سندس وشيماء..الدلالة والوقاحة

لا شك أن مشهد الرابع والعشرين من يناير اليوم السابق للذكرى الرابعة لثورة الخامس والعشرين من يناير كان بمثابة بروفة ساخنة ذات مغزى ودلالة غاية في الأهمية لإحياء روح الثورة المغدورة، حيث لقيت كل من سندس أبو بكر (الإخوانية) وشيماء الصباغ (اليسارية) مصرعهما برصاص الأمن الغادر، فدلالة المشهد ذلك التوحد على رفض حكم عسكري فاشي بين تيارين مختلفين بل ومتناحرين، وهذا هو الأهم وفريضة سياسية يفرضها واجب الوقت وأولويات المرحلة، فلا مجال لمزيد من الانقسام والتشرذم على أساس أيديولوجي لاسيما بعد أكثر من عام ونصف العام من الفشل على كافة المستويات والأصعدة كان من شأنه  إجبار الصف الثوري على التنسيق (ولو في حده الأدنى) وتنحية الخلافات الشخصية جانباً، لتفويت الفرصة على الانقلاب لشق الصف الثوري أكثر مما هو منشق واللعب بطريقة الاستعمار (فرّق تسد).

أما قمة القذارة والوقاحة والفاشية التي تمارسها سلطة الدبابة وأذرعها الإعلامية من عنصرية عفنة تطبيقاً لشعار المرحلة (انتوا شعب وإحنا شعب) فالدم لم يعد سواء ولم يعد حراما إلا على ذوي القربى من المفوّضين رفقاء (30 يونيه) فقط، فكان التصنيف على أساس الأيديولوجيا، لتتصدر شيماء الصباغ مرثيات النخبة المتقعرة لأنها اشتراكية تكره (الإخوان)، لكنها ورغم ذلك لم تسلم من بعض ألسنة وأقلام نخبة الأراجوزات تلومها وتقرعها على خروجها للتظاهر ضد الفرعون!، أما المسكينة سندس أبو بكر والتي لم تكمل بعد عامها السادس عشر فلم تجد لها من يرثيها في استديوهات ماسبيرو ومدينة الإنتاج الإعلامي لأنها (إخوانية) في زمن السنوات الخدّاعات.

فكما أن للقصة جانباً إيجابياً من تحقق الحد الأدنى من التوافق على مطلب واحد لا خلاف عليه وهو إسقاط الحكم العسكري وإدراك الحقيقة المُرّة التي نعيشها منذ أكثر من 60 عاماً من الحصار والتجريف وتسميم الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية من حكم الجنرالات، فهناك جانب سلبي آخر للقصة يُعبّر عن مدى ما وصلنا إليه من انهيار أخلاقي مريع لأناسٍ باعوا ضمائرهم واستقالوا من إنسانيتهم تماماً لمجرد خلاف في الرأي تحول إلى حرب وجود بغرض الاستئصال وشيطنة الآخر بكل أسلحة الانحطاط المتاحة، ليقول أحد إعلاميي الحظيرة المخبرين "تمنيت سقوط 400 قتيل" ويقصد يوم ذكرى 25 يناير وعلى الشعب أن ينحني للشرطة (هكذا طفحت القاذورات من فمه)، وتكتب صحيفة أمنية صفراء أخرى على مانشيت طائفي كبير إنما ينم عن عقل مريض وقلب تجرد من أدني درجات الإنسانية بعنوان: "اليوم 25 يناير..المخربون..إذا رأيتموهم في الشارع فاقتلوهم" والمثير للغثيان أن هؤلاء وهم يمارسون الطائفية والانحطاط الأخلاقي يدّعون الأخلاق ويتبنون مبادئ الحرية وحقوق الإنسان في استخفاف واضح للعقول (ربما لأنهم يدركون أن خطابهم موجّه للعبيد والأغبياء)!، هل رأيتم انحطاطا وطائفية أكثر من ذلك؟!.. أعتقد أن ما في جعبة الانقلاب الكثير والكثير من قاموس الانحطاط والصفاقة ما دامت نخبة الأراجوزات العفنة تتلقى الأوامر هاتفياً وتنفذ في الحال ما يمليه عليها الأسياد.

تبقى كلمة الثوار في الشارع وعلى الأرض بإبداعهم الاحتجاجي الثورى المتجدد وكسر لنمطية الحشد والتحركات بعد مرور 4 سنوات على شرارة 25 يناير، فصمود الثوار وحده كفيل بإسقاط دولة العسكر بكل أذرعها المستقوية بالدبابة، فهذا ما عبرت صراحةً عنه (البنت أماني الخياط) إعلامية بدرجة مخبر حيث أكدت أن بقاءهم مرهون ببقاء الشرطة والأمن وإلاّ فسيتم تسليمهم (كإعلاميين بالطبع) تسليم أهالي على حد قولها، فغداً لن تجد كل هؤلاء لأن الثورة ستلفظهم مع الحمام القديم الذين تربوا وترعرعوا فيه بكل قاذوراته لإزالة آثار رائحته العفنة، ذلك أن الثورة في ثوبها الجديد قد استفادت من درس الماضي القاسي حيث أن منهج الإصلاح لا يستقيم أبداً مع الفساد والفاسدين، وهذا هو الدرس الأهم بعد الانقلاب وحتى لا تتكرر مأساة 11 فبراير 2011 فالعاقل من يتعلم من دروس الماضي ويستفيد من تجارب الآخرين.