بالنسبة للمملكة العربية
السعودية تعد الحرب على الرئيس السوري بشار الأسد نضالا جوهريا يتحتم خوضه من أجل مستقبل الشرق الأوسط لكن ليس بالتضحية بشباب المملكة.
وبعد أن أثار قلقها عودة
جهاديين للسعودية من أفغانستان والعراق بعد انضمامهم لتنظيم القاعدة منذ عقد، تسعى الرياض الآن لوقف تجنيد سعوديين رغم أنها تمول مقاتلي المعارضة السورية وتزودهم بالسلاح.
وتستخدم الحكومة السعودية وسائل الإعلام والمساجد لتوصيل رسالة مفادها أن السعوديين الذين ينضمون للجماعات مثل "تنظيم الدولة" سيجدون أنفسهم وقد سقطوا في براثن تجربة بغيضة وعقيمة.
وسلطت وسائل الإعلام المحلية الضوء على قضية السعودي فهد الزيدي الذي قال إنه "غرر به للانضمام لحرب ضد أناس مثله بدلا من القتال من أجل نيل حريتهم".
وفي ظل الاقتتال بين جماعات المعارضة الكبيرة بدلا من محاربة قوات الأسد تعتقد الرياض أن الحرب السورية يجب أن يترك أمرها للسوريين. وينظر للسعوديين الذين يحولون ولاءهم من أسرة آل سعود الحاكمة إلى دولة الخلافة -التي أعلنها تنظيم الدولة الإسلامية بسوريا والعراق- على أنهم يمثلون خطرا على الحكومة السعودية الحليفة للولايات المتحدة.
واستنادا إلى خبراتها السابقة وإضافة للإعلام تستعين السعودية أيضا بمجموعة من الآليات لمكافحة تجنيد جهاديين.
وأصدرت السعودية مرسوما ملكيا في شباط/ فبراير الماضي ينص على الحكم بالسجن لفترات طويلة ضد من يقاتل في الخارج أو يساعد آخرين على القيام بذلك أو أولئك الذين يقدمون مساعدات معنوية أو مادية للجماعات وبينها "تنظيم الدولة" وجبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة في
سوريا. وأدين كثيرون بالفعل.
وشجب كبار علماء الدين بمن فيهم مفتي السعودية وأعضاء هيئة كبار العلماء مرارا الجماعات الجهادية في خطب وفتاوى. ورغم أن بعض علماء الدين المعينين من قبل الحكومة وصفوا الحرب السورية بالجهاد إلا أنهم أوضحوا أنها حرب يجب أن يخوضها السوريون لا السعوديون.
إلا أن آلاف الشبان انضموا لـ"تنظيم الدولة" وجماعات أخرى. وتقول السلطات إنها على علم بأن 2500 سعودي يقاتلون في الخارج وتعترف بأن العدد قد يكون أكبر من ذلك.
وعلى عكس صراعات سابقة، قبل أن يتعلم الجهاديون كيفية استخدام مواقع التواصل الاجتماعي كوسائل للتجنيد أصبح من يرغبون في الانضمام إلى الجهاديين لا يحتاجون للتواصل مع وسطاء داخل السعودية، ببساطة يسافر البعض إلى تركيا ويتوجه إلى الحدود السورية أو
العراقية. ويستخدم آخرون التواصل عبر الإنترنت للحصول على رقم هاتف محمول لشخص ما سيساعدهم بمجرد وصولهم.
وقال سلمان الذي سافر شقيقه عبر تركيا للقتال في صفوف "تنظيم الدولة" وجبهة النصرة في سوريا إن أخاه جند عبر الإنترنت، لكنه وجد أن الوعود بالجهاد لا تتماشى مع الواقع الفوضوي. ويشارك شقيق سلمان الآن ضمن برنامج للقضاء على النزعات المتشددة.
وقال سلمان عن شقيقه في مقابلة هاتفية أعدها أحد الأطباء النفسيين العاملين في البرنامج "وضعه سيئ للغاية.. رأى الكثير من الدماء... طرأ عليه تغيير كبير عندما عاد. يلوم نفسه كثيرا".
ويستعين البرنامج ومقره منشأة أمنية في الرياض بعلماء دين للتوعية ضد التشدد، وينظم دورات فنية ورياضية يشرف عليها أطباء نفسيون لمتابعة سلوك السجناء.
ويشجع البرنامج الزيارات الأسرية وساعد سجناء في الحصول على وظائف، كما يزوجهم لمساعدتهم على العودة للاندماج في المجتمع. ويقول مسؤولون إن معدل العودة للجريمة نحو واحد من عشرة.
التضامن مع المسلمين
ويقول محللون إن السعوديين شاركوا في الجهاد من قبل بدافع التضامن مع المسلمين في أنحاء العالم وهو الأمر الذي أيدته السلطات لعقود من الزمان كوسيلة لإحداث توازن مع الأيديولوجية العلمانية المناهضة للملكية.
وفي الثمانينات شجعت الحكومة والأسرة الحاكمة السعوديين على الانضمام للقتال ضد القوات السوفيتية في أفغانستان. وكثير من علماء الدين خاصة على المستوى المحلي شاركوا في تجنيد مجاهدين.
وقد تكون رسالة عدم التسامح في المملكة مع الشيعة وغير المسلمين هي التي دفعت سعوديين إلى الانفتاح بشكل أكبر على الفكر المتشدد.
وعمق غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة الذي أطاح بالقيادة السنية برئاسة صدام حسين عام 2003 ووصول حكومة يقودها الشيعة للسلطة من الاعتقاد بين كثير من الشبان السنة وبينهم سعوديون بأن السنة يواجهون الاضطهاد.
وقال إياد العنزي الذي أمضى أربعة أعوام في القتال مع مسلحين عراقيين قبل أن تتفكك مجموعته بعد معركة مع تنظيم القاعدة "رأيت في الأخبار في التلفزيون أن إخواني المسلمين يحتاجون مساعدة ومن ثم اعتقدت أني يجب أن أذهب وأنضم إليهم".
وعندما أبلغ عائلته أنه وصل إلى العراق عام 2005 توسلوا إليه أن يعود لكنه مكث هناك حتى عام 2009 اقتناعا منه بأنه على صواب.
ويواجه "تنظيم الدولة" اليوم ضغوطا على مقاتلين كي يعودوا إلى أوطانهم. وفي تسجيل فيديو بث في الآونة الأخيرة يبلغ شاب جرى تعريفه على أنه أبو هاجر الجزراوي كان على وشك أن يكون مفجرا انتحاريا وحاول إبلاغ والديه أنهما كانا على خطأ عندما أبديا رغبة في عودته.
وقال في الفيديو الذي سجله استعدادا للهجوم "إلى أمي وأبي .. طالما قلتم.. ارجع ارجع عن هذا الطريق ولا تغتر بالدولة ولا تغتر بالخلافة فلن أقول إلا كما قال الذي أتى من أقصى المدينة: يا ليت قومي يعلمون".
وقال توماس هيجهامر مؤلف كتاب (الجهاد في السعودية) والباحث بمؤسسة الأبحاث الدفاعية النرويجية إنه ليس كل العائلات السعودية مستاءة من تعريض حياة أبنائهم للخطر. وقال "ينشر أصدقاؤهم أرقام هواتف أشخاص يجري الاتصال بهم وتهنئتهم".
لكن لا يحدث ذلك الآن، ومن غير الواضح ما إذا كان ذلك يرجع إلى تغير في الموقف العام أم أن السعوديين ببساطة يخشون الإجراءات الأمنية. إلا أن الحملة الحكومية أدت إلى أن الكثير من جهود تجنيد مجاهدين أصبحت أكثر تكتما مما يجعل من الصعب معرفة من يذهب إلى سوريا والعراق ولماذا.
وقال هيجهامر إن الجهاديين "أصبحوا لا يكتبون بشكل كبير عن أنفسهم كما كانوا يفعلون من قبل".
الاحتواء الأسري
في آب/ أغسطس أبلغ سكان في بلدة تمير الصحراوية الصغيرة الواقعة على بعد 160 كيلومترا شمالي الرياض السلطات أن اثنين من أئمة المساجد يجندان جهاديين.
وقالت وزارة الداخلية في وقت لاحق إن الإمامين اللذين لم تذكر اسميهما اعتقلا مع ستة آخرين في تمير للاشتباه في إرسالهم أشخاصا لـ"تنظيم الدولة".
وقال الطبيب النفسي الذي يعمل في برنامج القضاء على النزعات المتشددة إن العلاقات الأسرية نقطة أساسية في استراتيجية البرنامج لمنع الناس من الذهاب للقتال أو لإقناعهم بالعودة إذا كانوا قد سافروا بالفعل.
وأضاف أن أكثر ما تخشاه السلطات السعودية الآن هو سهولة استخدام المتشددين لـ"يوتيوب" و"تويتر" لحض الشبان على السفر إلى سوريا أو العراق. وتابع أن هذه هي المشكلة التي تبحثها مع حكومات عربية أخرى ومع دول غربية في إطار محاولتها إقناع رعاياها بعدم الانضمام للجهاد.
وشجعت الرياض أمهات مقاتلين في سوريا على الحديث عن آلامهن في التلفزيون. وفي شباط/ فبراير الماضي ظهرت امرأة عرفت نفسها على أنها أم محمد في التلفزيون لتوبيخ أئمة لاستدراجهم ابنها البالغ من العمر 17 عاما للسفر إلى سوريا.
وقال مذيع البرنامج التلفزيوني داود الشريان لرويترز إن الحكومة أصبحت ترحب بجهوده للحديث مع مثل هؤلاء الناس مضيفا أن ابن هذه المرأة عاد للوطن بعد أن سمع مناشدة والدته.