بين مواقف إسرائيليّة متشددة، بأنها غير معنيّة بحل القضية
الفلسطينية، ومواقف فلسطينية مُصرّة على اتخاذ إجراءات مضادة وعلى رأسها الذهاب إلى مجلس الأمن للاعتراف بالدولة ضمن حدود عام 67، برغم إرسالها تطمينات متتالية، بأن خطواتها لا تعني معاداة
إسرائيل، ولا تُغني عن تكملة المفاوضات معها، تحاول الإدارة الأمريكية جهدها إلى إيجاد وسيلة مناسبة لتحييدها ولو لبعض الوقت على الأقل، درءا لأيّة أخطار تحصل بين الجانبين، واجتناباً للوصول إلى المساحة الخطِرة التي قد تضطرها إلى دفع أثمان أعلى على حسابها، أو إلى استخدام حق النقض (الفيتو) ضد تمرير المشروع الفلسطيني فيما لو تم طرحه داخل المجلس.
حيث سارع وزير خارجيتها "جون كيري" لاستئناف مساعيه من أجل إعادة المفاوضات إلى مسارها، من خلال إلقائه مبادرة سياسية – إنعاشية- عاجلة، قام بقراءتها على رئيس الحكومة الإسرائيلية "بنيامين نتانياهو" أثناء زيارته للولايات المتحدة أوائل الشهر الحالي، وأنبأه بضرورة أن يساعد في الموافقة عليها باعتبارها بديلاً عن الخطوة الفلسطينية باتجاه مجلس الأمن، وتجنّباً لإحراج واشنطن، التي هي بصدد حفاظها على التحالف العربي الذي تم تشكيله من أجل القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، سيما وأن "نتانياهو" يُعارض أن يكون الرئيس الفلسطيني "أبومازن" شريكاً، منذ إقدامه على خطوة المصالحة مع حركة حماس، باعتباره اختار الإرهاب بدلاً عن السلام.
كما نضح من لقائه بالرئيس "أبومازن" في القاهرة، بأنه لا يُعارض الخطّة الأمريكية، وإن ظل باقياً على إصراره بشأن خطوة مجلس الأمن، في حال لم تكن هناك مفاوضات جدّية وضمن المطالبات الفلسطينية.
صحيح، إن تحرك واشنطن جاء نتيجة القلق بشأن الخطوة الفلسطينية، وفي ظل الاهتمام المتنامي لدول الاتحاد الأوروبي بالاعتراف بالدولة، نظراً لقناعتها بأن إسرائيل هي التي تقوم بعرقلة التوصل إلى حل، لكنها لا تجد نفسها مضطرة بأي حال لأن تسمح بحدوث أزمة مصيرية مع إسرائيل، وعلى المتأملين في أن يكون التوجه الأمريكي باتجاه استئناف المفاوضات مقدمة لقرار أمريكي بعدم استخدام حق النقض، عليهم التوقف عن آمالهم، بسبب أن واشنطن لا يهمّها كثيراً ما تتحجج به من تجدد العنف أو بالإحراج أو بالحفاظ على التحالف الدولي، فقد كان لها أن احتوت وبمهارة عالية مشكلات اضطراب كبيرة من قبل، وأن الحرج الذي ستلاقيه نتيجة لجوئها إلى حق الفيتو لن يضرها كثيراً، ولو كان كذلك لما اتخذته في قضايا أقل أهميّة والتي توالت ضد إسرائيل منذ ولادتها، والتي زادت على 40 فيتو ضد قرارات تتعلق بالقضية الفلسطينيّة، كما أن الدول الواقعة في المنطقة تحت وطأة (داعش)، هي أكثر حرصاً منها على قوّة التحالف، كون التنظيم يهدد أنظمتها مباشرة، وأن الخشية من انتقال التنظيم إلى أوروبا والولايات المتحدة هو فقط لتعظيم المسألة وحسب.
"نتانياهو" قد يوافق على مبادرة "كيري" نهاية المطاف، على الرغم من عدم قبوله بها صراحةً، بسبب أنها لا تنطبق مع المفهومات الإسرائيلية، ولا على "أبومازن" الذي لا يسعى إلى السلام، وفي ضوء أنها لم تقرر صراحةً بتقييدٍ مطلقٍ للأيدي الإسرائيلية بشأن مواصلتها كافة أنشطتها وممارساتها المعتادة ضد الفلسطينيين، كما لا تتفي هذه الموافقة أن يظل على مواقفه الأولى والمتدرّجة إلى التشدد أكثر، كما لا تُبعد شبح إمكانية أن تقوم إسرائيل باتخاذ إجراءات أحاديّة، فيما إذا كانت هناك خطوات فلسطينية تعتبرها إسرائيل انفرادية.
والرئيس "أبومازن" أيضاً، ربما يوافق على الخطوة الأمريكية، ليس لأنه يرجّح مسألة إدارة الصراع على الحل- كما يقول الإسرائيليون-، وإنما لضغوطات أمريكية وغربية، وواردٌ أيضاً أن تكون هناك ضغوطات أخرى عربية أشد وأكثر صلابة من الآتية من واشنطن، وتأتي الضغوط الأمريكية على شكل إبراز قدرتها أمام الفلسطينيين، بتقليص الأصوات اللازمة في مجلس الأمن - أقل من تسعة أصوات- كما حدث في عام 2011، عندما فشل التوجه الفلسطيني لتمرير قرار مشابه بعد الحصول على 8 أصوات فقط، وسيكون باستطاعتها اللجوء إلى شطب أو تقليص دعمها المالي للسلطة الفلسطينية، وسحب المساهلة في تنفيذ خطط إعمار القطاع، وإظهار موافقتها على أيّة مشاريع إسرائيلية أحادية في المستقبل.
وإن كان الفلسطينيون لديهم من القناعات بأن إقدامهم لمجلس الأمن هو مجدٍ، باعتباره يحقق السلام، ويُمهّد الطريق أمام إسرائيل في إنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية، فإن الإسرائيليين لديهم أوراقاً يتحدّون بها الكل، داخل مجلس الأمن وخارجه، وأقلّها الفيتو الأمريكي، وحتى في حال تم تمرير المشروع، فهو لم يكن القرار الأول وتمتنع عن الالتزام به، فهناك قرارات سابقة، لم تلجأ إسرائيل إلى القبول ببعضها، إلاّ في حالات انتفت الحاجة الداعية إلى رفضها أولاً، وفي نفس الوقت لم تكن قضايا رئيسة ثانياً، كما حصل بشأن قرار مجلس الأمن 520، الداعي إلى انسحاب القوات الأجنبية من الأراضي اللبنانية، أو بشأن القرار 799، فيما يتعلق بعملية مرج الزهور، التي كانت إسرائيل، قد قامت بترحيل فلسطينيين، أثناء الانتفاضة الأولى أواخر عام 1992.
لا أحد يجهل بأن الخطوة الأمريكية هي إنعاشية تماماً، وحتى إلى أجلٍ غير مسمّى، كما لا أحد يمكنه نكران أن الخطوة الفلسطينية باتجاه مجلس الأمن هي مهمّة، كونها تضع كل من الولايات المتحدة وإسرائيل أمام اختبار نهائي، يضعهما في الزاوية الأصعب، ولكنها بالمقابل لا تضمن الفائدة التامّة للقضية الفلسطينية.