يعاني جيل كامل من أطفال
اللاجئين السوريين في
لبنان من خطر فقدان المستقبل بعدما فقدوا حاضرهم، ذلك أنهم إما لم يتمكنوا من الالتحاق بالمدارس، أو أجبروا على الفرار وباتوا خارج مقاعد الدراسة من دون شهادات معترف بها من الحكومة اللبنانية، أو شهادات من حكومة الائتلاف الوطني السوري غير المعترف بها سوى في تركيا.
وفي هذا السياق، يقوم العديد من الجمعيات الأهلية اللبنانية، بعضها مرتبط بمنظمات دولية مثل "منظمة الأمم المتحدة للطفولة" (اليونيسف)، بمشاريع لتأهيل أساتذة للتعامل مع هؤلاء الطلاب نفسياً وتعليمياً، وكذلك تأهيل هؤلاء للالتحاق بالصفوف التي خصصتها الحكومة اللبنانية للطلاب السوريين الهاربين من الحرب في بلادهم.
وتعد مؤسسة "كياني" إحدى هذه المبادرات اللبنانية لاحتضان الطلاب السوريين اللاجئين، حيث بدأ العمل بها مطلع أيار/ مايو 2014. وبحلول شهر كانون الأول/ ديسمبر من العام نفسه أنشأت المؤسسة ثلاثة مراكز تعليمية بالقرب من مخيمات اللاجئين السوريين ببلدة بر إلياس، التي تبعد نحو 5 كيلومتر عن الحدود السورية في منطقة البقاع شرق لبنان.
وتضم تلك المراكز اليوم أكثر من 1000 طالب، تحتضنهم أبنية نموذجية شيّدت وفق نموذج موحد صمم في الجامعة الأمريكية في بيروت، وهي غرف مصنوعة من أعمدة معدنية وجدران خشبية.
وتتولى منظمة "أنقذوا الأطفال" (Save the Children) العالمية ومقرها لندن، الإشراف على مركزين من المراكز
التعليمية الثلاثة، حيث تقدم الرعاية النفسية للأطفال بالإضافة إلى تدريب الكوادر التعليمية، بينما تشرف جمعية "أنا أقرأ" اللبنانية التابعة لمنظمة "اليونيسف" على المركز الثالث، وهي "ذات خبرة في هذا القطاع تجاوزت العشرين عاماً في مجال التعليم الخاص والعام"، بحسب ممثلة جمعية "أنا أقرأ" غريتا الفحل.
وأوضحت الفحل، التي تحدثت إلى "الأناضول" بشرط عدم الظهور أمام الكاميرا، أن مؤسسة "كياني"، بدأت عملها في أيار/ مايو 2014 عبر إنشاء أول مركز تعليمي في مخيم "الجلد" وأطلق عليه اسم "كياني1" وضم 221 تلميذاً.
وأضافت أنه خلال أقل من شهر أنشأت المؤسسة مركزاً تعليمياً آخر داخل مخيم "النهري"، ويقدم الخدمات التعليمية لـ320 تلميذاً تتراوح أعمارهم بين 6 و14عاماً، معظمهم من سكان المخيم"، لكن بسبب كثافة الطلاب لم يتمكن نحو 150 تلميذاً من الالتحاق بالمركز في المرحلة الأولى، فاستُحدثت غرف صفية جديدة لهذه الغاية.
وأشارت الفحل إلى أنه في بداية كانون الأول/ ديسمبر من 2014 أنشأت منظمة "كياني" مركزها التعليمي الثالث في منطقة بر إلياس "ويضم 463 تلميذاً، وهو الذي تشرف عليه (جمعية "أنا أقرأ)"، لكنها لفتت إلى أن "575 تلميذاً ما زالوا على قائمة الانتظار، بانتظار الحصول على حقهم بالتعلم بسبب عدم توفر المكان".
وأضافت أن "أنا اقرأ تقدم نموذجها الخاص بالتعليم وتدرب المعلمين والمعلمات"، مشيرة إلى أن الجمعية "تهتم بالحالة النفسية للأطفال وتقدم لهم الرعاية النفسية ونحن ندرب أساتذتنا على التعامل مع الحالات الخاصة بشكل جيد، كما نمنع نهائياً استخدام العنف الجسدي والنفسي على أي طفل".
تقسم مؤسسة "كياني" دوام التعليم اليومي إلى مرحلتين صباحية ومسائية، حيث "تخصص الفترة الصباحية للتلاميذ دون 14 عاماً، بينما المسائية للتلاميذ بين 7 سنوات و14 سنة ضمن صفوف المرحلة الابتدائية من الصف الثاني حتى السادس" بحسب الفحل.
وأوضحت الفحل أن هؤلاء التلاميذ "إما لم يحصلوا على تعليم مسبق بسبب الحرب الدائرة في
سوريا، أو هجروا مقاعد الدراسة بسبب النزوح"، موضحة أنهم "يتلقون دروساً في اللغة الإنكليزية كي يتم تأهيلهم للانخراط ضمن صفوف المدارس الرسمية، التي خصصتها الحكومية اللبنانية للطلاب السوريين النازحين"، ذلك أن النظام التعليمي في لبنان يعتمد اللغة الأجنبية (الإنكليزية أو الفرنسية) لغة تدريس أساسية في المواد العلمية، على العكس من النظام التعلمي السوري حيث العربية لغة رئيسية.
من جهتها، قالت شفاء فتوح، وهي مدرّسة في أحد المراكز التعليمية الثلاثة، إنها تتولى تدريس "مجموعة من الأطفال بعمر 7 سنوات على مبادئ العلوم والرياضيات، بالإضافة إلى ورشات في الكتابة والتعبير والقراءة". وأضافت فتوح أن هناك اهتماماً أيضاً بـ"النشاطات الترفيهية وغير الأكاديمية".
وفي هذا السياق، أوضحت آمنة الزين، وهي واحدة من المشرفات التعليميات على المراكز الثلاثة من مؤسسة "كياني" ومديرة مدرسة خاصة سابقاً في سوريا، أن معظم التلاميذ يعانون من انعدام الشهادات المعترف بها من الحكومة اللبنانية".
وأشارت الزين إلى أن "معظم الطلاب إمّا أنهم حصلوا على شهادة من وزارة التربية والتعليم في الحكومة السورية المؤقتة، التابعة للائتلاف الوطني السوري المعارض، أو هم من دون شهادات".
وشرحت أن "الحكومة التركية فقط تعترف بالشهادات الصادرة عن الائتلاف الوطني السوري المعارض"، مشيرة إلى "صعوبات كثيرة" تواجه الطلاب الذين حصلوا على شهادات الائتلاف، ويريدون متابعة تحصيلهم العلمي في تركيا "لأن معظمهم لا يملكون وثائق سفر أو أوراقاً ثبوتية".
ووجهت الزين نداء لمنظمة الأمم المتحدة من أجل "الاهتمام بشكل أكبر بالجانب التعليمي للأطفال السوريين، لأنه لا يقل أهمية عن موضوع الغذاء والمأوى"، محذرة من "كارثة إنسانية في حال إهمال موضوع التعليم ونشوء جيل جاهل غير متعلم".