قالت صحيفة "فايننشال تايمز" إن
الجزائر باتت تعتمد على الدبلوماسية لمواجهة
الإرهاب.
وفي تقرير أعده مراسل الصحيفة في القاهرة بورزو دراغاهي قال فيه إن الجزائر تعتمد على الدبلوماسية والمقاتلات والدبابات والبنادق لقمع عدد من
التهديدات المتصاعدة على حدودها.
وكمثال على الدبلوماسية أشار الكاتب للدور الجزائري في جمهورية مالي، حيث جمعت الحكومة الجزائرية ممثلين عن الحكومة والقبائل والميليشيات المسلحة في فندق الأوراس، حيث اجتعموا وتناولوا الطعام من "البوفيه المفتوح" وتجاذبوا أطراف الحديث، وتنابزوا فيما بينهم في محاولة جزائرية تمت هذا الخريف لإقناع الماليين المتحاربين فيما بينهم لتشكيل جبهة موحدة ضد الخطر الإسلامي، بعد وقوع نصف مالي تحت سيطرة الجماعات المتشددة العام الماضي، ما أدى لتدخل عسكري فرنسي.
ويظهر الاجتماع، كما يقول دراغاهي "السياسة الحازمة التي تتبناها الجزائر لحماية حدودها من الأخطار المحيطة بها".
ويقول الكاتب إن المنازعات السياسية في المحيط الهادئ والهامشي للجزائر أدى لانعاش طموحات الجهاديين، وحول دول الصحراء والساحل إلى مجموعة من الدول الفاشلة، ما قدم التربة الخصبة لتفريخ الإرهاب، وبالتالي تهديد هذا البلد الغني بالنفط.
ويفيد التقرير بأن آخر مثال جماعة أطلقت على نفسها "جنود الخلافة"، التي بايعت تنظيم الدولة المعروف بـ"
داعش". ويقول إسماعيل معروف، الباحث في العلوم السياسية في جامعة الجزائر "(داعش) له حضور الآن في الجزائر"، مضيفا: "يعتقد أنهم موجودون في منطقة لا تبعد عن العاصمة سوى 30 كيلومترا".
ويجد دراغاهي أنه "بعد عزلة طويلة عن قضايا المنطقة في إفريقيا، أصبح قادة أكبر الدول الإفريقية مساحة لاعبين نشطين في الساحة الخلفية لبلادهم، عسكريا ودبلوماسيا".
وينقل التقرير عن كال بن خالد، المقيم في واشنطن والمدون المتخصص في شؤون شمال إفريقيا، قوله "إنهم قوة ضخمة، ولكنهم لا يستخدمون تأثيرهم"، مبينا "الآن يتحدثون بصراحة عن دورهم في دعم الأمن الإقليمي وكقادة".
وتشير الصحيفة إلى أن الجزائر واجهت لعقود تمردا إسلاميا نشأ بعد الانقلاب العسكري على الانتخابات، التي فاز فيها الإسلاميون عام 1992. وكشف هجوم إسلاميين العام الماضي على منشأة الغاز في أميناس قرب الحدود الجنوبية الشرقية مع
ليبيا عن آثار الفوضى التي تعم هذا البلد والبلاد المحيطة على أمن الجزائر.
ويلفت التقرير إلى أن قتل أحد السياح الفرنسيين على يد "جنود الخلافة في الجزائر" في أيلول/ سبتمبر زاد مخاوف الحكومة من خطر الإرهاب العابر للحدود، وأثره على البلد، الذي يبلغ تعداد سكانه 36 مليون نسمة، أي ثاني دولة عربية من ناحية الكثافة السكانية، وقد يؤدي الفقر وغياب الفرص بين السكان لانجذابهم للتشدد الإسلامي.
وتنقل الصحيفة عن كريم إمليل، وهو باحث فرنسي- جزائري ومؤسس موقع "شوف شوف" الإخباري، قوله "إنها فوضى عارمة في المنطقة"، مضيفا أن "التهديد الإرهابي داخل البلاد هو حقيقي، وقد يظهر مرة أخرى بسبب الأوضاع التي تمر بها دول الجوار، خاصة ليبيا ودول الساحل".
ويبين التقرير أنه وللرد على التهديد عززت قوى الأمن الجزائرية من تعاونها مع الولايات المتحدة وفرنسا، رغم لوم الجزائريين كلا البلدين على التدخل في ليبيا، حيث تحولت القوى التي قاتلت القذافي لقتال بعضها البعض، وينظر للتدخل العسكري على أنه سبب في التهديد الإرهابي بالمنطقة.
ويتابع الكاتب بأن الجزائر عزز من أمن حدوده وقام بنشر القوات عليها للرد على التهديدات الإقليمية، وشن غارات جوية على مواقع المتمردين داخل الجزائر، وقاد عمليات مراقبة للحدود مشتركة مع تونس، وأرسل قواته إلى روسيا لتلقي تدريبات على مكافحة الإرهاب. ووقع الجزائر في آب/ أغسطس اتفاقا مع شركة راينميتال الألمانية للدفاع، وعقداً لبناء مصنع عربات مصفحة لنقل الجنود بقيمة 28 مليون يورو.
ويقول هيثم رباني، المستشار لعلي بن فليس، رئيس الوزراء السابق "إنهم يلاحقونهم-المتمردين- في الصحراء، وفي داخل البلدات الصغيرة والمدن"، ويرى أن "الحياة أصبحت صعبة بالنسبة لهذه المجتمعات، وليس كما كانت قبل ثلاثة أو أربعة أعوام".
ويرى الكاتب أن الدبلوماسية النشطة تظل أساس جهود الجزائر الدولية لمكافحة الإرهاب. فبالإضافة لجهودها في مالي تعمل الجزائر على جمع الأطراف المتنازعة في ليبيا وإقناعها للتصالح فيما بينها، ولعبت الجزائر دور الوسيط بين الإسلاميين والعلمانيين في تونس.
ويقول بن خالد للصحيفة "تبدو تونس أفضل مثال عن المدخل الجزائري، فقد ذهبوا لدول الجوار وقالوا (لدينا شيء يمكننا تقديمه، لدينا خدمة استخباراتية يمكننا تقديمها) وعندما أعطت الجزائر تونس منحة بقيمة 250 مليون دولار، وصف الإعلام التونسي الجزائر بـ(الأخ الأكبر) جاء لمساعدة تونس".
ويستدرك التقرير بأن المشكلة تنبع من ليبيا أكثر، حيث تشترك مع الجزائر بحدود طولها 990 كيلومترا، وحتى الآن فشلت الجهود الجزائرية بإقناع الأطراف المتحاربة، حيث أصبحت ليبيا ملجأ آمنا للجماعات المتطرفة، ويتدفق إليها السلاح والمتطوعون من الجزائر، ما دعا الحكومة الجزائرية للتفكير في بناء سياج كهربائي طوله 120 كيلومترا.
ويختم الكاتب تقريره بالإشارة لقول جيفري بورتر "كانوا قلقين دائما على الوضع في مالي؛ لأنها تقع في حديقتهم الخلفية، وهم أقل اهتماما بجنود الخلافة في الجزائر". ويقول بورتر، الذي أنشأ شركة استشارات "نورث أفريكا ريسك كونسالتينغ"، "ولكنهم قلقون حول الوضع في ليبيا".