ستظل
إسرائيل تواجه عزلة ونبذاً من المجتمع الدولي حتى تظهر استعداداً لعقد صفقة مع
الفلسطينيين، هذا ما يقوله ديفيد غاردنر في مقال له في صحيفة "فايننشال تايمز"، حيث يرى أن سد الباب أمام قيام دولة فلسطينية مستقلة، قد يدفع الفلسطينيين للكفاح على طريقة السود في جنوب إفريقيا، الذين خاضوا حرباً ضد التمييز العنصري وحكم الأقلية البيضاء.
ويذكّر الكاتب بالقول: إن
الاتحاد الأوروبي استهدف حتى الآن المستوطنات التي أقيمت على أراضي الفلسطينيين، ولكن لا أحد يستبعد قيامه بفرض
مقاطعة عامة في المستقبل.
ويشير غاردنر إلى قرار السويد الشهر الماضي الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وقرار مجلس العموم البريطاني، الذي دعا حكومة بلاده للاعتراف بفلسطين، ودعوة البرلمان الإيرلندي لعمل الشيء نفسه. فيما تعمل الحكومة الاشتراكية، التي تقود البلاد في فرنسا، للتوصل لقرار مماثل في الجمعية العامة. وأعلنت فردريكا موغريني رئيسة السياسات الخارجية في الاتحاد الأوروبي أنها ترغب بقيام دولة فلسطينية في أثناء فترة عملها في المنصب الجديد.
ويتساءل الكاتب هنا، هل وصل نفاد صبر الأوروبيين بالتعنت الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين لنقطة القطيعة؟ وهل يجعل إحباط الأوروبيين من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وسياسته في توسيع
الاستيطان اليهودي على الأراضي العربية المحتلة، كما ينص القانون الدولي، ميالين لفرض موضوع الدولة الفلسطينية؟
ويجيب غاردنر أن أوروبا احتفظت دائماً بعلاقات معقدة مع إسرائيل أكثر من علاقة الأخيرة مع الولايات المتحدة، الراعي الذي لا يمكن الاستغناء عنه، والذي يقدم للدولة اليهودية دعماً غير مشروط.
ويرى الكاتب أنه رغم اعتراف أوروبا قبل أربعة عقود بحق الفلسطينيين في وطنهم، فلطالما تصرفت إسرائيل بطريقة أبوية تجاه أوروبا، ونظرت إليها كقوة اقتصادية غير مهمة، خاصة أن العديد من الدول، ومنها ألمانيا ذات التاريخ النازي والهولوكوست اليهودي، لديها تقاليد في معاداة السامية.
وتلفت الصحيفة إلى أنه حتى وقت قريب، أقنعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة الأوروبيين أن أي ضغط منهم قد يؤدي لاستبعادهم- أي الأوروبيين- من العملية السلمية، التي فقدت منذ وقت طويل، صفة العملية السلمية.
ويستدرك الكاتب بأن إسرائيل كانت بطيئة في التعرف على تغير المزاج والمشاعر الأوروبية، التي لم تكن مفاجئة بل قوية، والتي قد تؤدي في النهاية لتحدي شرعيتها.
وتجد الصحيفة أن التحول يترافق مع تزايد واضح في العداء لإسرائيل في داخل دول غرب أوروبا، حيث أظهر استطلاع أجراه معهد غالوب لصالح تلفزيون بي بي سي البريطاني، أن ثلثي وثلاثة أرباع السكان في كل من بريطانيا وفرنسا وإسبانيا وألمانيا وإيطاليا يحملون أفكاراً سلبية تجاه سياسات إسرائيل.
وتوضح "فايننشال تايمز" أنه أكثر من هذا، فالسويد لا تعتبر الدولة الوحيدة العضو في الاتحاد الأوروبي التي تعترف بفلسطين، فهناك ثماني دول أعضاء أخرى تعترف بفلسطين، حتى وإن اتخذت القرار قبل الانضمام للاتحاد الأوروبي، والأهم من ذلك أن نصف الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، بينها فرنسا، صوتت لصالح الاعتراف بعضوية فلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة في كانون الثاني/ ديسمبر 2012.
وقد تجاهلت حكومة نتنياهو ذلك القرار، رغم أن حكومته حركت السماوات والأرض كي تؤثر على التصويت، وشعرت بلسعة قوية عندما قررت ألمانيا الامتناع عن التصويت، بحسب الصحيفة.
ويذهب الكاتب إلى أنه يجب ألا نفاجأ بموقف ألمانيا، التي منذ شباط/ فبراير 2011، امتنعت عن التصويت عدة مرات أفي ثناء الانتفاضة الثانية؛ دعماً لقرار مجلس الأمن، الذي شجب التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في قرار 14ضد 1 وهي الولايات المتحدة.
ويفيد غاردنر أن المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل قد فقدت منذ وقت طويلكل الثقة بنتنياهو. ولكن الدبلوماسيين الألمان يقولون إن برلين توصلت لنتيجة أنه لا ائتلاف نتنياهو ولا أي ائتلاف حكومي إسرائيلي مستعد لوقف عمليات الاستيطان وإعادته لحدود تمكن الفلسطينيين إقامة دولة قابلة للحياة عليها.
وتذكر الصحيفة أنه في الوقت الذي تتعامل فيه كل الحكومات الإسرائيلية مع المستوطنات ككتل دائمة، إلا أن خطة نتنياهو لإحياء توسيع الاستيطان في شرق القدس وجنوبها، تجعل من تحقيق مشروع الدولة الفلسطينية مستحيلاً.
ويعتقد الكاتب أنه لولا الدعم الألماني، لما كان الاتحاد الأوروبي خلال الأعوام الماضية قادراً على تبني القوانين التي تمنع تقديم القروض للشركات الإسرائيلية العاملة في المستوطنات غير الشرعية.
ويورد التقرير أنه رغم كل هذا، فقد سمحت أوروبا بانضمام إسرائيل- العضو غير الأوروبي الوحيد لمشروع "هورايزون/أفق 2020"، وهو مشروع بحث وتطوير علمي رصد له الاتحاد الأوروبي ميزانية 80 مليار يورو. مما يعطي إسرائيل الحق بالأموال الأوروبية العامة طالما لم تنفقها على المستوطنات.
ويؤكد غاردنر أنه على الرغم من اختلاف هذه القوانين عن تلك التي تتبناها حملة المقاطعة الدولية لتحقيق العدالة لفلسطين، إلا أنها في المجال نفسه، حيث بدأت بعض شركات التقاعد الأوروبية بسحب استثماراتها من البنوك الإسرائيلية، التي فتحت فروعاً لها في المستوطنات، حيث استجابت لقوانين الاتحاد الأوروبي، وربما نتيجة لضغوط ناشطين.
وبرأي غاردنر فإن حركة الاعتراف بفلسطين دولةً، من المحتمل توسعها في داخل الاتحاد الأوروبي وخارجه، فقد كانت السويد الدولة 135 من الدول الموقعة على الاعتراف. وكما حذر قادة إسرائيليون حاليون وسابقون، فإن إسرائيل تواجه نبذاً دولياً حتى تظهر أنها مستعدة لعقد صفقة حول فلسطين.
ويختم الكاتب بالإشارة إلى أنه في حال سدت المنافذ نحو قيام دولة فلسطينية مستقلة، فقد يتجه الفلسطينيون نحو كفاح على غرار الكفاح ضد التمييز العنصري، ويطالبون بحقوق متساوية في دولة واحدة. وفي الوقت الحالي استهدف الاتحاد الأوروبي المستوطنات، وأياً كانت النوايا فلا يستبعد قيامه في النهاية بالبحث عن مقاطعة عامة.