تشهد مدينة
بنغازي أوضاعا إنسانية وأمنية وعسكرية صعبة جدا بعد انتفاضة 15 أكتوبر التي دعا إليها اللواء المتقاعد خليفة
حفتر، فالاشتباكات متواصلة بين مجلس شورى
الثوار وقوات اللواء حفتر.
حيث تدور الاشتباكات تحديدا في منطقة الصابري بين مقاتلي مجلس الثوار والمجموعات المسلحة التابعة لقوات حفتر المتمركزة في منطقة السلماني بالتزامن مع القصف الجوي لقوات حفتر، وأيضا القصف بقذائف الهاوزر والهاون على الحي نفسه، حيث يأتي هذا القصف العشوائي على خلفية رغبة الكتيبة 115 مشاة القادمة من مدينة المرج الموالية لحفتر في إخراج الثوار من منطقة الصابري كي تتمكن من دخولها للسيطرة عليها وهو ما لم تتمكن منه حتى الآن منذ أكثر من أسبوعين.
كما تجددت الاشتباكات مرارا في أحياء وسط المدينة وقوات اللواء المتقاعد تحاول استهداف مراكز لقوات مجلس شورى ثوار بنغازي بقذائف دبابات، وسط قيام طائرة حربية تابعة لحفتر قصفت محيط مواقع قوات مجلس شورى ثوار بنغازي في منطقتي وسط المدينة.
بدورها، مصادر بمجلس شورى ثوار بنغازي، أكدت أن قوات المجلس "تتمركز داخل مواقعها في منطقتي وسط المدينة والصابري ولم تتراجع رغم كثرة الغارات الجوية خلال هذه الأيام،ورغم محاولات قوات حفتر بالدخول إلى هذه المناطق".
من ناحيتها، قوات مجلس الثوار المرابطة في محور قاريونس تمكنت من تدمير دبابة "بي 52" لقوات الكتيبة 204 الموالية لحفتر ،في حين تمكنت قوات الثوار في محور الصابري من تدمير سيارة لقوات حفتر كانت تحمل على متنها سلاح رشاش 23 ومقتل ثلاثة من جنود حفتر كانوا في السيارة.
في سياق متصل تمكنت قوة من مجلس شورى الثوار من تدمير سيارة لقوات الصاعقة الموالية لحفتر في منطقة.
كما قام مدنيون مسلحون موالون لحفتر في وقت متأخر من ليلة الثلاثاء بحرق منزل عائلة الصلابي في بنغازي حيث يقطن "إسماعيل الصلابي" المعروف بأنه من رموز ثورة فبراير، ومن أبرز القيادات العسكرية لكتائب الثوار الليبيين إبان العام 2011.
في وقت سابق، قامت قوات عسكرية موالية للواء المتقاعد خليفة حفتر باقتحام منزل الصلابي وتفتيشه وتحطيم بعض محتوياته رغم معارضة الجيران لذلك، في الوقت الذي لم يكن لإسماعيل الصلابي أي دور في المواجهات المسلحة التي تشهدها بنغازي مؤخرا.
معاناة المدنيين الإنسانية والأمنية
تشهد مدينة بنغازي هذه الأيام موجة غير مسبوقة في تاريخ المدينة عبر عصورها المختلفة من المواجهات المسلحة وعمليات القتل والاختطاف بالرصاص العشوائي وسقوط القذائف العشوائية التي تتناثر بشكل عشوائي، واقتحام البيوت وحرقها وهدمها، وإغلاق المستشفيات والمحلات التجارية ومحطات البنزين، والنزوح الجماعي لآلاف الأسر من الأهالي.
كما تشهد المدينة الانقطاع المتواصل للاتصالات والكهرباء الذي يدوم لساعات وإغلاق المدارس والجامعات والمصارف وكذلك المحلات ومحطات البنزين والمستشفيات، وانتشار أكوام القمامة في كل مكان، وإغلاق مداخل المدينة ومخارجها، وسط تخييم شبح الخوف من نفاد المواد الغذائية في أي وقت.
فكل ذلك أنتج أوضاعا إنسانية غاية في الصعوبة والتعقيد، وخلق حالة من الخوف والرعب والهلع واليأس تسيطر على من بقي من الأهالي داخل بيوتهم خوفا من قذيفة أو رصاصة عشوائية.
هذه الأوضاع الصعبة جعلت الهيئة الليبية للإغاثة والمساعدات الإنسانية في بنغازي والهلال الأحمر الليبي في المدينة إلى إعلان الطوارئ في صفوف منتسبيهما لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وإخراج العالقين من الأهالي وسط أماكن الاشتباكات.
وتشهد المدينة حاليا ما يمكن أن نسميه بشكل مطلق حرب شوارع حقيقية وشرسة جدا لا تبقي ولا تذر، تستعمل فيها أنواع الأسلحة بدءا من الرصاص وحتى قذائف الدبابات والمدفعية الثقيلة، بحجة أن مقاتلي قوات مجلس شورى يتمركزون داخل هذه الأحياء ويتخذونها قواعد لضرب قوات حفتر.
ولا يمكن القول بالإطلاق وبشكل حقيقي إن حفتر بسط سيطرته على بنغازي ، فالوضع الحقيقي على الأرض، هو قيام مفارز من قواته ومعهم مسلحون مدنيون ( معظمهم من ذوي السوابق الجنائية وتجار المخدرات والخمور) بالدخول إلى مناطق معينة والتصوير بالكاميرات داخلها والقول إن الجيش دخل إلى هذه المنطقة أو تلك، إضافة إلى ما اصطلح على تسميتهم بالصحوات وهم موالو حفتر من المدنيين المسلحين أغلقوا الأحياء السكنية تماما ومنعوا دخول أي شخص إليها عدا الأشخاص المؤيدين لحفتر أو من قدموا مع قوات الجيش المؤيدة له، وهو ما يمكن أن نسميه بشكل دقيق سيطرة نفوذ حفتر في هذه المناطق والأحياء ، حيث مساحتها مقارنة بمساحة المدينة ليست بالبسيطة.
هجوم على البيوت
بالتزامن مع العمليات العسكرية والمواجهات الدائرة في المدينة تقوم قوات حفتر ومن ساندها من المسلحين المدنيين بالهجوم على بيوت المدنيين من الثوار وقياداتهم ومن والاهم وتحرق البيوت وتهدم واجهتها وأجزاء كبيرة منها دون أي اعتبار لحرمتها أو وجود أطفال ونساء فيها.
وهذا التحرك لقوات حفتر يرافقه "بلدوزر" يتحرك معها من حي إلى آخر، وقد وقعت بالفعل حوادث من هذا النوع راح ضحيتها مدنيون أبرياء، ويبدو كذلك بشكل واضح أن التحرك العسكري لقوات حفتر على الأرض يوازيه تحرك أمني دقيق يتمثل في عمليات التقصي والبحث والرصد وتحديد البيوت وأنواع السيارات وكتابة قوائم المطلوبين.
هناك مشهد يراه أهالي المدينة كل يوم وتنقله شاشات الفضائيات المؤيدة لـ "الكرامة" يتمثل في قيام مجموعة من السيارات عددها لا يتجاوز العشرين سيارة ذوات الدفع الرباعي يقودها مسلحون من قوات الصاعقة الموالية لحفتر، تتنقل بين الأحياء مع الناطق الرسمي باسم قوات حفتر ومعه مراسل قناة العربية في
ليبيا خليفة العبيدي، وهذه السيارات تتحرك داخل نطاق الأحياء والشوارع المؤيدة لحفتر ولا تستطيع المرور بالمناطق الرافضة له.
إغلاق الأحياء
وأما كيفية إغلاق معظم أحياء بنغازي فتتم عبر حواجز ترابية وهياكل سيارات محروقة ومحطمة وأحجار وبقايا أشجار وأكوام القمامة، ويهدف ذلك إلى منع دخول قوات مجلس شورى الثوار إلى هذه الأحياء وتنفيذ عمليات مسلحة داخلها تستهدف قوات حفتر والموالين لها من المسلحين، ومن يمر مترجلا عبر هذه الأحياء لن يشاهد قوات للجيش أو الشرطة بل سيرى مدنيين مسلحين ألبسوا لباسا عسكريا ومنحوا أسلحة وأموالا ليسيطروا على مناطقهم، وهذه معلومات أكدها أحد ضباط السلاح الجوي ممن رفضوا الالتحاق بعملية الكرامة.
أجهزة النظام السابق الأمنية
تؤكد مصادر أن تحركات قوات حفتر على الأرض تتم بتنسيق وخطط يبدو أنها دقيقة واحترافية في العمل الأمني رسمها ضباط جهاز الأمن الداخلي السابقين الذين قسموا بنغازي إلى مربعات حددوا من خلالها المستهدفين بعمليات القبض أو من تستهدف بيوتهم بالحرق أو الهدم لعلاقتهم بمجلس شورى الثوار أو بأحد التيارات الإسلامية في المدينة.
وبحسب المصادر ذاتها، ترافق ذلك مع صدور قوائم امتلأت بها صفحات التواصل الاجتماعي تتضمن أسماء الثوار وقياداتهم ومن تعاطف معهم ودعمهم من التجار ورجال الأعمال وكل الشخصيات الوطنية التي ساندت الثوار ودعمتهم، وهي قوائم توجد فيها تهديدات بالقتل والحرق والسجن.
ومن يتم القبض عليه يرحل إلى معتقل قرنادة وهو معتقل أقامه خليفة حفتر شرق مدينة البيضاء التي تعتبر من المدن الخاضعة لسيطرته يضع فيه مناهضيه وخصومه لا سيما من أبناء التيار الإسلامي في ليبيا.
وقد كشفت المصادر أن من يقود العمليات العسكرية لقوات حفتر حاليا في بنغازي يدعى"فرج البرعصي"، وهو الذي كان رئيسا لجهاز الأمن الداخلي لمناطق الجبل الأخضر إبان فترة النظام السابق ومن المتورطين في أعمال اعتقال وتعذيب لمعارضي النظام السابق في تلك المناطق.
الساحة العسكرية وأماكن القتال والمواجهات
العمليات العسكرية الرئيسية تدور حاليا في منطقة قاريونس في مساحة تقدر بأقل من عشرة كيلومترات مربعة، بين مقاتلي مجلس شورى ثوار بنغازي وقوات الكتيبتين 204 دبابات و21 صاعقة، وهي مواجهات تستعمل فيها مختلف أنواع الأسلحة وسط تغطية جوية من الطائرات الحربية التابعة لحفتر التي تستهدف أماكن وتجمعات قوات الثوار.
ولكن الملاحظ في هذه المواجهات هو أن الثوار ما زالوا يحافظون على مقراتهم وتمركزاتهم ولم يتم إخراجهم منها، في حين أن القوات الموالية لحفتر تتراجع بسرعة أحيانا أمام الكثافة النارية الشديدة من أسلحة الثوار الذين سبق وأن هددوا عدة مرات بمعاقبة كل من يهاجم معسكراتهم أو يستهدف منازل قادتهم أو أحد المقاتلين معهم.
وحتى الآن لم يتمكن أحد الطرفين من حسم الصراع لصالحه، وقد سمعت عدة مرات طلبات استغاثة من جنود الكتيبتين 204 و21 موجهة لقياداتهم لجلب الذخيرة لهم، فهناك فرق كبير، وفقا للمشاهدات اليومية، بين الروح القتالية لقوات حفتر ومثيلتها بين قوات الثوار الذين يتحلون بروح قتالية عالية جدا تنطلق من منطلقات إسلامية وذات طموح وهدف.
ويهدف مقاتلو مجلس الثوار من وراء هذه الحرب إلى بسط السيطرة على معسكرات الكتيبتين 204 و21، فانهيارهما أو إحداهما على الأقل، سيسهم بشكل كبير جدا في انهيار الروح القتالية لقوات "حفتر" داخل الشوارع وسيجعل المدنيين المسلحين الموالين له يهربون خارج المدينة ويتركون أحياءهم التي سيطروا عليها تمهيدا لدخول قوات حفتر إلى بنغازي.
وهذا تفصيل لأسماء الأحياء والأماكن التي تحدث داخلها وفي نطاقها المواجهات العسكرية الرئيسية والمواجهات التي في الشوارع الداخلية للمدينة (منطقة قاريونس - حي طابللينو - حي لبنان – حي فينيسيا – حي الفويهات – أرض بن علي – حي بوهديمة – حي الماجوري – حي الصابري – حي السلماني الشرقي والغربي)
مدينة أشباح كئيبة
بالترافق مع هذه المواجهات فقد تم العثور مرات كثيرة على جثث لقتلى مجهولي الهوية في أنحاء عدة من بنغازي التي تحولت بامتياز إلى مدينة أشباح كئيبة، وتتوقف فيها الحركة مع غروب الشمس لتتحول في المساء إلى ساحة للحرب والقتال وعلميات التفجير والرصاص العشوائي حتى الصباح.
تأزم الوضع الحالي وتعمق الأزمة واشتداد المواجهات المسلحة اليومية والعنيفة، يزيد كل يوم من معاناة أهالي المدينة الذين بقيت الأغلبية الصامتة منهم داخل البيوت تنتظر لمن ترجح الكفة حتى تعود إلى بيوتها انتظارا لعودة الحياة الطبيعية إلى المدينة.