قال محلل الشؤون العربية في إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي جاكي خوجي، إنها المرة الأولى في تاريخ
تونس التي تتم فيها
الانتخابات البرلمانية بشكل علني، وهذا يعكس أنها انتخابات
ديمقراطية بكل معنى الكلمة.
ويتكئ خوجي في بداية مقاله "الربيع وصل" المنشور الخميس في صحيفة "معاريف، على مفارقة، شقها الأول أن "داعش تحرث أراضي العراق وسوريا، وفي غزة يقومون بإخلاء دمار الحرب، وفي القدس تحدث انتفاضة القلائل"، في حين أن البلد الصغير تونس "يسجل حدثا تاريخيا بعيدا عن ذلك، وخلال شهر واحد توجه الناخبون لصناديق الاقتراع مرتين من أجل: انتخاب ممثلي البرلمان، وانتخاب رئيس، للمرة الأولى في تاريخهم".
ويرى الكاتب أن هذه الانتخابات حرة، وأنها تمت أمام الصحافة العالمية وآلاف المواطنين، والبعض منهم غربيون، ولم تخف فيها تونس عملية فرز الأصوات، و"أثبتت للعالم ولا سيما للإخوان العرب أنه بالإمكان عمل انتخابات حرة والعودة إلى البيت بسلام"، دون حوادث، على حد تعبيره.
وويقول إنها إذا انتهت الجولة الثانية بسلام، فسيكون بالإمكان الإعلان عن تونس أنها الدولة العربية الأولى التي قامت بالخطوة الحقيقية باتجاه الديمقراطية، "أكثر من العراق، الذي يهدده المخربون، وأكثر من السلطة الفلسطينية التي حدثت فيها انتخابات حرة للبرلمان قبل تسع سنوات، ولكنها منذ ذلك الحين منقسمة إلى قسمين، وأكثر من مصر التي عُزل فيها الرئيس محمد مرسي من قبل الجنرالات وأخذ مكانه أحدهم".
وينفي أن الديمقراطية مرتبطة بدخول الإسلاميين من الباب، ففي انتخابات البرلمان التونسي التي تمت قبل شهر لم يعد حزب النهضة الديني هو الحزب الرئيس، وكان الثاني بعد منافسه العلماني.
وفي الانتخابات الرئاسية التي افتتحت يوم الأحد من هذا الأسبوع قرر المتدينون أن يتنازلوا للآخرين، ومن بين 27 مرشحا لم يكن إسلامي واحد، ولم يبلغوا أنصارهم لمن يصوتوا، كما أوضح خوجي.
وقال إن المرشحين اللذين حصلا على أغلبية الأصوات وانتقلا إلى المرحلة الثانية هما علمانيان، أحدهما كان شيوعيا في السابق، هو الدكتور منصف
المرزوقي ابن الـ 69 عاما ويشغل منصب الرئيس للمرحلة الانتقالية منذ ثلاث سنوات.
والدكتور المرزوقي طبيب بمهنته وناشط لحقوق الإنسان، وأمضى حياته كمعارض في باريس، ومع إقالة الرئيس الأزلي زين العابدين بن علي قبل أربع سنوات عاد إلى الوطن وشارك في بنائه من جديد.
ويلفت الكاتب إلى ما تكنه الجالية اليهودية الصغيرة بالذات من احترام للمرزوقي، الشيوعي السابق والموالي للغرب، الذي تعرف على اليهود في تونس وخارجها وتبنى علاقات جيدة مع الجالية بعيدا عن الأضواء.
لكنّ الذي يميز المرزوقي هو السنوات التي كان فيها رئيسا مؤقتا وكشفت ميزته الأبرز، وهي غياب الكاريزما. فجل ما عمله هو أنه حذر من رموز السلطة القديمة ملمحا بذلك لمنافسة
السبسي، لكنه لم يقدم دعاية مقنعة بما فيه الكفاية.
ويرى أن أيامه في السلطة كانت رمادية، سواء كان ذلك بسبب الخلل الذي ورثه عن السلطة القديمة والعنف الذي أوجد الثورة، أو بسبب شخصيته الرمادية.
أما الباجي قائد السبسي؛ فهو صاحب الحظ الأكبر لمنصب الرئيس المنتخب الأول في تاريخ تونس، وعمره 88 سنة، وهو أشبه بشمعون بيرس التونسي، كما يرى خوجي.
ويقول إنه في أيام بن علي شغل مناصب عدة قربته من الرئيس، ومن ضمنها وزير الخارجية ورئيس البرلمان.
وركز السبسي في دعايته الانتخابية على ضرورة إعادة سلطة الدولة على الحياة اليومية وفرض القانون والنظام، الأمر الذي دفع المرزوقي إلى أن يقول إن منافسه يمثل السلطة القديمة، وإن انتصاره قد يعيد السلطة القديمة من الباب الرئيس.
ويجزم الكاتب بأنه في ظل غياب مرشح إسلامي مناسب، فقد وجد السبسي في منافسه العلماني المرزوقي، الإسلامي المستتر. وقال: "هذا مرشح المتدينين السلفيين" مدعيا أنهم جميعا أحاطوا به.
وبكلمات أخرى، فإن السبسي حاول أن يصور منافسه بصورة دينية في محاولة لإبعاد الناخبين الليبراليين عنه.
واتهم أنصار المرزوقي بدورهم، المعسكر المنافس بتزوير الانتخابات.
وعلى كل حال، فمنذ الآن معروف أن الرئيس القادم لتونس لن يبقى طوال حياته كما هو معتاد في الأنظمة العربية. المدة المحددة هي خمس سنوات فقط وبعدها يذهب الناخبون الى صناديق الاقتراع كما في الديمقراطيات.
وفي المحصلة، يتوقع الكاتب من أنه مع انتهاء المرحلة الثانية لانتخابات الرئاسة في منتصف كانون الأول ستنتهي تونس رسميا من الفترة الانتقالية التي أعقبت عزل بن علي، وستبدأ رسميا طريقها الجديد.
ويتخوف في الوقت نفسه من أن الطريق الديمقراطية حسب النمط الغربي لن تكون مضمونة إذا هددها "المتطرفون الانتقاميون" وأولئك الذين لم يعتادوا الليبرالية ويعتبرون العنف وسيلة لتحقيق أهدافهم، على حد قوله.
لكنه يرى أن المجتمع التونسي متأثر بالأجواء الحرة نسبيا منذ حكم الحبيب بورقيبة، والتعبيرات المتطرفة في السنوات الأربع الأخيرة كانت صعبة جدا، لكنها لا تقارن بما حدث في مصر والعراق وسوريا.