علاقة وطيدة ربطت بين حركة
حماس الفلسطينية وتنظيم
حزب الله اللبناني، منذ نشأتهما خلال الثمانينات الماضية، كونهما تعتبران من الحركات المعارضة لتواجد الدولة الإسرائيليّة، وتواصلان مقاومتها من منظور إسلامي.
لكن هذه العلاقة كانت تتأثّر بين العلو والانخفاض، تبعاً للسياسة
الإيرانية، باعتبارها الحاضن الأساس لها، وكانت قد تدهورت إلى أدنى مستوى بعد التباين الذي تمكّن بينهما في أعقاب ثورات ما يعرف بالربيع العربي، وخاصة بشأن الأزمة السورية، حيث عارض التنظيم تلك الثورة، قبل مساهمته عسكرياً في مواجهتها، نظراً لموقف الجمهورية الإيرانية الداعم باتجاه الدولة السورية، في مقابل تأييد حماس للثورة أو التعاطف معها على الأقل، حيث كان لهذا التباين، التأثير الأبرز في اضمحلال علاقتها مع الحزب، وبالتالي انحدارها إلى الأسفل مع إيران، برغم أنها كانت تُعد من أكبر الداعمين لها.
انحدار العلاقة، لم يصل إلى حد القطيعة، بسبب أنها محكومة للعلاقة الإيرانية - المصرية، التي كانت تعوّل عليها إيران بخاصّة، لبناء علاقات استراتيجية مع مصر الواقعة في قبضة الإخوان المسلمين حديثاً، وصولاً إلى تأليف جبهة أو تحالف إقليمي في مواجهة الصهيونية والهيمنة الأمريكية في المنطقة، والتي كانت شهدت تحسناً متصاعداً، بعد لقاءين هامين بين الرئيسين المصري "محمد مرسي" والإيراني "أحمدي نجاد" في القاهرة وطهران أواخر أغسطس/ آب 2012، وأوائل فبراير/ شباط 2013 على التوالي، لكن سقوط الإخوان قلّص تلك العلاقة، والتي استمرّت في الانخفاض، على الرغم من تقارب الموقف المصري من الموقف الإيراني من الأزمة السورية، نظراً لمُعرقلات سياسية وإستراتيجية أخرى، كما أنه وعلى الرغم من إبداءهما من أنهما لا تزالان على خلافهما بشأن الأزمة السورية.
لكنهما كانتا تحرصان على إنتاج علاقة إيجابية لتحقيق مصالحها المصيرية، فالحرص الإيراني ينبع من ضرورة المحافظة على علاقة جيدة مع حماس، باعتبارها جهة قويّة يمكن الركون إليها في المنطقة، تعزيزاً لرغباتها ومصالحها المستقبلية، ولحيازة المزيد من المكاسب السياسية والأمنية باتجاه الولايات المتحدة وحلفائها، في ظل البيئة الإقليمية السيئة، التي لم تشهد استقراراً منذ بداية العقد الحالي، وبالنسبة لحماس وهي أكثر حرصاً، فإن العدوان الإسرائيلي والتهديدات المتلاحقة ضدها، وانعدام علاقتها الخارجية وخاصةً بالجانب المصري من جهة، والاستعدادات الإيرانية بتمويلها مالياً وعسكرياً، من جهةٍ أخرى، ساهمت بشكلٍ جيد في الانجذاب نحوها والتعاون معها.
كان التنظيم مدعو لسلوك نفس السياسة التعاونية باتجاه حماس، حيث أبدى اهتماماً متزايداً باتجاه تنمية علاقات أقوى معها، من خلال عقده لقاءات في أوقات زمنية متقاربة، مع أشخاص بارزين فيها، تهدف إلى بحث العلاقات الإستراتيجية ذات الاهتمام المشترك. ومن الجدير ذكره في هذا السياق، ذلك الدور الكبير الذي لعبه الأمين العام للحزب "حسن نصر الله" خلال الفترة القريبة السابقة لدى إيران، من أجل تعظيم علاقتها بمستوياتها كافة باتجاه حماس، بما فيها قيامه بتسهيل زيارة "مشعل" إلى طهران، لكن بروز مُعرقلات داخلية في صفوف الحركة أدّت إلى تأجيلها.
حدوث العدوان الإسرائيلي (الجرف الصامد) ضد حماس، في أوائل يوليو/تموز الماضي، كان دافعاً مهمّاً، أمام الحزب، للإعراب عن وقوفه إلى جانبها، خاصةُ وأنها تخوض حرباً قاسية ضد الجيش الإسرائيلي، حيث شهدت الأيام الأولى للعدوان تكثيف آخر لاتصالاته معها وبصورة لم تشهدها من قبل، والتي توِّجها اتصال "نصر الله" برئيس مكتبها السياسي "خالد مشعل" أكّد خلاله وقوفه بجانب المقاومة الفلسطينية ودعم شروطها لوقف القتال، وهو الاتصال الرسمي الذي جاء كنتيجة طبيعية لتللك الاتصالات، التي جرت بين "مشعل" ورئيس مجلس الشورى الإيراني "علي لاريجاني" وقادة عسكريين إيرانيين آخرين، والتي أسفرت عن تكثيف التعاون على الصعيد العسكري، لمواجهة أيّة تطورات محتملة، وسواء كان في قطاع غزة أو في جنوب لبنان، والتي اعتُبرت من المؤشرات الهامّة على عودة برامج التعاونات المالية والتسليحيّة وإعادة تعزيز دور المقاومة.
بالمقابل فإن الغارة الإسرائيلية الأخيرة على الأراضي السورية، والتي استهدفت قياديين إيرانيين ومن حزب الله، كانت أوجبت دافعاً آخر أمام حماس، في شأن تعميق علاقتها بالحزب، حيث أدانت الغارة الإسرائيلية واعتبرتها تعدياً سافراً، يستهدف المقاومة، ويستوجب الرد والانتقام، وكان الأمر الأكثر أهميّة، باعتبار أن له مدلولات عسكرية، هو تلقي حزب الله برقية تعزية حملت توقيع قائد كتائب عز الدين القسام "محمد ضيف" والتي نصّت على وجوب توجيه جميع البنادق نحو إسرائيل، بما يعني تطور العلاقة عسكرياً، والتي ربما تصل إلى حد الشراكة، لخوض حربٍ، قد تنشب مستقبلاً، وهي الشراكة التي ليس من السهل على إسرائيل أن تتحمّلها.