كتاب عربي 21

ولادة جيل جديد للقاعدة: ذكرى سبتمبر

1300x600
مع حلول الذكرى الـ13 لهجمات تنظيم القاعدة على نيويورك وواشنطن في 11سبتمبر 2001، يبرز ذات السؤال المحير، هل أصبح العالم أكثر أمنا واستقرارا؟.

 أما الإجابة فتبدو أكثر تعقيدا، وتختلف وتصبح أشد التباسا، فالولايات المتحدة الأمريكية تؤكد على أن الأمر كذلك، منذ أن دشنت سياسات "الحرب على الإرهاب"، للقضاء على تنظيم القاعدة والحركات الجهادية المساندة العابرة للحدود، وملاحقته في أفغانستان نهاية 2001، وإسقاط نظام طالبان، واحتلال العراق 2003، وتدمير نظام بعث صدام حسين، تحت ذريعة "الحرب على الإرهاب"، وحرمان الإرهابيين المفترضين من ملاذات آمنة.

وقد تبدو سردية النصر الأمريكي على تنظيم القاعدة المركزي للوهلة الأولى وجيهة ومعقولة، فقد نجحت في منع كارثة أيلول/ سبتمبر على الأراضي الأمريكية، واستطاعت تفكيك منظمة القاعدة المركزية في باكستان وأفغانستان بصورة كبيرة، وتمكنت من قتل زعيم القاعدة أسامة بن لادن، ومعظم القيادات الهامة أمثال: وأبو اليزيد المصري، وأبو حفص المصري، وأبو الليث الليبي، وأبو يحيى الليبي، وعطية عبد الرحمن، كما تمكنت من اصطياد قيادات كبيرة للفروع الإقليمية، أمثال: أبو مصعب الزرقاوي زعيم الفرع العراقي،، وسفيان الشهري نائب زعيم جزيرة العرب، والمنظر اليمني أنور العولقي، ومختار أبو الزبير زعيم الفرع الصومالي حركة الشباب المجاهدين، وغيرهم، كما تمكنت من اعتقال قيادات عديدة أمثال: خالد شيخ محمد، ورمزي بن شيبة، وأبو زبيدة، وأبو الفرج الليبي، وسليمان أبو غيث، وأبو أنس الليبي، وغيرهم.

  ولكن المعضلة الكبرى أن سياسات الحرب على الإرهاب ساهمت بولادة جيل قاعدي جديد أشد خطورة، وأكثر انتشارا، إذ اقتصرت سياسات الحرب على الإرهاب على الجانب الأمني العسكري الصلب، وغابت سياسات الأمن الناعم، وتفاقمت النزعة السلطوية، الأمر الذي أدى إلى موجة الانتفاضات العربية بداية 2011، إلا أن النتائج الكارثية للتعامل مع الحركات الاحتجاجية المطالبة بالحرية والديمقراطية والعدالة، أدت إلى تعاظم الراديكالية، حيث باتت إيديولوجية القاعدة العنيفة أكثر جاذبية، وأصبح التنظيم قادر على بناء شبكات شعبوية محلية تحت مسمى "أنصار الشريعة" تمهد لبناء منظومة إقليمية متحدة تتبنى آلية سلمية محلية وتناهض الهيمنة الغربية، وتشكل خزانا لجلب أعضاء جدد لتنظيم لقاعدة وتولدت نزعة جديدة تقوم على المزاوجة بين قتال "العدو القريب" و"العدو البعيد" من خلال "دمج البعد القاعدي"  العالمي والمحلي.

وعقب مرور ثلاثة عشر عاما على أحداث أيلول/ سبتمبر، وأكثر من ثلاث أعوام على "الربيع العربي" باتت القاعدة أشد خطرا وأوسع انتشارا، بعد أن كان تنظيم القاعدة عموما والفرع العراقي خصوصا، يشهد تراجعا واضحا، ويعاني حالة من العزلة والضعف والضمور، ويفتقد إلى الجاذبية الأيديولوجية الضرورية للحشد والتعبئة والتجنيد، وبفتقد إلى الموارد البشرية والمالية اللازمة للصمود، ويفتقر إلى الحاضنة الاجتماعية الأساسية للازدهار والنمو، ولا يتوافر على عمق جغرافي استراتيجي لإسناد حروب الاستنزاف، إلا أن إصرار الأنظمة السلطوبة على قطع مسار الثورات السلمية بالعسكرة والانقلابات، وتعثر العملية السياسية الانتقالية، وإحياء الهويات الطائفية، عمل على تدشين ولادة جديدة لتنظيم القاعده وفروعه الإقليمية. 

وباتت القاعدة الآن لاعبا أساسيا في المنطقة، وأصبح للفرع العراقي دولة إسلامية في العراق والشام، وتغيرت الخرائط الجيوسياسية التقليدية، فحلم "دولة الخلافة" تحول إلى حقيقة واقعية، ولم تعد الدولة افتراضية، فقد أعلن في 29 حزيران/ يونيو 2014 عن قيام دولة "الخلافة"، وتنصيب أبو بكر البغدادي خليفة للمسلمين، بعد سيطرة التنظيم على مساحات شاسعة غرب العراق وشرق سوريا، استراتيجية القاعدة الجديدة أصبحت أشد وضوحا وأكثر خطورة عقب فشل عمليات التحول الديمقراطي، فقد أسفرت الثورات العربية عن انهيار بعض الأنظمة السلطوية وإضعاف أخرى معادية للسلفية الجهادية والقاعدة، وساهم غياب بن لادن بتفكك القيادة المركزية والتخطيط العملياتي المعولم وبروز نهج جديد للقاعدة يناهض الغرب والولايات المتحدة بطرائق عديدة، إذ أعادت تمركزها في المنطقة العربية وطوّرت استراتيجية تعتمد على دمج البعدين العالمي والمحلي.

وفي الذكرى 13 لهجمات سبتمبر تبحث الولايات المتحدة عن استراتيجية جديدة للتصدي لتنظيم القاعدة، بعد أن فقدت جزءا كبيرا من نفوذها في المنطقة بخروجها من العراق 2011، واقتراب موعد انسحابها من أفغانستان نهاية العام الحالي، وبسبب سقوط أنظمة سلطوية موالية، وشيوع حالة من عدم الاستقرار عقب الثورات العربية، كما أن أزماتها الاقتصادية لم تعد تسمح لها بالتدخل العسكري البري المباشر، وباتت تعتمد في حربها المعلنة على "الإرهاب" بشكل أساسي على استحدام طائرات بدون طيار، وهي وسيلة تثير إشكالات قانونية وأخلاقية حققت نجاحات آنية من خلال اصطياد رؤوس قيادات هامة إلا أنها أثبتت فشلها بالقضاء على التنظيم.

وكشفت التطورات الأخيرة في العالم العربي عن طبيعة اندماج الأبعاد القاعدية وتمددها، فالفروع الإقليمية التي تطورت تاريخيا من حركات جهادية محلية أصبحت أكثر تحررا من اشتراطات المركزية واللامركزية، وظهرت شبكات وجماعات جديدة تشارك القاعدة في انتمائها الإيديولوجي السلفي الجهادي وأهدافها البعيدة بإقامة الخلافة الإسلامية، ورفع الهيمنة الغربية ومواجهة إسرائيل.  

ففي العراق تنامت قدرات تنظيم القاعدة بعد عسكرة الثورة السورية، وأسفرت عن ولادة تنظيم "الدولة الإسلامية" عقب تمرد الفرع العراقي للقاعدة على القيادة المركزية للتنظيم بزعامة الظواهري، وقد جاء إعلان أبو بكر البغدادي أمير "الدولة الإسلامية في العراق" في التاسع نيسان/ إبريل 2013 عن ضم "جبهة النصرة" في سوريا إلى دولته لتصبح "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، تتويجا حتميا  للخلافات التاريخية بين الفرع والمركز والتي تم احتوائها إبان زعامة بن لادن، وتسيطر  اليوم على مساحات شاسعة غرب العراق وخصوصا محافظة الأنبار وشرق سوريا خصوصا محافظة الرقة التي أصبحت عاصمة دولة البغدادي، ويبلغ عدد أعضاء التنظيم حوالي 50 ألف مقاتل، وهو يستقطب النسبة الأكبر من المقاتلين الأجانب، ويتوافر على موارد مالية كبيرة.

وفي سوريا أسفرت عملية عسكرة الثورة السورية عن ولادة ثالثة لتنظيم القاعدة، منذ الإعلان رسميا عن تأسيس "جبهة النصرة لأهل الشام" في سوريا بتاريخ 24 كانون الثاني/ يناير2012، بزعامة أبو محمد الفاتح الجولاني، وهو تنظيم كان على صلات بتنظيم القاعدة المركزي وتم تشكيله بمساعدة "الفرع العراقي"،  وقد أعلن التظيم في نيسان/ إبريل 2013 ارتباطه بالتنظيم المركزي للقاعدة.

وخلاصة الأمر في الذكرى 13 لأحداث سبتمبر، أن الولايت المتحدة بدأت تبحث عن استراتيجية جديدة لمكافحة "الإرهاب"، فتنظيم القاعد بات أشد خطرا وأوسع انتشارا، وتطورت القاعدة وباتت تسيطر على مساحات واسعة في أماكن عديدة، وانشطرت القاعدة إلى نهجين خطرين، أحدهما يتمسك بأجندة القاعدة التقليدية بزعامة أيمن الظواهري، والتي تهدف منذ الإعلان عن تأسيس "الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين" عام 1998 إلى قتال الغرب عمومًا والولايات المتحدة خصوصًا باعتبارها حامية للأنظمة العربية الاستبدادية، وراعية لحليفتها الإستراتيجية إسرائيل من جهة، والسعي لتطبيق الشريعة الإسلامية وإقامة الخلافة من جهة أخرى، فمواجهة الغرب ورفع الهيمنة الخارجية، والتصدي للاستبداد وتمكين الشريعة داخليًا، هما ركنا القاعدة الأساسيان.
 
وأما النهج الآخر فيقوده الفرع العراقي المعروف بــ "الدولة الإسلامية ــ داعش" بزعامة أبوبكر البغدادي،  وأجندته ترتكز على أولوية مواجهة النفوذ والتوسع الإيراني في المنطقة ومحاربة "المشروع الصفوي" كما تصفه؛ فالأساس الهوياتي (السني ـــ الشيعي) أصبح المحرّك الرئيس لسلوك الفرع العراقي، بينما الأساس المصلحي الجيوسياسي بقي المحرّك الرئيس للقيادة المركزية للقاعدة، أما تمكين الشريعة فهو الهدف المشترك للطرفين.
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع