تمحورت مقاربة مبعوث الأمم المتحدة لليبيا، برناردينو ليون، للحوار حول دفع الأطراف المتصارعة إلى طاولة التفاوض، على أمل أن تتخلى عن خيارها العسكري لصالح تفاهمات سياسية تنهي الصراع الدائر. حظ ليون العاثر ساقه إلى
ليبيا، وهي في أشد أزماتها، وقصوره الظاهر جاء من عدم استفادته من تجربة المبعوث السابق، طارق متري، وعدم إدراكه للمعطيات على الأرض وللخصوصية الليبية.
ما يقوّي ظهر ليون هو الدعم الذي تلقاه من الخمس الكبار، أمريكا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، التي اتفقت بالعموم على تأييد مقاربة ليون لاحتواء الأزمة، دون أن تتخلى عن خيارات أخرى تتقاطع مع مقاربة ليون أو تستقل عنها تماما.
اتفاق ليون مع الأطراف الغربية المتابعة للشأن الليبي، التي أصدرت عدة بيانات جماعية حول تصورها لحل الأزمة يقوم على مطالبة الأطراف الليبية المتنازعة بالاتفاق على تشكيل حكومة ائتلافية، تعطي تفويضا لتسيير البلاد إلى أن يتم إقرار الدستور والعودة للمسار الديمقراطي عبر انتخابات برلمانية ورئاسية.
ويبدو أن الضغوط تفعل فعلها فيما يتعلق بالاتفاق على آلية لتعيين رئيس الحكومة الائتلافية. وتقوم آخر آلية مقترحة من قبل رئيس البعثة الأممية على ترشيح أربعة أعضاء من البرلمان وأربعة مماثلين من المؤتمر الوطني يحظون بتأييد مكونات عسكرية ومدنية، لتشكيل مجلس أعلى مؤقت تترأسه شخصية مستقلة، وهو من يعين رئيسا للحكومة الائتلافية، ليتم حل المجلس الأعلى بمجرد استلام رئيس الحكومة المعين مهامه.
على صعيد آخر، دعا ليون عمداء البلديات المنتخبين وزعماء قبائل وقادة عسكريين ورؤساء أحزاب، وحتى شخصيات مستقلة للمشاركة في
الحوار، دون أن يتضح الدور المناط بهم، وإذا ما كانوا سيدلون بدلوهم في آلية اختيار رئيس الوزراء، أو أنهم سيتحاورون حول قضايا وملفات خارج صلاحيات الحكومة المرتقبة وتمثل بؤرة النزاع، وفي مقدمتها خارطة الطريق ووضع الثوار وقانون العزل السياسي والمصالحة الوطنية.
مقاربة مبعوث الأمم المتحدة لا تجيب بوضوح على سؤال: من يراقب ويحاسب الحكومة بعد إقصاء البرلمان والمؤتمر الوطني من المشهد. إذ إن إعطاء حكومة معينة صلاحيات مطلقة أمر محفوف بالمخاطر، فكيف يعين بديلا لرئيس الحكومة، على سبيل المثال، في حال استقال رئيس الحكومة المعين أو ألم به ظرف قاهر يمنعه من الاستمرار؟!
أيضا لم تتضح الرؤية حول علاقة الأطراف المتحاورة بالحكومة وما تتوصل إليه من اتفاقات تتعلق بملفات شديدة الحساسية وتتطلب ميزانية وفرق عمل لتنفيذها، منها عودة اللاجئين والنازحين وتنظيم السلاح...الخ، وهل نتائج اتفاقها ملزم للحكومة لتنفيذه، وما هي السلطة التي يمتلكها المتحاورون ليلزموا الحكومة بتنفيذ مخرجات حوارهم؟!
ضبابية الرؤية وضعف الإدارة في مساعي ليون تدفع الأطراف الأخرى التي ترتبط مصالحها بليبيا ألا تضع بيضها جميعا في سلة مبعوث الأمم المتحدة، وهو ما يفسر المسار الحواري الموازي الذي ترعاه روما، الذي يبدو أقل تعقيدا، لكن لا ضمانة لنجاحه.
فقد تسربت معلومات عن لقاءات على مستوى وزاري وعلى مستوى قيادات سياسية غير رسمية في كل من طرابلس وطبرق، وترعاها الحكومة الإيطالية بخصوص استدراك أي نتائج خطيرة تنجم عن فشل مقاربة ليون الحوارية.
المعلومات التي لم يتسن التحقق منها تفيد بأن المسعى الإيطالي والمدعوم أمريكيا يقوم على التقريب بين السلطتين التنفيذيتين لبناء جسم حكومي واحد. ويمكن في حال التوافق الضغط على كافة القوى المعارضة للقبول أو مواجهة المجتمع الدولي.