كتب سرمد الطائي: أكثر سؤال كان يواجهني بعد 25 شباط 2011 حين بدأت أركز معظم حواسي على "مختار العصر"، بعد أن ضرب شباب
المظاهرات، هو: لماذا تلح عليه، وعن ماذا ستكتب حين "ينطيها"؟ إذ بدوت لمن لا يعرفني، أنني تخصصت في
المالكي إلى درجة أنني لا أحسن كتابة أمر عن عداه. وبالفعل كانت "رفقة" مزعجة بيني وبينه، وصلت إلى المحاكم بحمد الله، وهو حال زملاء عديدين لم يقصروا معه.
وها نحن بدون مالكي منذ أسابيع، منهمكون في التفكير بالمستقبل، وكما عثرنا على أشياء للكتابة، قبل أن نعرف المالكي، فقد صارت بحوزتنا أشياء نكتب عنها حتى بعد الإطاحة به. رغم أنني وكثير ممن يكتبون في السياسة، نود لو انصرفنا للكتابة عن المدن العظيمة والأزمان الحلوة والعباقرة، بل إنني أحب هذه الأيام أن أكتب عن الأطفال، لشدة اندهاشي بطريقة نموهم الحسي والإدراكي وأنا أراقب "سميرة"، وحيدتي ذات العام الواحد.
وأسوق هذه المقدمة لأنني أعود اليوم للكتابة عن "الحاج" بعد غياب. هل أقول لك: مشتاقون، مثلا؟ وكيف نشتاق لقلة صبرك ولنوع فهمك المشوش لسياسة البلاد والعباد؟ لكنني يا حاج، تابعت كغيري، تصريحاتك وأنت تحذر (
العبادي طبعا) من مؤامرات عديدة، وتقول له إن الموصل سقطت بفعل مؤامرة، وتنبهه إلى أن إعادة تطبيع العلاقات مع تركيا والسعودية مهم بشرط "الحفاظ على سيادة
العراق"!
إن لديك هذه الأيام فائض وقت للإدلاء بالنصائح، وعلى فكرة، هل استمتعت بوقت الفراغ بعد نحو 9 سنوات من الانهماك؟ ما رأيك بهذه العطالة اللذيذة المرفهة؟ لكن المشكلة التي تواجهك، هي خشيتك من ألا يمتلك العبادي وقتاً كافياً للتفكير بنصائحك. تخيل يا حاج، أن رئيس وزرائنا وجد وقتاً مطولاً للحديث مع "المتآمر" أثيل النجيفي وحلفائه، بينما تأخر على إجابة طلبات واتصالات كثيرة وردت منك، رغم أنك كنت تريد تنبيهه لأشياء "غاية في الخطورة". من المؤكد إنك تنظر بسخرية إلى العبادي أمام رواد صالونك في الهندية، وتقول: وماذا يعرف العبادي عن الحكومة، كي يتحدث كثيرا عن إصلاحات سياسية، وهل يعني بهذا أن عهدي كان خراباً كي يقوم هو بإصلاحه؟
اراهن أنك امسكت بالهاتف مرات ومرات، وحاولت ان تقول له: لماذا تريد اصلاح تركتي السياسية؟ وهل تعتقد انني خربت امورا كانت صائبة؟
وأراهن كذلك أن العبادي الذي لا يمتلك وقتا كثيرا، يأتي كشبح ويلهو في رأسك طويلاً، ولدى الأشباح وقت فراغ طويل ولذيذ ومرفه، مثلك بالضبط يا حاج. إنك تفكر فيه، وربما توقظ عيالك من النوم وانت تصيح: هذا غلط يا حيدر، وهذا صح، وانت تحدث "الشبح المتفرغ والمرفه" في رأسك. إنني أتفهم، أنك تصيح أحيانا، حرصا على هذه الأمة. فأنت كما كتبت في مقالك الأخير حول الحزب، داعية تلقيت "تربية" حزبية لتكون رسالياً زاهداً تعمل من أجل الامة، وتحب الأمة. لكن "من الحب ما قتل"، وهل سمعت بـ "الحب الاسود"؟ وبالمناسبة، لماذا نشرت مقالك المطول في جريدة عربية، لا توزع في بغداد، بينما تريد لحزبك العراقي أن يقرأه؟ وعلى فكرة، فقد كان مقالاً انشائياً يلف ويدور، ولو ارسلته لي لمنعت نشره بهذه الصيغة، ولاقترحت عليك ان تبعثه الى داعية يحترف الكتابة (وبالتأكيد لا اقصد الجعفري) ليشذبه من كل هذا اللف والدوران.
ليس لدى العبادي وقت ليتابع جولاتك، وفراغك المترف، لكنني أطالبه، أن يقوم باستدعائك إلى مجلس تحقيقي لتدلي بشهادة حول حديثك المكرر عن "مؤامرة الموصل"، لا لنحاسبك، معاذ الله، ولكن لترتاح أنت من عبء "الأسرار المكتومة"، ونرتاح نحن من هذا التشويش المتواصل، على محاولات الحكومة إصلاح ما خرب في عهدك، وتخفيف كارثتك.
(صحيفة المدى العراقية)