أفرزت نتائج الانتخابات
التونسية، غير الرسمية، تقدما لصالح حركة "
نداء تونس" التي يقودها الباجي قايد السبسي، ما سيجعلها مكلفة بحكم الدستور بتشكيل الحكومة.
وبحسب نتائج أولية، يحتكم حزب "نداء تونس" على 84 مقعدا، قد يزيد أو تنقص بمقدار مقعدين على الأكثر في ضوء إعادة فرز بعض الدوائر حاليا. ويبقى في جميع الاحوال أنه لتشكيل حكومة بأغلبية بسيطة (النصف + واحد) على الأقل، سيتوجب على "نداء تونس" تشكيل ائتلاف يضم 109 مقاعد في "مجلس نواب الشعب" من إجمالي 217 مقعدا، أي ضم كتل برلمانية لديها ما لا يقل عن 25 مقعدا.
وفي تصريحات سابقة، ذكر رئيس حزب "نداء تونس" السبسي أن حركته لا تتحالف إلا مع "من يشبهها"، لكنه لم يستبعد بشكل قاطع مسألة التحالف مع حركة "
النهضة" في الحكم، في تصريحات أخرى لاحقة.
ومن السيناريوهات المحتملة للتحالفات البرلمانية التي يمكن أن تشكلها حركة نداء تونس "تحالف نداء تونس مع حزب آفاق تونس (الليبرالي) الحاصل على تسعة مقاعد ومع الجبهة الشعبية (يسار) الحاصل على 12 مقعدا، ولن يتعذر بعد ذلك الحصول على 3 مقاعد أو أكثر من قوائم مستقلة أو بعض القوائم الحزبية الصغيرة".
وهذا التحالف الذي يضمن أغلبية بسيطة لـ"نداء تونس"، يبدو ممكنا على أرض الواقع. فعلى الرغم من التباينات الأيديولوجية الواضحة بين الجبهة الشعبية من جهة، وبين "نداء تونس" و"آفاق تونس" من جهة أخرى، إلا أن الجبهة الشعبية وآفاق تونس يجمع بينهما رفض أي تحالف مع حركة النهضة.
في المقابل، على "نداء تونس" في هذه الحالة أن يتوقع معارضة قوية من ثاني أكبر كتلة برلمانية (حركة النهضة) في حال تم هذا التحالف الذي سيكون موجها بالأساس إليها.
ومن السيناريوهات المحتملة أيضا، تحالف نيابي أوسع لـ"نداء تونس" يضم بجانب الجبهة الشعبية وآفاق تونس، "الاتحاد الوطني الحر" (الليبرالي) الذي حصل على 17 مقعدا، أي 136 مقعدا (62 بالمائة من مقاعد البرلمان).
غير أن انضمام الاتحاد الوطني الحر لهذا التحالف سيبقى رهنا بالتوصل لتوافق ما بشأن الانتخابات الرئاسية، التي ترشح لها كل من السبسي، رئيس نداء تونس، وسليم الرياحي، وهو رئيس الاتحاد الوطني، حيث سيكون من غير المنطقي -بالنسبة لكليهما (السبسي والرياحي)- أن يتنافسا في الرئاسيات، وأن يتحالفا معا في الوقت نفسه في البرلمان.
وهناك عائق ثان قد يمنع هذا التحالف أيضا، ويتمثل في تصريحات إعلامية نسبت لأحد قياديي "الاتحاد الوطني الحر" (لم يذكر اسمه) تحدث فيها عن أن حزبه منفتح على كافة الاحتمالات، إلا أنه في حال التحالف النيابي لن يرضى إلا بوزارات هامة، وهو ما قد لا تقبل به حركة "نداء تونس".
وثالث السيناريوهات المتوقعة هو تحالف "نداء تونس" مع حركة "النهضة"، وهذا التحالف مع النهضة لوحدها سيضمن لحركة نداء تونس أغلبية مريحة (حوالي 150 مقعدا) بنسبة تناهز 70% من البرلمان، قد تستغني به عن التحالف مع الجبهة الشعبية وآفاق تونس الرافضين أصلا للتحالف مع النهضة.
إلا أنه هذا يبقى للحظة "صعبا" بالنسبة لـ"نداء تونس"، حيث يوجد بداخله تيار رافض أيديولوجيا التحالف مع التيار الإسلامي، وبالتالي قد يترتب على هكذا تحالف انشقاقات داخل الحزب، بل وربما انسحاب لبعض نوابه المنتخبين من الحزب، ما يهدد وضعه كأكبر كتلة برلمانية.
غير أنه في المقابل، سيجنب هذا التحالف لـ"نداء تونس" مواجهة معارضة قوية داخل البرلمان.
وقالت مصادر سياسية واسعة الاطلاع أنه قد جرت بالفعل اتصالات "استكشافية" بين النهضة ونداء تونس، بشأن امكانية هذا التحالف، خاصة أن الأخيرة دعت قبل الانتخابات لتشكيل حكومة وفاق وطني موسعة.
وخلال هذه الاتصالات، طرحت النهضة مطلبا رئيسيا يتمثل في "تحييد" الوزارات السيادية (الخارجية والدفاع والداخلية)، أي أن تتولاها شخصيات تكنوقراط محايدة، حتى لا تكون حكرا على طرف سياسي وترسيخا لمبدأ الوفاق الوطني.
ولا تزال هذه الاتصالات في طور استطلاع المواقف فقط، وليس اتخاذ القرارات. ولم تستبعد المصادر نفسها أن تكون هناك تدخلات "خارجية" من أطراف إقليمية، رافضة للتيار الإسلامي، للضغط على "نداء تونس" من أجل عدم الدخول في هذا التحالف، في الوقت الذي لا يستبعده "تيار براغماتي" داخل نداء تونس يرى أنه قد يكون من المصلحة في هذه المرحلة من الديمقراطية الوليدة فيتونس تبني خيار الوفاق.
وآخر هذه السيناريوهات هو تشكيل حكومة "تكنوقراط"، وقد تدفع صعوبة تشكيل حكومة اتئلافية من تيارات سياسية مختلفة حركة "نداء تونس" إلى أن تطرح فكرة "حكومة تكنوقراط مستقلة" يدعمها توافق سياسي من كافة أو معظم الأحزاب البرلمانية على دعمها، ولا تستند إلى أغلبية برلمانية محددة، إلا ان مصادر سياسية واسعة الاطلاع لا ترجح قبول النهضة بهذه الفكرة، خاصة إذا كان من بين الوزراء التكنوقراط شخصيات قريبة من "نداء تونس"، أي أن هذه الحكومة ستواجه بمعارضة النهضة في البرلمان.
يذكر أن تحالف "حكومة الترويكا" التي انبثقت عن انتخابات المجلس التأسيسي في 2011، أول انتخابات بعد ثورة 2011، تشكل من 138 نائبا من إجمالي 217 أيضا، وضم 89 نائبا من حركة النهضة و29 من "المؤتمر من أجل الجمهورية" الذي كان يقوده الرئيس الحالي المنصف المرزقي، و20 من التكتل الديمقراطي من أجل الحريات والعمل.