من يتأمل الصورة التي يقدمها الإعلام الغربي وبعض وسائل الإعلام العربية والإفريقية عن الصومال، يجد أنها صورة مشوهة ومضللة ولا تعبر عن واقع الوضع الصومالي في كثير من الأحيان، فالإعلام الغربي يركز على إبراز الجوانب السلبية التي تتسم بالقتامة والبؤس من المشهد الصومالي، وأغلب التقارير والمعلومات التي تتناقلها وسائل الإعلام المختلفة عن الصومال تدور حول المجاعة والقحط والمعارك " السرمدية "بين القوات الحكومية ومقاتلي " الشباب"، والقرصنة والهجرة غير الشرعية !! وتجتهد بعض وسائل الإعلام " تخدير " متابعيها بأرقام المأساة الصومالية ! فتجدها تذكرنا بين الحين والآخر بالمجاعة التي حدثت في بعض محافظات الصومال بعيد انهيار نظام الرئيس سياد بري عام 1991، والتي فتكت بـ 220,000 نسمة تقريباً، وكأننا مازلنا نعيش في أجواء تلك المجاعة حتى اللحظة !! وأكثر جملة تكاد لا تفارق ألسنة الساسة الدوليين وأصبحت تملأ حناجر مذيعي العالم هي : أن الصومال أنموذج للدولة الفاشلة التي يتمرغ أهلها بين أحضان الثالوث المرعب : الجهل، والفقر، والمرض ! والصومال الذي اشتهر في دنيا الصادرات بتصدير الموز والجلود والأسماك والفحم وبعض المواد المعدنية، وظل لفترة طويلة يزود دول الخليج بالمواشي، يخيل إليك وأنت تتابع الإعلام الغربي أنه تخصص في تصدير الإرهاب والعنف والتطرف والقرصنة إلى" القرى الأمنة والمطمئنة " من بقاع العالم !
مؤخراً، قرأت تقييم إعلامية تركية مرموقة للانطباعات التي خرجت بها من زيارتها للصومال ضمن الوفد المرافق للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فالزائرة التركية قامت باكتشاف ملفت ومهم وهو أن في الصومال مبنيين حديثين فقط، وأن المنظر الذي رأوه في مقديشو لم يكن يصدق حقاً !! وتواصل الصحفية شهادتها حول رحلة الصومال بقولها : زعموا أننا نسير في مدينة، ولكن جل ما رأيناه لم يكن سوى بيوت من تنك تم بناؤها وسط أكوام من القمامة، وبشر فقراء ! مع احترامنا وتثميننا للجهود التي تبذلها تركيا في الصومال، واعترافنا بالجميل الذي أسداه الأتراك للصومال بالدعم الذي قدموه في المجالات التنموية والخدمية، إلا أن هذه الصورة " المغلوطة " و " المجحفة " لا يصح تقديمها عن عاصمة بلد مضيف ! نحن لا نطالب الإعلام الدولي تقديم صورة " وردية " عن الصومال، وإنما المطالب هو التقيد بالمعايير الصحفية المعروفة، وتقديم صورة متوازنة عن هذ البلد الواقع في القرن الإفريقي، فهناك الكثير من الأحداث والتطورات الإيجابية التي يمكن تغطيتها وإلقاء الأضواء عليها، فالوضع الأمني أصبح مستتباً في كثير من المحافظات، مما شجع بعض رجال الأعمال إلى الاستثمار في الصومال، ودفع سياسيين رفيعي المستوي والعاملين في السلك الديبلوماسي إلى القيام بزيارات " مكوكية " للصومال، كان آخرها زيارة الرئيس التركي لمقديشو يوم الأحد 25 من يناير الجاري، وقبلها كان اجتماع وزراء خارجية دول الهيئة الحكومية للتنمية في شرق إفريقيا " إيغاد "، الذي انعقد في مقديشو في السبت 10/1/2015، والذي وصف بـ" التاريخي " لكونه يعقد في الصومال لأول مرة منذ تأسيس المنظمة عام 1986، وهناك الكثير من الجامعات دشنت في الصومال مؤخراً، وتقدم دراساتها بالمستويات المختلفة في شتى مجالات العلم والمعرفة، ومن " الإيجابيات " تقاطر المغتربين في بلاد المهجر إلى الصومال بأعداد غفيرة، للمشاركة في إرساء دعائم التنمية الشاملة وإعادة إعمار البلد، والنازحون في دول الجوار بدؤوا بدورهم العودة إلى منازلهم ومناطقهم، لمشاهدة سطوع فجر الصومال الجديد !!