مقالات مختارة

ياسلام " يا ست"

1300x600
كتب علي حسين: من جديد أرى نفسي مضطرّاً للاعتذار عن جهلي في شؤون السياسة العراقية، ودهاليز حكمائها، إليكم المشكلة التي أعانيها: السيدة عالية نصيف التي تنقلت "بخفّة ورشاقة"من قائمة الوفاق إلى العراقية البيضاء ثم العراقية الحرة،وأخيراً حطّت رحالها مع دولة القانون، تقول: "إن الأمم المتحدة تعمل بشكل مباشر لإعادة النظام البعثي".

ولهذا يتخيل القارئ مثلما تخيلت أنا أن السيدة النائبة تعتقد أنّ بان كي مون عضو في القيادة القومية لحزب البعث، وأن ممثله في العراق البلغاري نيكولاي ملادينوف كان عضو فرقة في حزب البعث أيام أن كانت السيدة نصيف "تناضل"ضدّ هذا الحزب.

هكذا إذن بهذه الكوميديا الساخرة حوّلت نصيف الأزمة السياسية في العراق إلى سيرك فكاهي، الغلبة فيه للذي يستطيع أن يلقي أكثر عدداً ممكناً من النكات، طبعاً مع الاحتفاظ بالسرّ المدهش الذي كشفته النائبة نصيف،الذي يقول إن أمريكا تزود"داعش"بالأسلحة بصورة غير مباشرة".. كيف ياسيدتي؟ تزيح السيدة النائبة النقاب عن السر الخطير الذي يتلخّص حسب قولها بأن العشائر التي ستتسلح لمحاربة داعش ستعطي هذا السلاح إلى داعش نفسها، وأنا بالتأكيد أطلب العذر للسيدة النائبة؛ لأنها تنسى كثيراً هذه الأيام، ومن جملة ما ضاع في الذاكرة أنها قالت ذات يوم عندما كانت في القائمة العراقية:" إن تسليح العشائر هو الطريق لإعادة الأمن للمناطق المضطربة".

لم تكن السياسة في حالة انعدام وزن، كما هي في العراق. ولم يكن المواطن مسحوقاً بين تصريحات عالية نصيف ونظريات صالح المطلك كما هو الآن.

كنت أتمنى لو أن السيدة نصيف بدلاً من أن تتّهم الأمم المتحدة وتخوّن العشائر، أن تعترف بجرأة بالأخطاء التي رافقت حكومة السيد نوري المالكي، وبالأداء الكاريكاتيري لمجلس النواب الذي يدفع ثمنه الناس صباح كل يوم. 

للأسف إنّ الآفة التي أصيب بها التغيير في العراق هي الأدعياء، والقافزون فوق سطح التغيير بمنتهى الخفّة، ومشكلة هؤلاء أنهم يعتقدون أن الناس فقدت ذاكرتها ونسيت ماذا كان يعمل"هؤلاء"في حقبة أم المعارك.

إنّ رحلة سريعة على متن"غوغل"أو الـ"ياهو"، من شأنها أن تأتي بالحقائق عارية مهما حاول البعض تغطيتها بتلال من المساحيق والحركات البهلوانية، وأظن أننا بحاجة ماسّة للنبش في تاريخ هؤلاء الملائكة قبل أن نصحو يوماً لنجد الذين كانوا يمضون لياليهم وأيامهم في الهتاف"لبطل النصر والسلام"، يريدون بلا خجل أن يوهمونا بأنهم قادوا التغيير بعد عام2003.

قبل يومين وقف "البعثي" نيكولاي ملادينوف في قاعة الأمم المتحدة ليلقي هذه الكلمات المؤثرة عن العراق: أُعرب عن شديد تواضعي أمام شعب العراق، فلقد عاش هذا الشعب لعقود تحت نير الدكتاتورية والصراع تحت تهديد الإرهاب، وعلى الرغم من ذلك فهو يواصل تصميمه على بناء دولة ديمقراطية".

وأضاف:"إن تفاؤلي الذي لا يتزعزع تجاه هذا البلد ينبع من الروح التي يتمتع بها العراقيون العاديون ، أولئك الذين هبّوا للدفاع عن بلدهم في صيف العام الماضي، أولئك الذين لا يهمّهم كون أحدهم شيعياً أو سنياً أو مسيحياً أو أيزيدياً أو كردياً أو عربياً أو ينتمي إلى أي مكوّن آخر...إنهم الغالبية الساحقة من العراقيين العاديين، الذين ليس لديهم بلد أجنبي يفرّون إليه أو جواز سفر دولة أخرى يركنون إليه. هؤلاء هم النساء والرجال الذين سيبنون العراق ويتوجّب علينا كمجتمع دولي مساعدتهم على النجاح".

بعض تصريحات نوابنا الأعزاء تجعلنا نعيد إلى الذاكرة كتاب المفكر الراحل عبد الله القصيمي"العرب ظاهرة صوتية"، فما نسمعه كل يوم من أصوات صاخبة وضاجة يدعونا إلى أن نشعر بالامتنان "للكافرة" إنجيلا جولي، وهي تواسي الأمهات النائمات في الخيام بصمت ودموع حزينة، فيما "النائبة الصوتية" تنتظر من الشعب أن يصفق لها ويهتف بصوت عال:"ياسلام ياست".

(عن صحيفة المدى العراقية 21 شباط/ فبراير 2015)
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع