(
إسرائيل) تسمح لأول مرة لجميع الأعمار بصلاة الجمعة في المسجد
الأقصى، تزامناً وتجاوباً مع اجتماع الملك عبد الله ونتنياهو وكيرى في الأردن، لبحث التهدئة في الأقصى والقدس المحتلة.
ما أطيبها ..
الحقيقة أننا نظلم (إسرائيل) كثيراً، ونتهمها بالإرهاب والعنصرية والعنف والقسوة، رغم أننا لو تأملنا قليلاً، لاكتشفنا كم هي رحيمة بنا، وكم هي كريمة فيما تمنحه للفلسطينيين كل يوم من حقوق وحريات وتنازلات.
لا يجب أبداً أن ننسى أو نتجاهل سماحها بأداء الصلوات في المنازل خمس مرات في اليوم، كما أنها لا تمانع في الالتزام بعدد الركعات الشرعية في كل صلاة، وبالصيام في رمضان، وبالوضوء والاغتسال لمن استطاع إليهما سبيلاً. وبالاحتفال بالأعياد في غير أوقات الحروب والمذابح والإبادات.
وهي تسمح لهم بالتنفس شهيقاً وزفيراً، فيما عدا -بالطبع- الحالات التي تضطر فيها لقذفهم بقنابل الغاز.
وتسمح في كثير من الأحيان بالموت الطبيعي دون قصف أو اغتيال أو إبادة. وبإقامة الجنازات لغير الشهداء، وبشرط عدم تسييسها، وكذلك بشعائر الدفن وسرادقات العزاء. وتسمح بتناول الطعام والشراب عند توفرهما، وبالمضغ والبلع والهضم وقضاء الحاجة، وبالنوم والأحلام.
كما أنها تؤمن بحق الفلسطينيين في المرض والألم، ولكنها لا تضمن العلاج. وتسمح بالأفراح والتزاوج والتناسل والرضاعة وتغيير الحفاضات. وبتعليم الأطفال المشي والكلام، وإدخالهم المدارس التي لم تُدَّمر بعد، ولعبهم في الأزقة والساحات والخرابات، ولكن ليس على الشواطئ في أثناء الاعتداءات.
وتسمح للشباب ببلوغ سن المراهقة والنضوج السِني والعقلي والجسماني لمن لم يستشهد بقذائفها وقنابلها.
كما أنها تسمح للفلسطينيين بارتداء ملابسهم وانتعال أحذيتهم وتصفيف شعورهم، ولا تزال حتى اليوم تسمح لهم بالخروج من منازلهم والذهاب إلى أعمالهم إن وجدت. وبالتمتع بدفء الشمس وضوء القمر والنظر إلى النجوم فيما عدا في أثناء القصف أو الاغتيال بالطائرات.
وتسمح بالتجول في عدد "محدد" من الشوارع والطرقات والميادين، وبركوب وسائل المواصلات في "بعض" المناطق. كما تسمح لهم بفرش وتأثيث بيوتهم التي لم تهدم أو تغتصب، فليس هناك ما يمنع الفلسطيني أن يمتلك سريراً في بيته أو دولاباً أو مائدة وأدوات طعام، أو صالة معيشة وتلفاز أو أن يغلق عليه باب بيته ويفرش الأرض بالحصير أو بالسجاد حسب الأحوال، وأن يمتلك دورة مياه وشبكة صرف صحي إن بقي منها شيء بعد تدمير البنية التحتية. أو أن يستخدم الكهرباء عندما تكون المحطات عامرة بالوقود في غير أوقات الحصار.
***
أما على المستوى السياسي، فيجب أن نقدر (لإسرائيل) حكمتها وكرمها ورحمتها، فهي لا تعتدي على
غزة سوى مرة واحدة كل سنتين أو ثلاث سنوات. وهي لم تقتل في الحرب الأخيرة سوى 2000 شهيد من جملة مواطني قطاع غزة البالغ عددهم 1.8 مليون نسمة، ولم يكن منهم سوى 400 طفل رغم أن جملة تعداد أطفال القطاع 900 ألف.
ويجب أن نعترف أننا تأثرنا كثيراً بكلمة بنيامين نتنياهو أمام الجمعية العامة وأشفقنا عليه وتعاطفنا معه، حين قال ((إن قلوبهم كانت تدمى وهم يقصفون المدنيين الفلسطينيين)).
أما سجونها، فلا يوجد فيها سوى خمسة آلاف أسير فلسطيني من جملة 4.5 مليون مواطن. وهي تعيد اعتقال الأسرى المحررين، ولكن ليس كلهم. و تغتال بعض من القيادات الفلسطينية، ولكن ليس جميعهم.
وهي تسمح لمن تبقى من الفلسطينيين بعد الطرد والتهجير والإبادة، بالحياة والبقاء على الأرض التي تؤمن بأنها أرضها ووطنها القومي التاريخي الموعود من البحر إلى النهر.
وما زالت بعض الأراضي الفلسطينية خالية من المستوطنات الإسرائيلية، وبعض المساجد والكنائس لم تدنس بعد، أما المعابر فتفتح أحياناً.
و(إسرائيل) مشكورة، سمحت للفلسطينيين بتشكيل سلطة فلسطينية، تتعاون وتنسق معها أمنياً ومالياً وسياسياً. وهي تقبل برحابة صدر تحويل مرتباتهم المدفوعة من الدول المانحة. وهي تسمح للرئيس الفلسطيني ووزرائه ورجاله بالسفر إلى خارج البلاد، والعودة مرة أخرى.
وهي تنسج علاقات حميمة مع رجال الشرطة الفلسطينية، وتشجعهم على القيام بوظائفهم، وعلى الأخص حين يطاردون رجال المقاومة، وهو التعاون والتنسيق والتشجيع الذى يهدم كل ادعاءات عدائها للفلسطينيين.
***
وفى النهاية علينا أن نعترف بأن (إسرائيل) وقادتها يلتزمون بوعودهم التي قطعوها لنا، ولا يحيدون عنها أبداً، فهم لا يزالوا يلتزمون برسالة "ديفيد بن جوريون" التي قال فيها:
((لقد أبلغنا العرب أنه ليست لنا الرغبة في محاربتهم أو إلحاق الأذى بهم، وإننا حريصون على أن نراهم مواطنين مسالمين في الدولة اليهودية.. ولكن إذا وقفوا في طريقنا وعارضوا، ولو جزئياً، تحقيق أهدافنا، فإننا سنواجههم بكل ما عندنا من بطش وقوة)).