماعات العنف" لإضعاف الدولة، وهو العامل الثاني الذي أدى إلى وضع سلبي وخطر لحالة الانتقال في اليمن، من خلال توسع الميلشيات المذهبية المسلحة التي يمثلها الحوثيون في شمال البلاد، واستمرارها في فرض واقع بقوة السلاح من خلال ضم محافظة عمران وأجزاء كبيرة من محافظة صنعاء ومحيط العاصمة إلى جانب محافظة صعدة المسيطر عليها منذ ثلاث سنوات.
ورأى أن هذا التوسع كان بمثابة "الضربة الأخطر" للعملية الانتقالية، وقال التقرير "شجعت تلك الخطوة الخطيرة والجريئة جماعات عنف أخرى مرتبطة بتنظيم القاعدة وأنصار الشريعة التابعة لها للعودة ثانية للظهور في محاولات للسيطرة على مناطق في أبين وشبوة والبيضاء وحضرموت".
وقال التقرير "هناك معادلة واضحة للعنف في اليمن تتفاعل أطرافها مع بعضها كلما غابت الدولة، ويتكرر المشهد باستمرار، ففي حين سيطر الحوثيون على مدينة صعدة الشمالية بشكل كامل في 2011م، سيطرت القاعدة على محافظة أبين الجنوبية في ذات التاريخ، وهذا العام بعد إسقاط الحوثيين لمحافظة عمران ومعسكراتها، ازدادت عمليات عنف القاعدة في محاولة لإسقاط حضرموت النفطية شرق البلاد".
وأشار التقرير إلى أن "العامل الثالث الذي جعل من عملية الانتقال تمر بحالة خطر هو العامل الاقتصادي، فالوضع المعيشي السيء وارتفاع معدلات الفقر والبطالة وزيادة الأعباء الاقتصادية التي ضاعفتها الإجراءات الحكومية باتخاذ خطوة رفع الدعم عن المشتقات النفطية، دون القيام بأي إجراءات لتحسين البيئة الاقتصادية منها مكافحة الفساد وإحالة مسؤولين سابقين وحاليين متهمين بالفساد للمحاكم كل ذلك أفقد المواطن الثقة بالدولة، وبذلك سهل على جماعات العنف استقطاب وتجنيد الكثير من اليمنيين ، وهو ما يعد مؤشرا قلقا للحالة الأمنية في اليمن خلال الأيام القادمة".
ولم يغفل التقرير الدور الخارجي الذي وصفه بـ"المرتبك" وعده العامل الرابع الذي شجع "جماعات العنف" للتوسع، مضيفاً أن مجلس الأمن والدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية "لم تتحرك بإجراءات عملية وواقعية ضاغطة ضد القائمين على عملية الانتقال لمعاقبة الجماعات المسلحة، ما جعل المجتمع الدولي والدول الكبرى يتحولون إلى مراقبين اتجاه تصاعد العنف في اليمن، خاصة بعد حصول تطورات في سوريا ولبنان والعراق وليبيا ومصر وقطاع غزة".
وتوقع التقرير أن "حالة الانسحاب الخارجية النابعة من حالة ترقب وقلق من تشكل خارطة جديدة للمنطقة سينعكس على الوضع اليمني".
وكشف التقرير عن الدور الإيراني في اليمن،و أشار بوضوح إلى أن "حالة التراجع لإيران في المنطقة يدفعها للبحث عن نفوذ جديد من خلال اليمن كأخطر منطقة تشكل تهديدا للأمن الإقليمي والدولي، ولن تجد بديلا أفضل منها لإنشاء دويلة أو دولة في جنوب المملكة العربية السعودية تسيطر على مناطق نفطية في الصحراء الشرقية المجاورة لدول الخليج وعلى موانئ في السواحل الغربية مع التحكم بمضيق باب المندب أهم الممرات النفطية العالمية الواقع بين البحر الأحمر وخليج عدن".