منذ أن بدأت حركة النهوض الإسلامي قبل قرون، ودعوات تطبيق
الشريعة الإسلامية تتصاعد، بعضها يرى أن استدعاء الإسلام وتجربته الأولى في صدر الدعوة بكل تفاصيلها هو الحل والمخرج، وبعضها يحاول تجديد هذه التجربة بما يكفل تعايشها مع العصر، فيما يعكف الآخرون في التطبيق وقبله الفهم ، فيسيؤون للإسلام ويختزلونه في شكليات هنا، أو حدود وأحكام هناك.
السؤال - بالطبع - ليس: هل نحن مع تطبيق الشريعة أم لا؟ فأكثرية المسلمين تطالب بالاستمرار لإعادة الإسلام - شريعة وعقيدة - إلى منصة الحضور والفعل، وترى فيه الحل لكثير من مشكلاتها وأزماتها، لكن متى نطبق هذه الشريعة وكيف؟ وهل تطبيق الشريعة وحده هو الذي يقيم مجتمع الإسلام؟ وماذا نقصد بالشريعة - أصلاً - ؟ هل هي مجرد الأحكام والقوانين والحدود التي جاء بها الإسلام لتنظيم حياة الناس، أم هي النظام الشامل الذي يحكم حياة الإنسان وسلوكه، ويبني مجتمعه ويؤسس لكيفية تعامله مع ذاته وأخيه المسلم ومع غيره ومجتمعه والكون أيضاً؟
بعض التجارب التي حاولت الدخول من بوابة تطبيق الشريعة إلى الحكم، او رفعت هذا الشعار للوصول إلى السلطة وقعت في المحذور، فتطبيق الشريعة - هنا - ليس مقتصراً على الحكم والحكومات، إنما هو تكليف للمسلمين كلهم تبعاً لمسؤولياتهم ومواقعهم، وأولويات تطبيق الشريعة لا تبدأ بإقامة الحدود أو تنفيذ الأحكام، وإنما بالتنمية والحرية والديمقراطية والقضايا الكبيرة التي تكفل عمارة الإنسان لهذا الكون، والتخويف من تطبيق الشريعة - وفق مفهوم التأديب - انتقل من غير المسلمين الذين أصبحوا مواطنين في البلاد الإسلامية، والآخرين الذين يؤون أقليات إسلامية، إلى المسلمين ذاتهم، خاصة حين اعتبر بعض المتشددين حيال هذه المسألة أن بيده الحق لقتل اخيه المسلم أو غيره من الأبرياء، وإخراجه من الملّة لمجرد أنه لم يحسن إسلامه، (لا تسأل عن الإيمان الذي يترتب على العقيدة، ومعه تترتب مسألة حرمة الدماء. ولا تسأل عن أبجديات
الدين التي تمنع العدوان على الأبرياء. ولا تسأل عن الشريعة التي ترتبط بالعمل الصالح)، فيما لم يفكر هؤلاء أن الشريعة تحث على الحفاظ على حياة الإنسان، وتفرض شروطاً تبدو في معظمها معجزة إذا ما فرضت إقامة الحد، كعقوبة على جريمة ما.
باختصار ، الإسلام ليس مجرد قوانين وأحكام تفرض بالقهر، والعقيدة هي الأصل الذي خرجت منه الشريعة، وتطبيقها ليس عقوبة ولا تأديباً، وإنما إقامة للمجتمع على أسس من الأمن والسعادة والاستقرار، وتمكين للإنسان من بناء دنياه، وتكليف للمسلم - أي مسلم - في ترتيب علاقته مع ربه ومحيطه كله على أفضل ما يكون.
(صحيفة الدستور الأردنية)