تتصاعد وتيرة الدعوات في الولايات المتحدة الى تغيير السياسات الأمريكية تجاه
مصر، ووقف الدعم المتواصل للنظام الجديد الذي حل بفضل انقلاب عسكري أطاح بالرئيس المنتخب، وذلك حفاظاً على المصالح الأمريكية قبل غيرها وصوناً للقيم والمبادئ التي تزعم واشنطن أنها تروج لها في العالم، فيما يرى سياسيون مصريون أن الانتباه الأمريكي لضرورة وقف دعم الانقلاب يأتي متأخراً.
ورسمت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية صورة قاتمة للأوضاع في مصر، داعية إدارة الرئيس باراك أوباما الى الى التراجع عن سياساتها الخاطئة وتصحيح مسارها، فيما نشر موقع "ذي إنترسيبت" الأمريكي مقالاً للكاتب غلين غرينوالد دعا فيه الادارة الأمريكية الى وقف دعم الاستبداد في العالم العربي والتراجع عن التحالف معه، كما هو الحال اليوم في التعامل مع نظام الرئيس المصري عبد الفتاح
السيسي، وقبله نظام الرئيس محمد حسني مبارك.
ويقول الكثير من المحللين إن "نيويورك تايمز" تكتسب أهميتها من كونها تعبر عن الاتجاه العام للعديد من المسؤولين والمفكرين والخبراء الأمريكيين المساهمين في توجيه أو صنع القرار في البيت الأبيض.
العلاقة بين القاهرة وواشنطن
وأطلقت "نيويورك تايمز" دعوة صريحة مفادها أن على الإدارة الأمريكية عدم ربط المساعدات العسكرية بالإلتزام باتفاقية السلام مع إسرائيل، بل بالتزامها أيضاً بالمسار الديمقراطي الذي من شأنه أن يضمن باقي المسارات، ويعيد البلاد إلى هدوئها واستقرارها.
ويقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور طارق فهمي في حديث لـ"عربي21" إن "دعوة الصحيفة الأمريكية كانت واضحة لضرورة فصل المسارات في علاقة واشنطن بالقاهرة، وعدم ربط العلاقات بين البلدين بمستوى التعاون العسكري فقط، وإنما التزامها أيضاً بالقواعد والمعايير في عملية التحول السياسي والديمقراطي التي تتعامل بها المؤسسات الأمريكية".
ويرى البعض أن الصحيفة الأمريكية كشفت عدم مصداقية ما روجت له وسائل الإعلام المصرية بأن القاصي والداني في الولايات المتحدة احتفى بزيارة السيسي التاريخية الى نيويورك، وأن الساسة والمفكرين تهافتوا على لقائه.
وقال نشطاء على الانترنت إن السيسي ذهب الى الولايات المتحدة ليطفئ شعلة الحرية لا ليقتبس منها نوراً، ومن ثم رجع بخفي حنين، وعاد من حيث آتى.
انقلاب السيسي وقمع الحريات
ويتفق الدكتور سيف عبدالفتاح أستاذ العلوم السياسية مع ماجاء في متن مقال الصحيفة التي أرادت التأكيد على ثلاثة أمور أولها أن عبد الفتاح السيسي تولى السلطة عقب "انقلاب عسكري"، وأنه جاء عبر انتخابات غير نزيهة ولا تعبر عن إرادة المصريين.
ثانيها زيادة قمع الحريات وعودة مصر إلى طريق الاستبداد بسجن المعارضين السياسيين، وإسكات المنتقدين، وتشويه الإسلاميين السلميين.
ثالثها أن قادة جماعة الإخوان المسلمين التي تصفها الصحيفة الأمريكية بأنها "الحركة السياسية القائدة في أعقاب ثورة ينايير"، يعانون في السجن، "ويصنفون كإرهابيين دون وجه حق".
الضغوط الخارجية تنازلات لصالح الغير
وعادة ما يخضع النظام في مصر منذ عقود إلى الضغوط الخارجية بحسب الحالة السياسية التي تمر بها البلاد أو المنطقة ويستجيب لها كليا أو جزئيا بقدر طبيعة تلك الضغوط ومتطلباتها.
وفي هذا الصدد يرى حزب مصر القوية في تصريح لـ"عربي21" أن النظام في مصر "عادة ما يقدم التنازلات لصالح القوى الأجنبية عندما تضغط في اتجاه قضية لكنه لا يفعل ذلك لصالح الشعب"، على حد تعبير المتحدث باسم الحزب أحمد الإمام.
ويضيف الإمام: "رأي الصحيفة الأمريكية ليس ارتجالياً، إنما يعبر عن طبيعة مواقف حقيقية داخل مجالس صنع القرار في واشنطن وقد تدفع النظام لتبديل التنازلات الديمقراطية بتنازلات أكثر تتعلق بإمكانية استخدام إمكانيات الجيش المصري في مواجهة تنظيم داعش أو ما يعرف بالدولة الإسلامية، ويصبح التنازل القادم ليس له علاقة بالحريات مقابل غض الطرف عن ملف تصحيح المسار السياسي والديمقراطي".
على الجانب الآخر، وحيث يقف دائماً الآخرون غير مرحبين بأي دعوة أمريكية باعتبارها دائما تدخلا خارجياً اعتبر الموالون للنظام أن متن المقال مؤامرة تحاك ضد إردة شعوب المنطقة.
ويقول رئيس حزب التحالف الشعبي الدكتور عبدالغفار شكر لـ"عربي21" إن "دعوة الصحيفة الأمريكية تجسد النزعة الإمبريالية لدى واشنطن في السيطرة على الغير، وفرض الوصاية عليه، ولا يمكن ربط المساعدات العسكرية الأمريكية بغير اتفاقية السلام مع إسرائيل لإنها كانت ثمن قبلت به الولايات المتحدة نيابة عن إسرائيل لتوقيعها واستدامتها".
مصر ومحاولة رسم استقرار زائف
ويرى حزب مصر القوية أن لقاء الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالرئيس عبدالفتاح السيسي أكبر دليل على تجاوز الولايات المتحدة لملف الديمقراطيات والحريات، وأن الهدف هو إيجاد أنظمة مسيطرة في المنطقة ولكنها غير مستقرة.
وتنتهي صحيفة "نيويورك تايمز" الى اختصار الوضع في مصر بأن النظام في القاهرة فشل خلال زيارة السيسي للولايات المتحدة التي حشد لها بالمال والإعلام والدبلوماسية الخليجية في إقناع العالم الخارجي بأن ما حدث في مصر ثورة وليس انقلاباً وإنها تسير على طريق الحريات، والمصالحة الوطنية، وتعزيز الديمقراطية، لتوصي الصحيفة أخيراً الى "تدارك الوضع وعدم الانجرار خلف استقرار زائف يحاول النظام المصري رسمه على حوائط ملطخة بالرصاص والدم".
السيسي هو المفضل في واشنطن
وفي سياق الانتقاد ذاته للسياسات الأمريكية تجاه مصر، كتب غلين غرينوالد في موقع "ذي إنترسيبت الأمريكي" إن "الطبقة السياسية والإعلامية في الولايات المتحدة الأمريكية عادت إلى دعم الدكتاتورية العسكرية في مصر بشكل علني، وبحماسة لا تقل عن تلك التي دعمت بها نظام مبارك من قبل".
ويشير الكاتب في مقاله الى أن "الفريق عبد الفتاح السيسي، الذي قاد انقلاباً عسكرياً في العام الماضي ضد حكومة الإخوان المسلمين المنتخبة ديمقراطياً في مصر، بات الآن من الشخصيات المفضلة في واشنطن".
وينتهي الى القول: " منذ زمن بعيد والولايات المتحدة الأمريكية ملتزمة بدعم الطغيان في المنطقة".