توطدت العلاقات التركية
الإيرانية بشكل كبير خلال السنوات الثمانية الأولى من حكم حزب العدالة والتنمية في أنقرة حتى بات الحلف التركي الإيراني أحد أقد أقوى التحالفات الإقليمية، إلا أن الحرب الحالية في
سوريا بين نظام الأسد المدعوم من طهران والمعارضة المدعومة من أنقرة جعلت العلاقات بين البلدين تشهد تذبذبا بين الحين والآخر بين التوتر والهدوء.
ورغم اللقاء الذي جمع قبل أسابيع كلاً من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الإيراني حسن روحاني في نيويورك، فقد عادت العلاقات الإيرانية التركية للتوتر بسب تصريحات متبادلة بين الطرفين وبسبب أزمة الشاحنات التركية الإيرانية على الحدود.
أزمة الشاحنات:
تفرض السلطات الإيرانية منذ سنوات ضريبة قيمتها 750 دولار أمريكي على كل شاحنة تركية تمر عبر أراضيها باتجاه دول أخرى، وبعد فشل المفاوضات المستمرة منذ سنوات بين الطرفين التركي والإيراني في إقناع طهران بتخفيض هذه الضريبة وإلغائها قامت
تركيا بفرض ضريبة مماثلة على الشاحنات الإيرانية العابرة من تركيا إلى دول أخرى، لترد إيران وترفع الضريبة إلى الضعف وتعود تركيا للرد بالمثل مرة أخرى وتضاعف الضريبة من جديدة، فتكون النتيجة كيلومترات من الشاحنات العالقة على كلا الطرفين.
والضريبة التي تتقاضها الحكومة الايرانية من الشاحنات التركية يُطلق عليها اسم "ضريبة فرق أسعار الوقود".
وقال رئيس المكتب التنفيذي لنقابة وكلاء النقل الدولي التركية "فاتح شينار" لصحيفة يني شفق التركية إن "إيران تتعامل حسب اتفاقية مبرمة منذ سنة 1994 وتتجاهل اتفاقية أخرى أبرمت في سنة 2001 تنص على أن تقتطع هذه الضريبة فقط من الشاحنات التركية التي تقوم بشراء الوقود من إيران أو من الشاحنات الإيرانية التي تشتري الوقود من تركيا".
وأشار إلى أن إيران فرضت هذه الضريبة على الشاحنات التركية في سنة 1994 لأنها تحصل على الوقود من إيران بأسعار رخيصة جداً مقارنة بالأسعار المتوفرة في تركيا، ولتمنعها من الاستفادة من الوقود الرخيص في إيران.
وأضاف شينار أن إيران عمدت إلى اقتطاع الضريبة رغم عدم شراء الشاحنات التركية للوقود من داخل إيران ورغم تنفيذ اتفاق جديد أبرم في سنة 2013 ينص على غلق خزانات الشاحنات التركية بالختم الرسمي الإيراني لضمان عدم حصولها على الوقود الإيراني، إلا أن إيران عادت لاقتطاع الضريبة من جديد مخالفة بذلك الاتفاقية المشتركة والمواثيق الدولية المنظمة لهذا القطاع.
وبرر وزير المواصلات والاتصال التركي لطفي إلوان موقف بلاده بالقول: "اتصلنا بطهران، وطلبنا منها العودة لاتفاق النقل البري المبرم، بين الجانبين عام 2013، لكن لم يكن ردها في هذا الصدد إيجابياً، ما دفعنا للرد بالمثل، لأن عدم القيام بهذه الخطوة سيؤثر على عدالة المنافسة بالنسبة للشركات التركية"، في حين قال مساعد وزير الطرقات والتخطيط الإيراني داوود كاشافرزيان أن بلاده تستخدم حقها في الرد بالمثل".
وحسب صحيفة حريات التركية، فقد دافع المسؤول الإيراني عن موقف بلاده قائلا: "رغم وجود اتفاقية مشتركة حول هذه الضريبة لازالت تركيا تشتكي من الفرق ما بين الضريبة المفروضة على الشاحنات الإيرانية المارة بالأراضي التركية وعلى الشاحنات التركية المارة بإيران"، مضيفاً: "في سنة 2013 أمضينا اتفاقا ينص على تخفيض الضريبة على أن يتم غلق خزانات وقود الشاحنات التركية بالختم الرسمي عند دخولها لإيران وكذلك بالنسبة للشاحنات الإيرانية التي تدخل تركيا، ولكن تبين لاحقاً أن الشاحنات التركية تدخل إلى العراق وتقوم بملئ خزاناتها من هناك بأسعار رخيصة ثم تعبر إلى إيران وبالتالي لم تعد هناك فائدة من الاتفاقية".
وأضاف مساعد الوزير الإيراني أن بلاده امتنعت عن إعادة رفع قيمة الضريبة مرة أخرى وقبلت ببقاء الضريبة الإيرانية الحالية المساوية للضريبة التركية حتى لا تتطور الأزمة أكثر وحتى لا تتأثر العلاقات بين البلدين بشكل سلبي، مؤكداً أن بلاده "تحتفظ بحق الرد".
التصريحات:
وبعيداً عن أزمة الشاحنات، التي يعتقد أنها ستبقى عالقة إلى حين صدور قرار عن قادة البلدين بالتصعيد أو التهدئة؛ فقد رفع كل من المسؤولين في ايران وتركيا من وتيرة خطاباتهم، حيث هاجم أردوغان بشكل غير مباشر تصريحات الزعيم الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي التي امتدح فيها رئيس النظام السوري بشار الأسد.
وهاجم مسؤولون في وزارتي الخارجية والدفاع الإيرانيتين الموقف التركي من سوريا مطلقين تحذيرات من مخاطر مضي تركيا في الخطة التي قدمتها والمتمثلة في إقامة منطقة عازلة على طول الحدود التركية السورية وفرض حظر للطيران في هذه المنطقة.
وفي مقال للمحلل التركي إبراهيم كاراغول وبعد الحديث عن التجاذبات التي تشهدها المنطقة، لخص الكاتب الموقف التركي الحالي وما يجب أن يؤول إليه، قائلا: "يجب على تركيا أن لا تحارب العرب (يقصد المعارضة السورية) لأجل إيران، كما لا يجب أن تحارب إيران لأجل العرب"، مشيرا إلى أن تركيا اليوم هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي ترفض الانخراط في أي حرب قائمة على أسس مذهبية أو عرقية، ويجب أن تبذل كل ما في وسعها حتى تبقى على هذا الموقف حتى لا تنفرط موازين المنطقة.