لليوم الثالث على التوالي بعد انتهاء هدنة الـ 72 ساعة بين
إسرائيل والفصائل الفلسطينية، الجمعة الماضي، لم تعلن الفصائل الفلسطينية الكبيرة، عن قصف أيّ من المدن الإسرائيلية، ما يلفت الأنظار إلى "تكتيك مدروس تنفذه المقاومة"، كما قال مراقبون.
ولم تعلن
كتائب القسام الجناح المسلح لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، عن إطلاق أي صاروخ تجاه إسرائيل منذ انتهاء مدة التهدئة، بينما قصفت
سرايا القدس الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، في اليوم الأول فقط.
واقتصر إطلاق
الصواريخ على المستوطنات الإسرائيلية على فصائل فلسطينية أخرى.
ويرى ناجي البطة، أستاذ الشؤون الإسرائيلية في أكاديمية فلسطين للعلوم الأمنية، أن "إسرائيل وكتائب القسام تخوضان حاليًا مرحلة عض الأصابع، وتبادل الرسائل فيما بينهما".
وقال للأناضول: "كلا الطرفين ينتظر ويترقب الآخر بحذر شديد، ويريد أن يقدم أحدهما تنازلات على حساب الثاني".
وأضاف: "رسائل المقاومة الفلسطينية وصلت إلى إسرائيل منذ أن استطاعت قصف معظم المدن الإسرائيلية بصواريخها وتنفيذ عمليات ضد قواتها البرية، وليست بحاجة إلى رفع سقف تصعيدها العسكري في الوقت الحالي، بل ستبحث عن حلول سياسية".
وأشار البطة إلى أن إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، توجهان الأنظار الآن باهتمام إلى الرأي العام العالمي، الذي انقلب ميزانه في صفوف الشعوب لصالح الفلسطينيين، على حد تعبيره.
واستدرك: "نحن الآن أمام معركة الإعلام العالمي، كل منهما يريد أن يكسبها، وعلى وجه الخصوص إسرائيل التي بدأت تخسر التأييد في العديد من الدول الأوروبية والأمريكية".
ووصف البطة، المرحلة الراهنة بين إسرائيل والمقاومة، بأنها مرحلة "اللا حرب واللا سلم"، متوقعًا أن سقف التصعيد العسكري من الأخيرة سيبقى متدنيًا.
واستبعد البطة أن تلجأ المقاومة الفلسطينية إلى تنفيذ عمليات عسكرية داخل المدن الإسرائيلية، وأوضح أنها "ستسعى كما إسرائيل التي أظنها لن تقوى على أي تصعيد أقوى ضد
غزة، خلف الحل السياسي".
وصباح الجمعة الماضي توقفت المفاوضات غير المباشرة التي ترعاها مصر بين الوفدين الفلسطيني والإسرائيلي منذ نحو أسبوع، مع انتهاء هدنة الـ 72 ساعة التي نجحت القاهرة في التوصل إليها بين الجانبين.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الأحد إن "إسرائيل لن تتفاوض حول هدنة دائمة في غزة، في حال استمر إطلاق الصواريخ من قطاع غزة".
وأضاف نتنياهو في تصريح له في مستهل جلسة الحكومة الإسرائيلية الأسبوعية، ونقلته الإذاعة الإسرائيلية، أن "إسرائيل لن تتفاوض تحت النار وستواصل العمل بشتى الوسائل من أجل تغيير الواقع الحالي وجلب الهدوء لجميع مواطنيها".
ولم تنجح المفاوضات في التوصل إلى اتفاق نهائي، يضع حدا للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ولا حتى تمديد هدنة الـ72 ساعة؛ جرّاء خلافات بين الوفدين الفلسطيني والإسرائيلي حول مطالبهما.
وتضمنت مطالب الوفد الفلسطيني: "وقف إطلاق النار، وانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة إلى المواقع التي كانت فيها قبل الحرب (التي شنتها إسرائيل في الـ7 من الشهر الماضي)، وإعادة العمل بتفاهمات 2012 (التي أنهت حربا إسرائيلية)، وفك الحصار على قطاع غزة بكافة صوره، وإنشاء ميناء بحري ومطار بغزة".
وتضمنت مطالب الفلسطينيين، السماح للصيادين بالصيد في بحر غزة، وإزالة المنطقة العازلة بين غزة وإسرائيل، وإطلاق سراح الأسرى الذين أعيد اعتقالهم، وإطلاق سراح النواب المعتقلين، والدفعة الرابعة من الأسرى القدامى التي تراجعت إسرائيل عن الإفراج عنها، بالإضافة إلى تقديم ضمانات دولية بعدم تكرار العدوان الإسرائيلي، والتزام تل أبيب بما يتم الاتفاق عليه.
وفي المقابل، تطرح إسرائيل مطلب نزع سلاح الفصائل الفلسطينية، وهو ما ترفضه الأخيرة بشدة.
من جهته اعتبر سمير عوض، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بير زيت في الضفة الغربية، أن المقاومة الفلسطينية "تسعى من وراء وقف إطلاق الصواريخ إلى إعطاء مهلة أطول للمفاوضات في القاهرة".
وقال عوض: "يبدو قرار المقاومة حكيما، يترقب ماذا بقي في جعبة إسرائيل، لتبني على أساسها ردة الفعل".
وأضاف: "تريد المقاومة في هذه المرحلة إعادة ترتيب أوراقها بعد القصف الإسرائيلي المتواصل والدمار الذي لحق بالقطاع وآلاف القتلى والجرحى. هي ترغب في إعطاء فرصة للمفاوضات للبحث عن حل جذري لهذه الأزمة".
ولا يتوقع عوض أن تزيد المقاومة الفلسطينية أعداد صورايخها تجاه إسرائيل، قائلا إنه "لم يعد هذا الأمر خارقًا للعادة، فضرباتها وصلت جميع المدن الإسرائيلية، قد تكون المفاجآت في أمور أخرى".
ويتفق مشير عامر، المحلل السياسي الفلسطيني، مع سابقه، بأن عدم إطلاق الصواريخ نابع من رغبة المقاومة في إعطاء فرصة للوفد المفاوض من أجل الوصول إلى نتيجة جيدة.
وقال لمراسلة الأناضول إن "رسالة المقاومة واضحة بأنها غير معنية بالتصعيد بقدر بحثها عن الهدنة وإحقاق الحقوق ورفع الحصار وتحقيق مطالب الشعب الإنسانية".
وأضاف عامر: "عدم إطلاق الصواريخ لا يشير إلى ضعف المقاومة واستنزافها، إنما هو نوع من التكتيك والمناورة السياسية".
وأردف: "المقاومة تريد أن تقول بأنها هي من تتحكم في الموقف على الأرض، وكثافة النيران ووقت إطلاقها".
"وإن لم يحصل حلحلة في الوضع السياسي والمفاوضات، فإن المقاومة سترفع من وتيرة ضرباتها، ضد إسرائيل التي تفضل الحروب الخاطفة"، وفق عامر.
وتشن إسرائيل على غزة، منذ السابع من تموز/ يوليو الماضي، حربا بدعوى العمل على وقف إطلاق الصواريخ من غزة على بلدات ومدن إسرائيلية، أسفرت عن استشهاد نحو 1918 فلسطينياً وإصابة نحو 10 آلاف آخرين بجراح حتى اليوم الأحد، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية، إضافة إلى دمار مادي واسع في القطاع الذي يقطنه أكثر من 1.8 مليون فلسطيني.