كتب
وحيد عبد المجيد: نخطئ إذا اعتقدنا أن الأزمة الليبية يمكن حلها عسكرياً. فعندما تكون الأزمة ضاربة فى أعماق المجتمع، يصعب بل يستحيل حسمها بالقوة المسلحة. وهذا هو حال الأزمة التي تفاقمت فى الأسابيع الأخيرة. فليست هذه أزمة بين قوى مدنية وأخرى تعبر عن الإسلام السياسي والسلفية الجهادية فقط. وما هذه وتلك إلا قشرة على سطح الأزمة.
فالقوى المدنية فى
ليبيا هامشية فى أفضل تقدير لها. وإذا كانت هذه القوى ضعيفة فى
مصر التي بدأت رحلتها المتعثرة إلى العصر الحديث منذ أكثر من قرنين، فما بالنا بحالها فى ليبيا التي لم تدخل هذا العصر بعد. ولذلك فنحن نتحدث عن قوى مدنية بشكل مجازي في مجتمع تقليدي مازالت القبائل والعشائر هي الفواعل الرئيسية فيه. كما أن القوى الإسلامية المعتدلة فيها والمتطرفة ليست إلا هامشاً آخر قد يكون أوسع نسبياً مقارنة بالقوى المدنية، ولكنه لا يُعد واسعاً فى ذاته.
ولذلك يدور الصراع الآن بين تحالفين كبيرين يضم كل منهما تيارات سياسية وعقائدية وأيديولوجية على سطحه، وقبائل وعشائر وعائلات ومناطق في أعماقه. فثمة تحالفان تتداخل في كل منهما الانتماءات السياسية والقبلية والجهوية (المناطقية). ويعتمد كل من هذين التحالفين على قوات ذات طابع ميليشياوي بالأساس، وإن كان أحدهما (المسمى مدنياً) يسعى لإضفاء طابع نظامي على قواته ليكمل الشكل اللازم لشرعية يؤكد أنه يملكها معتمداً على نتائج انتخابات يونيو الماضي، رغم أن المجلس المنتخب لم يستطع أن يعقد جلساته إلا في فندق في مدينة طبرق التي تسيطر عليها قوات تحالف “
كرامة ليبيا”.
ولكن واقع الحال أن التحالفين (كرامة ليبيا وفجر ليبيا) يتقاتلان بطريقة حرب العصابات التي تعتمد على الكر والفر، في ظل ميزان قوى متكافئ تقريباً. ويستند كل منهما إلى عدد من القبائل والعشائر والمناطق المتنازعة أو المتنافرة تاريخياً لأسباب لا علاقة لها بطبيعة الصراع الدائر الآن. فقد انضمت القوى التقليدية إلى هذا الفريق أو ذاك (المدني أو الإسلامي) في مواجهة بعضها البعض بالأساس، وليس تفضيلاً لما يطرحه كل منهما. فمادامت مصراتة مثلا مع القوى الإسلامية، لابد أن ينضم الاثنان إلى القوى المدنية، وهكذا.
وأزمة هذا طابعها تستعصي على الحل العسكرى. ولذلك ينبغي أن تقترب مصر منها سياسياً بمنهج يستهدف تفكيك حالة الاستقطاب التي تنذر بحرب أهلية. وهذا هو الدور الايجابي الذي ينتظر مصر في ليبيا.
(الأهرام)