مصر
السيسي اليوم أخطر من مصر السادات بالأمس على الأمن القومي العربي والإسلامي.. تذكرون حين حسم أنور السادات أمره ووقّع اتفاقية كامب ديفيد في السابع عشر من سبتمبر 1978، يومها أعلن العالم العربي مقاطعته للسادات، فزادت عُزلة مصر وهي عُزلة صبّت في مصلحة العدو الصهيوني، ودولة بحجم مصر ديموغرافياً وجغرافياً ووزناً حضارياً ودولياً لم تكن تل أبيب تريد هدية من السادات أكثر مما أهداها إياها بتحقيق عزلها عن العالم العربي.
حصد الصهاينة غزواً للبنان، استهله حارسها الأمين النظام الطائفي السوري بقيادة المؤسس الأب حافظ أسد بدخول لبنان تحت موافقة عربية، فصفّى القوى الوطنية اللبنانية والفلسطينية على الساحة، وكرّس الهيمنة الطائفية الشيعية الموالية للولي الفقيه، مع فتح أبواب دمشق وبيروت للحرس الثوري الإيراني ليسرح ويمرح فيهما، فكانت البذور التي بذرها أشجاراً وغصوناً كالعلقم نتجرعه اليوم، وهي بالمناسبة رسالة لمن يقول إن الأب حافظ لم يسمح للوجود الإيراني كما فعل نجله.
كانت عُزلة مصر هدية صهيونية بامتياز للثورة الخمينية فوقعت حرب الخليج الأولى مع العراق، ونشطت الثورة الخمينية في مشروعها بتصدير الثورة، وتتحدث الوثائق الآن أن ما نحصده اليوم هو زراعة لتلك الفترة التي كانت مصر معزولة فيها، فالعلاقة بينها وبين العالم العربي مقطوعة، مما جرّأ إيران من جهة والصهاينة من جهة أخرى على ملء فراغ تركته مصر السادات.
اليوم تتكرر المأساة ويبقى الثابت الوحيد هو إصرار البعض منا على ألاّ يتعلم من أخطائه وخطاياه، فعُزلة مصر بعزل رئيسها المنتخب محمد مرسي الذي ترضّى على الصحابة الكرام في العاصمة الإيرانية، لم يكن لملاليها أن يغفروا له ذلك، لكن مكر الليل والنهار من قبل بعض إمعّات طهران وتل أبيب كافٍ للقيام بالدور على أكمل وجه دون أن تُكلف طهران نفسها شيئاً، إذ ليس خافياً أن الرئيس المظلوم محمد مرسي عُزل لمواقفه من الثورة الشامية، وهي قضية مفصلية تاريخية لها ما بعدها بالعرف الصهيوني والصفوي، فالتقت المصلحتان كما التقت غير مرة بعزل مرسي وفرض
انقلاب عسكري معزول شعبياً وعربياً وإسلامياً وتكبيل مصر تماماً بتوافه الأمور، ليتفرغ أعداؤنا في تل أبيب وطهران للدعوة لوليمة على أشلائنا ودمائنا.
يدرك الجميع أن عجلة التغيير والتاريخ لن تعود للوراء، ويدرك الأعداء أن الشعوب قد تغيرت ولن تعود إلى القمقم الذي غادرته، لكن القوى المتربصة بالعالم العربي والإسلامي تحاول مجرد إبطاء عجلة التاريخ عبر تدمير ما تستطيع مما تبقى من أطلال دول، ودق أكبر عدد ممكن من الأسافين لتكون عملية الانعتاق مُكلفة، وإلا فهل تعتقد طهران وتل أبيب أنهما بإمكانهما إعادة طاغية الشام إلى قصر المهاجرين، بالتأكيد لا.. ولكن الهدف هو تدمير المُدمر وتفجير المفجّر، وثمة عملاء مستعدون لتنفيذ المهمة مع قناعتهم الكاملة بأن لا حُلم لهم بالعودة ولكن الحقد على هذه
الأمة والمثال صارخ في الحالتين السورية بالأسد واليمن علي عبدالله صالح.
طريقة الحل واضحة ليس لمصر فقط وإنما للأمن القومي العربي، خصوصاً بعد انهيار الحصن اليمني، وتكشير طهران عن احتلالها لسورية بجلب حثالات العصابات الطائفية الأفغانية والعراقية وغيرهما، الحل يكمن بلفظ الانقلاب المصري الذي هو انقلاب على المنطقة وخنجر مسموم في ظهرها كلها، وليس في ظهر الشرعية المصرية، وإلا فإن التسريبات السيسية الأخيرة وتوجهه إلى جزار الشيشان والشام بوتن رسالة واضحة على أن الانقلابيين ليس لديهم خط أحمر إلا خط بقائهم في السلطة، ولو كان على جماجم المصريين والشاميين والعراقيين واليمنيين ونهب جيوب الخليجيين وغيرهم. ما كان لطهران أن تتجرأ على كل هذا لولا الصمت السيسي على الحوثيين والأسديين والمالكيين والعباديين في العراق، فلم تعد مصر معزولة كما كانت أيام أنور السادات، مصر السيسي اليوم خنجر في ظهر الأمة، وما لم نتفاد الأمر فإن الكلفة ستتناسب طردياً مع عامل التأخير.
الأمل بالله أولاً ثم بلقاء العاهل السعودي الملك سليمان بن عبدالعزيز مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والأمل بالتصريحات النارية الواضحة وضوح الشمس لأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بالوقوف مع التاريخ والشعوب، ونصرة ثورة الشام ضد طاغية العصر بشار الأسد، فما زالت الشعوب مفعمة بالأمل، وإلاّ لما أصرّت على انتزاع حقها بالعيش بكرامة ولو كان ذلك على بحور دمائها.
(نقلا عن صحيفة العرب القطرية)