كتب المعلق الأميركي جاكسون ديهيل في مقالة له نشرتها "واشنطن بوست" عن
انتخابات تونس، حيث قال "كان يوم الأحد ( 26 تشرين الأول/ اكتوبر) يوم الانتخابات حول العالم، فالبرازيل كانت ستقرر الحفاظ أو الإطاحة بالرئيسة الاشتراكية المتعثرة (أبقت عليها)، وكانت أوكرانيا تختار برلمانا من بين اسنان الروس، ولكن لم تكن الانتخابات تهم في مكان أكثر منها في تونس، البلد الذي انطلقت منه شرارة الثورات العربية، والبلد الوحيد الذي لم تؤد فيه الثورة إلى عودة للديكتاتورية أو الحرب الأهلية".
ويضيف الكاتب أن "تونس هي حالة شاذة في الشرق الأوسط الذي يتحارب فيه الإرهابيون الإسلاميون والسلطات الاستبدادية. في كانون الثاني/ يناير تبنت تونس دستورا تقدميا يوازن بين سلطة البرلمان، الذي سيتم اختياره يوم الأحد، وبدوره سيختار رئيس الوزراء، وسلطة الرئيس الذي سينتخبه الشعب الشهر المقبل".
وتشير الصحيفة إلى أن حزب
النهضة الإسلامي شارك في الانتخابات الحالية، وقد فاز في الانتخابات التي شاركت فيها أحزاب عدة في مرحلة ما بعد الثورة، وقام بقيادة عملية التحول الحالية، وتنافس مع طيف واسع من المنافسين العلمانيين، بينها أحزاب يقودها قادة ورموز سابقون من العهد الديكتاتوري لزين العابدين بن علي. ولكن "النهضة" يدعو إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم هذه الأحزاب في البرلمان الجديد، وقرر حزب النهضة عدم المنافسة على منصب الرئيس في الشهر المقبل.
وينقل الكاتب ما قاله لطفي زيتون، أحد رموز "النهضة" الذين تحدث إليهم الأسبوع الماضي "تعلمنا من درس مصر"، حيث قاد انتخاب الإسلاميين الذين رفضوا التنازل إلى انقلاب عسكري. ويقول زيتون "قررنا في هذه المرحلة توحيد البلاد وليس تقسيم المشهد السياسي".
ويؤكد ديهيل أن "تلك الاستراتيجية، ومهندسها هو راشد الغنوشي، تعتبر استثنائية في الأرض العربية المحروقة، ولكن في تونس، حيث يعد الغنوشي بـ"أول ديمقراطية عربية في نهاية هذا العام"، يعتبر الأمر استثناء.
ويرى الكاتب أن تونس مثل بقية دول الشرق الأوسط تركها قطار العولمة، وتعاني من بيروقراطية الدولة الخانقة، ونظام تعليمي فقير وجيل من الشباب العاطل عن العمل، مثل بائع الفواكه المحبط محمد بوعزيزي، الذي أحرق نفسه في 17 كانون الأول/ ديسمبر 2010، والذي أدى لأول احتجاج أطلق عليه "
الربيع العربي"، وتصل نسبة البطالة في تونس إلى حوالي 15%.
ويبين ديهيل متحدثا عن التطرف الإسلامي، أن "لتونس حصتها من التطرف، حيث تقوم الجماعات الإرهابية بشن حرب على الدولة من الجبال الغربية. وهناك حوالي 3.000 تونسي يعتقد أنهم سافروا إلى العراق وسوريا؛ للانضمام لتنظيم الدولة والجماعات المرتبطة بالقاعدة".
وتلفت الصحيفة إلى أن هناك من يحمل النهضة مسؤولية انتشار التطرف، بينما آخرون يلقونه على الانفتاح الديمقراطي.
ويجد ديهيل أنهم بهذه الطريقة يرددون الدعاية التي يقوم بها الجيش المصري العائد للسلطة، والتي كانت تقوم بها الحكومات الاستبدادية السابقة لبن علي وحسني مبارك، والتي تحاول تقديم نفسها باعتبارها البديل الوحيد السياسي في المنطقة تماما مثل الدول الدينية.
ويعتقد الكاتب أنه في الحقيقة، وكما يقوم الغنوشي وأتباعه بالإشارة إليه، فالأنظمة الديكتاتورية القديمة هي التي خلقت الظروف للتطرف من خلال منعها اللافتات السياسية خارج المسجد. ويقول زيتون إن أول فعل إرهابي في تونس حدث خلال فترة بن علي "والفرق الوحيد هو أن أحدا لم يعرف عنه خلال الحكم الديكتاتوري".
ويفيد الكاتب إن إدارة أوباما، التي ترى أن مصالح الولايات المتحدة تتعارض مع نشر
الديمقراطية، تعترف بالواقع، ولهذا ترى في رجل مصر القوي عبد الفتاح السيسي "شريكا رئيسيا للولايات المتحدة". وذهب الرئيس أوباما أبعد من هذا وقابل السيسي في الأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر، ولكن لا هو ولا وزير الخارجية جون كيري، خصصا وقتا لمقابلة الغنوشي عندما سافر إلى واشنطن في نفس الشهر.
ويذهب ديهيل إلى أنه ليس من الصعب التكهن أن يثبت السيسي أنهما كانا على خطأ، في قمعه العنيف للمعارضة العلمانية والإسلامية وعدوانه تجاه الغرب ومحاولته القيام بمشاريع فرعونية مثل توسيع قناة السويس، فالسيسي هو تكرار، ولكن باهت، للديكتاتور المصري من فترة الخمسينيات جمال عبد الناصر.
ويوضح أن الفكرة، التي اعتنقها وبحماس كيري، هي أن السيسي سيقود مصر إلى الحداثة الاقتصادية، وهي تشبه ما قاله كيري عندما اعتقد في السابق أن السلام بين الإسرائيليين والفلسطينين قريب.
ويتساءل الكاتب: السؤال المثير هنا إن كانت استراتيجية الغنوشي تستحق المراهنة، "وسألت زيتون إن كانت حكومة مكونة من كل الأحزاب في البرلمان ستكون قادرة على العمل"، فأجاب: "في الحقيقة، وافقت الطبقة السياسية على مواجهة المشاكل الاقتصادية، ويجب علينا مواجهة الإرهابيين، ونتفق جميعا على حماية الديمقراطية والتخلص من الديكتاتورية، وهي بداية جيدة لحكومة ائتلاف وطني".
ويختم الكاتب مقاله بالقول "في الحقيقة، ائتلاف ومنبر هو ما تحتاجه بشكل ماس كل دولة عربية، ولكن تونس باعتناقها الديمقراطية هي القادرة على تقديمه".