اضطر المسؤولون عن "الميتم الإسلامي" في حي
الوعر بحمص إلى إجلاء جميع
الأطفال من الميتم على دفعات إلى خارج الحي، وذلك بعد استهداف الميتم بصاروخ ألحق به أضرارا مادية كبيرة.
ونقل الأطفال، بالتنسيق مع "جمعية عون الإسلامية" و"وزارة الشؤون الاجتماعية" و"الهلال والصليب الأحمر"، إلى مدرسة الأندلس خارج الوعر، ثم تم نقلهم إلى فندق "
حمص الكبير" بشكل مؤقت إلى حين تجهيز دار جديدة لهم.
ويقول أحمد، وهو أحد أهالي حي الوعر الحمصي، واصفا شعور أهالي الحي يوم مغادرة الأطفال: "كان يوماً مأساوياً وحزيناً، ذاك اليوم الذي ودعنا فيه أطفال ميتمنا، كان كفراق الروح للجسد". ويصف في حديث مع "عربي 21" هذا اليوم بـ"الحزين" على الرغم من كآبة الأيام التي تمر على الحي، حيث يودّع فيها الناس يومياً عدداً كبيراً من أهاليهم نتيجة استهدافهم من قبل قوات النظام بمختلف أنواع الأسلحة الفتاكة، بينما يعاني الحي من حصار قاسٍ، امتد لأكثر من عام، مُنع فيه كل شيءٍ من الدخول للحي.
وتأسس "الميتم الإسلامي" في حي الوعر قبل اندلاع الثورة، ويقع ضمن تجمع لعدد من المؤسسات والجمعيات الخيرية، كالمدرسة الخيرية النموذجية، ومأوى للنازحين، ومركز للصم والبكم يضم مأوى أيضاً، وجمعية عون الخيرية، إضافة إلى مسجد الميتم.
وبعد أن طوق الحصار حي الوعر خشي القائمون عليه من أن تشن قوات النظام هجمة شرسة عليه، فتقدمت المشرفة على الميتم بطلب يتضمن إخراج الأطفال الذين يتجاوز عددهم 200 طفل، قسمٌ منهم تيتم قبل الثورة، والقسم الآخر كانت الحرب سبباً في تيتمه.
خرج الأطفال من الحي بسبب صعوبة الوضع المعيشي، ولعدم القدرة على تأمين مستلزماتهم، خاصة الغذائية منها، وحفاظاً على أوضاعهم النفسية التي لم تتحسن، على الرغم من إخضاعهم لبعض برامج الدعم النفسي الخاصة بالأيتام، عدا عن الاستهداف المتكرر للمجمع بالصواريخ والقذائف.
وكان قد تم استهداف المسجد الملاصق للميتم بصاروخ أرض- أرض، وقبلها سقطت قذيفتا هاون على الصالة الخاصة بالمجمع، ما خلّف أضراراً مادّية كبيرة فيه.
ويقول أهالي الحي إنهم شعروا بالحزن على الأطفال المغادرين، إذ تربطهم علاقة ممتازة معهم، بفعل التضامن والتكافل الاجتماعي الذي يحصل أثناء الحروب وتحت الحصار، إذ كانت الابتسامة لا تغيب عن شفاه هؤلاء الأطفال، ما يرسم الأمل على وجوه المحاصرين داخل الحي، الباحثين في كل بقعة عن بصيص أمل يطفئ نيران الحرب قليلاً.
بدورها، عبرت "آمنة"، وهي إحدى مسؤولات الدعم النفسي في الحي، عن حزنها على فراق الأطفال، لكنها في الوقت نفسه قالت إنها سعيدة لأجلهم، فالخدمات في مقرهم الجديد أفضل بكثير، وهم ابتعدوا عن مركز الخطر، بالإضافة لتوفر التدفئة، التي تعدّ نعمة كبيرة في هذا الشتاء القارس.
وبينت آمنة لـ"عربي 21" أنهم كانوا يولون اهتماماً كبيراً بالجانب النفسي للأطفال هناك، ويعمدون إلى النشاطات الترفيهية التي من شأنها أن تخرج المواهب المكبوتة داخل الأطفال. وروت آمنة قصة أطفال انتشلوا من تحت الركام وهم أحياء، بعد وفاة عائلاتهم بأكملها، وتم نقلهم إلى المركز والإشراف عليهم بشكل مستمر، إلا أن الكثير منهم لا زال بحاجة لمتابعة، وهؤلاء من يُخشى عليهم من التنقل المستمر، وعدم الاستقرار في مكان معين.
وبيّنت آمنة أن الكثير من هؤلاء الأطفال أخرج إبداعاً حقيقياً، من خلال تشكيله للمعجون، أو رسمه بالألوان التي يحاول أن يتخيل نفسه يلوّن بها حياة حكمت عليه باليتم بعد وفاة عائلته بأكملها.
لكن هل سيتم نقل هؤلاء الأطفال إلى مناطق آمنة تجنبهم ويلات الحرب المشتعلة في
سورية، أم أنهم سيجبرون على التنقل مرة أخرى تحت ضغط النيران؟