كتاب عربي 21

عفوا.. اعترافكم مرفوض

1300x600
السيدات والسادة اعضاء مجلس العموم البريطاني

السلام عليكم ورحمة الله

أثار قراركم غير الملزم بالاعتراف بدولة فلسطين، كثيرا من الشجون والذكريات المؤلمة فيما وصل اليه حالنا بعد أن قرر أسلافكم منذ مائة عام ان يتبنوا ويقودوا تأسيس كيان صهيونى عازل وعنصرى فى أرضنا العربية، في ارض فلسطين الحبيبة.

فلقد تذكرنا مؤتمر "كامبل" وزير الخارجية البريطانى وتوصياته عام 1907، واتفاقيات سايكس ـ بيكو 1916، ووعد بلفور واحتلالكم لفلسطين 1917، وصك الانتداب البريطانى 1922، واستجلابكم لنصف مليون يهودى الى فلسطين فى ربع قرن 1922 ـ 1947، واضطهادكم للشعب الفلسطينى ومطاردتكم للمقاومة وسجونكم ومشانقكم لأهالينا على امتداد سنوات الاحتلال، ثم مساهمتكم فى جريمة قرار التقسيم 1947، وتسليمكم فلسطين الى العصابات الصهيونية واعترافكم باسرائيل 1948، وقبولكم لعضويتها فى الامم المتحدة 1949، وتهديداتكم للدول العربية لحماية اسرائيل وأمنها وحدودها فى الاعلان الثلاثى البريطانى الامريكى الفرنسى 1950، وتحالفكم معها فى العدوان الثلاثى على مصر 1956، والمشاركة فى تسليحها وتمويلها فى مواجهة الشعوب العربية، وتوظيف حقوقكم الاستثنائية فى مجلس الامن لحمايتها من اى إدانة دولية.، ثم مباركة حكومتكم الموقرة لكل حروبها واعتداءاتها على شعوبنا وآخرها العدوان الاخير على غزة وتأكيدكم على حق اسرائيل فى الدفاع عن نفسها ضد مقاومتنا الوطنية التى تعتبرونها جماعات ارهابية.

تذكرنا كل ذلك وتساءلنا، عن الخلفيات والغايات والنوايا الكامنة وراء إصدار مثل هذا القرار الآن وهل هو قرار صديق للفلسطينيين والعرب وقضيتهم الفلسطينية؟ ام انه قرار خبيث مراوغ مناور يبطن غير ما يظهر ؟

وحتى لا نظلم المخلصين منكم أو نصد عن غير قصد أى نوايا طيبة قد تكون بينكم، فإننا سنفترض حسن النية ونناقش القرار على ظاهره، وسنبدأ بتوجيه الشكر اليكم للاهتمام بمشاكلنا وقضايانا، وسنحاول ان نستفيد من هذا الاهتمام المفاجئ لنوضح لكم حقيقة قضيتنا ولماذا يتوجب علينا أن نرفض قراركم الأخير بالاعتراف بدولة فلسطينية على حدود 1967، فربما ننجح فى كسب دعم الشرفاء والمخلصين منكم لقضايانا الحقيقية وليست المزيفة.

اولا ـ ان فلسطين التى نعنيها، هى كل الأرض الواقعة بين نهر الاردن و البحر الابيض المتوسط ، بحدودها الدولية مع الاردن وسوريا ولبنان ومصر فى عهد الانتداب البريطانى 1922، هى فلسطين التاريخية ابنة الأمة العربية الواحدة. انها الأرض التى عشنا عليها ولم نغادرها أبدا على امتداد اكثر من 1400 عاما، وقاتلنا دفاعا عنها فانتصرنا ونجحنا فى حمايتها والحفاظ عليها، فاختصصنا بها كفلسطينيين وعرب دونا عن باقى شعوب الارض كما اختص الانجليز بانجلترا والفرنسيون بفرنسا والصينيون بالصين وهكذا. فأصبحت وطنا لنا وحدنا، مثلما اوطان الشعوب الأخرى هى لهم وحدهم، لا حق لنا ولا لغيرنا فيها. وعليه فانه لا يحق لنا حتى لو أردنا أن نفرط فى شبر واحد منها لأنها ملكية مشتركة بين كل الأجيال الراحلة والحالية والقادمة.

انها سنن الله وسنن التاريخ التى تنظم طريقة تشكل الاوطان والأمم وتطورها على مر الزمان وعلى امتداد الكرة الارضية، لم يشذ عنها احد أبدا، سواء فى بلادنا او فى بلاد غيرنا.
ولقد كان البداية الحقيقية لتعريب فلسطين مع الفتح الاسلامى فى القرن السابع الميلادى، أما إختبار الملكية والاختصاص العربى بها، فلم يحسم الا مع الحروب الصليبية 1096 ـ 1291، بعد نجاحنا فى القضاء على العدوان وتحرير أوطاننا من آخر امارة صليبية. حينئذ فقط اعترف أوروبا وكل العالم بما فيها الدول المعتدية بعروبة هذه الارض وباعتبارها جزء لا يتجزأ من الأمتين العربية والإسلامية.

ولو كنا لا قدر الله، قد هزُمنا وعجزنا عن تحرير الارض من الاستعمار الاوروبى فى ذلك الوقت، لكانت المنطقة اليوم لا تزال جزءا من المستعمرات الاوروبية أو امتدادا لها أو متحدثة بلغاتها على غرار ما حدث في الأمريكيتين الشمالية والجنوبية.

ولكننا انتصرنا والحمد لله، فاعترف بنا العالم منذ ذلك الحين، وهو ما تم قبل الاعتراف الانجليزى الحالى "غير الملزم" بسبعة قرون على الأقل .

ومنذ ذلك الحين لم تعاودوا محاولاتكم الاستعمارية مرة اخرى سوى مع مطلع القرن التاسع عشر مع الحملة الاوروبية الاستعمارية الحديثة التى افتتحها نابليون بونابرت عام 1798، والتى لم تنته حتى الآن. والتى دفعنا و لانزال ندفع ثمنها من استقلالنا واستقرارنا ووحدتنا وتقدمنا وحريتنا ومواردنا وثرواتنا. وكان اغتصاب فلسطين هو أكثرها فداحة، وربما يكون هو أفدح ثمن دفعه اى شعب محتل على الاطلاق على امتداد القرون الاستعمار الطويلة فى كل بقاع الارض. فالكيان الصهيونى الاستعمارى الاحلالى العنصرى الارهابى القاتل المسمى باسرائيل لم يزُرع سوى فى أوطاننا نحن فقط، فرغم انكم قمتم باحتلال كافة أراضى وأمم ودول افريقيا وآسيا وامريكا اللاتينية، ولكنكم أصبتونا دون غيرنا بهذه اللعنة الصهيونية الشاذة. 

ورغم كل ذلك، فاننا على يقين اننا فى النهاية سنحرر فلسطين باذن الله، كما فعلناها من قبل، وكما فعلتها كل شعوب وأمم العالم المحتلة.

هذه يا سادة يا كرام هى فلسطين التى نعرفها، اما تلك التى تعترفون بها فهى لا تعدو ان تكون أجزاء صغيرة من أرضها، ممسوخة ومنفصلة، فكيف نقبل اعترافكم ؟

ان الحديث عن ان الضفة الغربية وغزة المفصولتين تمثلان وطنا طبيعيا يستحق دولة مستقلة بدلا من كل أرض فلسطين التاريخية، يماثل الحديث عن أن لندن فى الجنوب الشرقى ومانشستر فى الشمال الغربى مثلا يمكنهما أن يكونا دولة مستقلة دونا عن باقى الاراضى الانجليزية ! وحتى بدون هذا المثل الافتراضى، انظروا كيف أصابكم الذعر من احتمال استقلال اسكتلندا عنكم، فما بالكم بحالنا ؟

ولذا فان اعترافكم الرمزى الذى يبدو طيبا بفلسطين 1967، يحمل فى طياته تأكيدا وتثبيتا لاعترافكم الباطل (الشرير) بشرعية الاغتصاب الصهيونى لأراضينا ما قبل 1967، وهو ذات موقفكم القديم المستمر المعادى لنا والمهدد لوجودنا والمقسم لأوطاننا. 

ثانيا ـ ايها السيدات والسادة، نصارحكم القول أيضا بأن كثيرين فى عالمنا العربى تشككوا فى نواياكم من هذا القرار فى هذا التوقيت؛

فالجميع يعلم ان سبب الاعتداءات الصهيونية المتكررة على غزة، هو إرغامها على الاعتراف باسرائيل والتنازل عن ارض فلسطين التاريخية والاكتفاء بالمطالبة بحدود 1967، والالتحاق بركب أوسلو وجماعتها.
وانتم باعترافكم الرمزى بفلسطين 1967، انما تؤكدون انحيازكم الى الرواية او الاجندة الاسرائيلية، اجندة المعتدى فى مواجهة اجندة الضحية. 

كما انكم تنحازون الى جبهة الفلسطينيين المتواطئين مع اسرائيل ضد الفلسطينيين المدافعين عن أرضهم في مواجهة الاحتلال.

فرغم أن غزة الصامدة الوطنية تقاوم، إلا أن السلطة الفلسطينية المستسلمة المتنازلة التابعة هى التى تفوز باعترافكم! 

فهل هى رسالة منكم بان التفاوض السلمى يكسب وان المقاومة لابد أن تخسر ؟

وهل يمكن فصل ذلك عن الدعوات البريطانية الاوروبية الامريكية الاسرائيلية المنتشرة الآن بضرورة نزع سلاح غزة، وأن السبيل لذلك هو تمكين السلطة الفلسطينة من غزة لتنزع سلاحها كما فعلت فى الضفة الغربية، وهو ما يتطلب بعض التلميع لابو مازن وجماعته بمثل هذه القرارات غير الملزمة، التى لا تضر ولا تنفع. 

ثالثا ـ كما ان اى دولة هذه التى تعترفون بها، وهى غير موجودة على الأرض فلا يوجد هناك الا شعبا محتلا خاضعا للسيادة الاسرائيلية، فأين عناصر الدولة التي تتحدثون عنها، ان قادة إسرائيل يكررون ليل نهار، وينفذون ما يقولونه، من انه لن يكون هناك دولة فلسطينية كاملة السيادة، بل حكما ذاتيا، او دولة منزوعة السلاح، حدودها الجغرافية ومياهها الإقليمية ومجالها الجوى تحت السيادة والسيطرة العسكرية الإسرائيلية.

رابعا ـ ثم ان الاحتفاء الشديد بقرار غير ملزم صادر من 274 عضو برلمانى بريطانى، مع تجاهل اعتراف 350 مليون عربى بفلسطين، يكشف عن نظرة التعالى والعنصرية التى لا تزال تحكم بها الدول الغربية باقى شعوب العالم، كما يكشف من ناحية أخرى عن حجم الهزيمة والشعور بالدونية التى يعيش فيها حكامنا الذين يتلقوا دعمكم واعترافكم.

خامسا ـ ثم أي مقارنة بين اعترافكم الرمزى "غير الملزم" بفلسطين 1967، وبين السرعة والسهولة التى جاء بها اعترافكم باسرائيل فى 1948، والمشاركة فى بنائها وتأسيسها وحمايتها، أو بين ذات السرعة والاستجابة الفورية لحملاتكم الاستعمارية الأخيرة على بلادنا فى العراق 1991 و2003 و2014، تثير مزيد من الشك فى زيف وتضليل وإغراض مثل هذه القرارات البرلمانية غير الملزمة !!

سادسا ـ ثم إن قراركم الذى صدر فى اجواء غضب وصدمة الرأى العام الانسانى من وحشية العدوان الصهيونى الاخير الذى دمر غزة و أودى بحياة 2000 شهيد من شعبها، قد يفهم على انه محاولة لإمتصاص حالة الغضب العام من اسرائيل، حتى لا يتطور فى اتجاهات فلسطينية وعربية وعالمية أكثر جذرية.

سابعا ـ ثم ماذا حصدت منظمة التحرير الفلسطينية من اعترافكم والاعتراف الدولى والامريكى والاسرائيلى بها بعد 1993 بعد ان كنتم تصنفونها كمنظمة إرهابية ؟ وهو الاعتراف الذى دفعت ثمنه غاليا بالتنازل عن حقها التاريخى فى فلسطين 1948. لقد خسرت الأرض والشعب والاحترام والسيطرة والشرعية الوطنية.

ثامنا وأخيرا ـ ثم أن لدينا بالفعل حزمة من القرارات الدولية الملزمة، أقوى من قراركم ألف مرة، والتى لم تنفذ أبدا، أهمها القرار الصادر من مجلس الامن والمشهور باسم القرار 242، والذى ينص على انسحاب اسرائيل من الاراضى التى احتلتها فى 1967، وكذلك القرار رقم 194 الصادر من الامم المتحدة عام 1948 والذى يؤكد على وجوب السماح للراغبين من اللاجئين في العودة إلى ديارهم الأصلية (حق العودة) والمدعوم من القرار رقم 273 لسنة 1949 الصادر من الجمعية العامة، بربط عضوية اسرائيل فى الامم المتحدة بعدة التزامات أهمها السماح بعودة اللاجئين..الخ. وكلها قرارات دولية ملزمة، ولكنكم ضربتم بها عرض الحائط.

فلماذا نقبل اليوم او نثق او نراهن او نأمل خيرا فى أى قرارات تصدر منكم أو من أى من مؤسساتكم الدولية او الحكومية او البرلمانية ؟

عفوا يا سادة ، اعترافكم مرفوض .