هي المرة الأولى بعد سقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافي التي تتعرض فيها مدينة
مصراتة للقصف الجوي، رغم دخول قوات منها في عملية فجر
ليبيا في معارك مع كتائب الزنتان وما يعرف بجيش القبائل، ودخول قوات منها في الرابع عشر من كانون الأول/ ديسمبر الجاري في اشتباكات تحت مسمى عملية الشروق لتحرير الموانئ النفطية.
إذ قصفت صباح الأحد طائرات تابعة للواء المتقاعد خليفة
حفتر عدة مواقع مدنية وعسكرية بمدينة مصراتة شرقي العاصمة الليبية طرابلس، دون أن يسفر القصف الجوي عن أية أضرار بشرية.
ويرى مراقبون أن عملية استهداف مصراتة بقصف جوي جاءت في إطار الانتقام من مدينة المدينة التي تزعمت كتائب منها، متحالفة مع قوات أخرى بغرب ليبيا، الحرب على كل الموالين للواء المتقاعد خليفة حفتر، حيث برزت قيادات عسكرية وسياسية من مدينة مصراتة معارضة للانقلاب العسكري الذي تزعّمه حفتر في نسخته الأولى في شهر شباط/ فبراير الماضي، وفي نسخته الثانية الذي أعلنه ببنغازي في 16 أيار/ مايو الماضي تحت شعار "محاربة الإرهاب".
كما رفض كل نواب مصراتة عن مجلس النواب الليبي في طبرق، الذي صدر قرار بحله عن الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا الليبية، الحضور إلى مقر مجلس النواب بطبرق، سواء كان ذلك عن قناعة أم تحت تأثير الضغط الشعبي الذي مارسه سكان مصراتة على نوابهم المنتخبين في البرلمان الجديد.
ويعتقد الفيدراليون، سواء بمجلس نواب طبرق المنحل أو خارجه، أن مصراتة كانت سببا في إفشال حوار غدامس الأول الذي عُقد برعاية بعثة الأمم المتحدة بليبيا وبرئاسة برناردينو ليون، رغم حضور النائب فتحي باشا آغا أبرز أعضاء مصراتة في المجلس. ويضاف هذا إلى ما يتهم به أنصار حفتر مدينة مصراته من تزويدها لمقاتلي مجلس شورى ثوار بنغازي بأسلحة، وتوفير جرافات بحرية تحمل مقاتلين من غرب ليبيا يدعمون بشكل مباشر ويقاتلون ببنغازي ضد قوات حفتر.
كما أيدت مظاهرات بمصراتة، إضافة إلى سياسيين وقادة كتائب مسلحة أبرزهم صلاح بادي، حكم الدائرة الدستورية بحل مجلس النواب، ودعموا بقوة عودة المؤتمر الوطني العام وانعقاده، بل واشترطوا الاعتراف بشرعية المجلس الوطني للدخول في حوار مع مؤيدي اللواء حفتر، ومجلس نواب طبرق.
إلا أنه، وبحسب متابعين، فإن لعملية القصف الجوي أثرًا بالغًا على دفع بعض الشخصيات والقيادات السياسية من مدينة مصراتة إلى رفض الحوار والحلول السياسية بين أطراف الأزمة الليبية، وهم الذين كانوا يؤيدون قبل القصف الجوي على مصراتة السير في طريق التفاوض والحوار الذي أعلن برناردينو ليون عن موعد انطلاقه في الخامس من كانون الثاني/ يناير القادم.
وكان من أبرز الداعمين للحوار بمدينة مصراتة قوات درع الوسطى التي أعلن المتحدث الرسمي باسمها أحمد هدية في أكثر من مناسبة موافقة قواته على مبدأ الحوار، مع التمسك ببعض الثوابت التي وصفها بـ"الوطنية"، وبالتالي من شأن هذا القصف أن ينقل الأجنحة العسكرية والسياسية من معسكر "الاعتدال" إلى "التشدد"، وهو ما سيؤثر على عملية الحوار والتفاوض من الأساس.
ويُقدّر عدد المقاتلين الفعليين في مصراتة بحوالي 25 ألف مقاتل، كما خرج منها قرابة 230 كتيبة، شكّلت ما يُعرف بقوة درع ليبيا الوسطى. وتمتلك هذه الكتائب مجتمعة ما يزيد عن 3500 سيارة مجهزة بمضادات الطائرات وراجمات الصواريخ، وما يزيد عن 200 دبابة، يتمركز أغلبها في معسكرات تابعة للنظام السابق كما يتمركز باقي الكتائب في ضواحي المدينة.
كما تمتلك مصراتة دفاعات جوية حصلت عليها من النظام السابق تضم رادارات رصد وصواريخ مضادة للطائرات، إلا أنها عجزت عن التصدي للطائرات التي قصفت مواقع في المدينة، ذلك، وبحسب عسكريين، أن القصف حدث من ارتفاعات لا تطالها الدفاعات الأرضية بمصراتة، ولذا لم يُصب القصف الأهداف بشكل دقيق.
ويتوقع المتابعون أن ترد قوات مصراتة بشكل عنيف على القصف الجوي الذي تعرضت له، سواء في شرق ليبيا أو غربها، لكن يعتقد أن التركيز سينصب بشكل رئيسي على شرق ليبيا، بسبب الاعتقاد السائد لديها بأن هذه الطائرات انطلقت من مطارات بشرق ليبيا، وقد يأتي الرد عبر توسيع العمليات بـ"الهلال النفطي"، وعدم مراعاة مسألة حماية المنشآت والموانئ النفطية التي كانت تضعه قوات "عملية الشروق" في حسبانها.